قاعدة: تقديم الشيء على سببه لاغ، وتقديمه على شرطه جائز.
——————
(الخلاصة: لا يجوز تقديم زكاة الفطر في اليوم الثامن والعشرون، وما قبله في زكاة الفطر، ومن فعل فعليه الإعادة).
————————-
١- في الصحيح: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
وهذا دليل أنهم كانوا يعطونها لمن يقبلها من الفقراء بيوم أو يومين، وليس لتجمع فقط.
٢- أخرجه البخارى كما قال المؤلف (3/298 ـ فتح) من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: "فرض النبى صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من بر، فكان ابن عمر يعطى التمر، فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرا، فكان ابن عمر يعطى عن الصغير والكبير، حتى إنه كان يعطى عن بنىّ، وكان ابن عمر رضى الله عنهما يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين".
وجه الدلالة: أضيفت صدقة الفطر إلى الفطر، وهي أما من إضافة الشيء إلى وقته، فتكون زكاة الفطر مؤقته يبدأ وقتها بالفطر من كامل صيام أيام شهر رمضان، وهي غروب شمس آخر يوم من رمضان، وما جاء دليل بجوازه قبله بيوم أو يومين مستنداً لإجماع أو قول صحابي عند من يحتج به أو لكونه يسيراً فيعفى عنه -كما سيأتي-.
وإما أن يكون من باب إضافة الشيء لسببه، وسبب زكاة الفطر، هو الفطر بعد رمضان، ولهذا لا تجب على ولد بعد غروب الشمس.
قال شيخنا العثيمين في مجالس رمضان: "وأما وقتُ وجوبِ الفطرةِ فهو غروبُ الشمسِ ليلةَ العيدِ، فمن كان مِنْ أهلِ الوجوبِ حينذَاك وجبتْ عليه وإلاَّ فلا. وعلى هذا فإذا مات قبلَ الغروب ولو بدقائقَ لم تجب الفطرةُ. وإن ماتَ بعدَه ولو بدقائقَ وجبَ إخراجُ فطرتِه، ولَوْ وُلِدَ شخصٌ بعدَ الغروب ولو بدقائقَ لم تجبْ فطرتُه، لكنْ يسن إخراجُها كما سبقَ وإن وُلِدَ قبل الغروبِ ولو بدقائقَ وجب إخراج الفطرةِ عنه". أهـ
٣ - أخرج الحاكم أبو عبد الله في معرفة علوم الحديث ص (131): حدثنا أبة العباس، محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن الجهم السِّمَّري، حدثنا نصر بن حماد، حدثنا أبو معشر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: " أمرنا رسول الله ـصلى الله عليه وسلمـ، أن نخرج صدقة الفطر عن كل صغير وكبير، حر وعبد: صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من قمح. وكان يأمرنا أن تخرجها قبل الصلاة. وكان رسول الله ـصلى الله عليه وسلم- يقسمها قبل أن ينصرف إلى المصلى، ويقول: "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم".
قال أبو عبد الله ص (132): "هذا الحديث رواه جماعة من أئمة الحديث عن نافع، فلم يذكروا صاع القمح فيه، إلا حديث عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ينفرد به عن عبيد الله بن عمر، عن نافع".
وهذا الحديث متكلم في سنده، وعلى فرض صحته، فهو يدل ما دل عليه الحديث الذي قبله، وهي إضافة الشيء إلى وقته أو سببه.
ووجه دلالة أخرى: وهي أن مقصود الشارع هو إشباع الفقير في يوم عيد الفطر، وهذا يكون بالصدفة عليهم في نفس اليوم لا قبله بأيام عديدة قد ينفذ ما تصدق به عليه، وقد يتصرف فيه تصرفاً يبعد شبعه في ذلك اليوم، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعْمةً للمساكين ، فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولةٌ ، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة ٌ من الصدقات".
والجواب عنه: على فرض صحة هذا الحديث وما كان بمعناه من إغنائهم عن السؤال في ذلك اليوم، فتلك علة لا حكمة بدليل أن يعطوا بأكثر بكثير مما يشبعهم في ذلك اليوم ويغنيهم عن السؤال ما لم يصلوا إلى حد الغنى والخروج من دائرة الفقر.
وقد سبق في القواعد الفرق بين العلة والحكمة.
* فإن قيل: أن لزكاة الفطر سببين: الصيام والفطر، فينعقد السبب بأحدهما -كما قالت الشافعية-.
* فالجواب: إن سبب زكاة الفطر هو الفطر بعد شهر رمضان، لا الصيام، ولهذا فدية ترك الصيام لمن كان كبيراً لا يستطيعه، أو كان به مرض لا يرجى برؤه فدية طعام مسكين عن كل يوم، لا يكفرها إلا بعد الفطر من كل يوم أفطره، بخلاف زكاة الفطر فهي صاع عن كل شخص من طعام الآدميين، تكون في نهاية شهر رمضان كله.
* فإن قيل: تقاس زكاة الفطر على زكاة المال في جواز تقديمها عامين، بجامع أن كلاً منهما زكاة واجبة.
فالجواب: أن زكاة الفطر متعلقة بالبدن واجبة في الطعام، -ككفارة الظهار والقتل الخطأ ونحوهما-، وزكاة المال متعلقة بالمال، وواجبة في عين جنس المال الذي وجبت فيه.
