حكم الاحتجاج بالحديث المرسل :
———————
المرسل : هو ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره .
وهذا هو تعريف ابن حجر - رحمه الله - في كتابه النكت ، بعد تعليق الحافظ العراقي على مقدمة ابن الصلاح .
ومن ضعفه ، ولم يحتج به ، لكون السند لم يتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدل تام الضبط من مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة ، فيحتمل أن الذي سقط بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم صحابي، وجهالة الصحابة لا تضر ، لكونهم عدولاً.
ويحتمل أن الذي سقط بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم تابعي ، وهذا التابعي يحتمل كونه ممن يقبل حديثه، ويحتمل غير ذلك ، ولورود هذا الاحتمل ، جعل المرسل من أقسام الحديث الذي سقط منه شرط من شروط الصحة ، وهو اتصال السند.
2 - ومن أهل العلم من صحح المرسل واحتج به في الجملة مع اختلاف بينهم في شروط ذلك .
بناء على غلبة ظنهم بصحته عند وجود ذلك الشرط ، أو تلك الشروط.
وغلبة الظن تنزل منزلة اليقين .
أ - فلأحناف يحتجون به مطلقاً.
ب - والمالكية : يحتجون بالمرسل بشرط أن يكون