والقاعدة: أنه لا يحمل المطلق على المقيد إذا اختلف الحكم، وهنا اختلف السبب واختلف الحكم -كما تقرر في القواعد-.
*فإن قيل: القاعدة: تقديم الشيء على سببه لاغ، وتقديمه على شرطه جائز.
ولكن هنا سبب وجوب لا سبب شرط
-تقديم شرط أو تقديم وجوب-
هو سبب للوجوب لكن ليس هو شرطا للصحة.
فالجواب: أن هناك فرق بين السبب والشرط، وليس هناك سبب شرط، وسبب وجوب، وعلى فرض ذلك فلا مشاحة في الاصطلاح، فسبب كفارة اليمين الحلف، وشرطها الحنث.
فإن قيل: لو كانت من تقديم الشيء على سببه، كما في تقديم الصلاة على سببها وهو الوقت، فكيف قدم الصحابة زكاة الفطر عن سبببها بيوم أو يومين.
فالجواب: من أوجه:
أ- لورود الرخصة بيوم أو يومين، والترخيص في الشيء يدل على أن الأصل المنع.
ب- قول ابن عمر: (كنا نخرجها قبل العيد بيوم أو يومين). يحتمل أنه يقصد نفسه، فيكون اجتهاد منه، وقول الصحابي ليس بحجة على الأصح كما سبق في القواعد.
ويؤيد هذا اللفظ، ما جاء عن نافع أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده بيومين أو ثلاثة.
- ولكن ورد النص الصريح في الصحيح، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
- وهذا دليل أنهم كانوا يعطونها لمن يقبلها من الفقراء بيوم أو يومين، وليس لتجمع فقط.
ج- ويحتمل على اللفظ الأول أن الذي تجمع عنده هو المصدق الذي يبعثه ولي أمر المسلمين لجمع الزكاة فتبرأ الذمة بمجرد الدفع له.
د- ويحتمل أنه فعل الصحابة ولم ينكر فكان إجماعاً سكوتياً وقد سبق في القواعد حكم الاحتجاج به.
هـ- ويحتمل أن الوقت اليسير يتساهل فيه فيكون مغتفراً ومنه اليوم واليومين.
و- ويحتمل: أن الرخصة لرفع الحرج لضيق وقت زكاة الفطر.
* فإن قيل: حديث أبي هريرة لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم حافظاً على مال الصدقة فسرق منه الشيطان.
* وقد تكرر هذا ثلاث ليال مما يدل على جواز إخراج زكاة الفطر قبل رمضان بثلاثة أيام.
فالجواب: على فرض أن هذه الأموال هي زكاة فطر لا زكاة مال، فإن بمجرد دفع الزكاة لإمام المسلمين أو نائبه تبرأ الذمة.
كما أن إمام المسلمين أو نائبه، يعتبر نائباً ووكيلاً للفقير ومستحقي الزكاة في قبضها عنهم.
وأما إذا كانت زكاة الاموال، ومنها زكاة الخارج من الأرض، فلا حجة فيه.
والقاعدة: إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال إذا كان الاحتمال راجحاً أو مساوياً -كما سبق تقريره في القواعد- وههنا الاحتمال راجحاً أو مساوياً.
* فإن قيل: (كنا نخرجها قبل العيد بيوم أو يومين): إذا كان الشهر ناقصاً، يجوز إخراجها يوم الثامن والعشرين.
فالجواب: لا يجوز، لأن الأصل تمام الشهر، فالرخصة بيوم أو يومين باعتبار تمام الشهر، لأنه هو الأصل، وكونه ناقصاً لا يعلم إلا في آخر الشهر، وفي الحديث (نحن أمة أمية..).
ويحتمل أن (أو) في النص (بيوم أو يومين) للتخيير فيجوز أن تخرج قبل العيد بيوم أو يومين، وإن قلنا: للتنويع فالمعنى قبل العيد بيوم إن كان الشهر ناقصاً، وقبله بيومين إن كان تاماً.
وهذا القول القائل بعدم جواز إخراج زكاة الفطر بيوم أو يومين هو قول المالكية والحنابلة، خلافاً للحنفية والشافعية الذين يرون جواز إخراجها من أول شهر رمضان، وذهب بعض الحنفية وبعض الشافعية إلى جواز إخراجها من أول الحول قياساً على زكاة المال، وقد سبق الجواب عليه.
وبناء على ما سبق يترجح جواز إخراج زكاة الفطر في اليوم الثلاثين، والتاسع والعشرين من غروب الشمس ليلة التاسع والعشرين إلى صلاة العيد، وقبل هذا الوقت وبعده لا تجزيء على أنها زكاة فطر، ويجب إعادة إخراجها لمن أخرجها قبل هذا الوقت، ومن أخرها عن صلاة العيد، يجب أن يخرجها لتعلق حق الفقراء بها، مع أنها ليست زكاة اللهم إلا إذا كان التأخير بعذر، ولفظ ( ثلاثة أيام ) هذا كان عند بعث ابن عمر زكاته لعامل الزكاة من قبل الوالي، وليس فيه الترخيص في التقديم بثلاثة أيام.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق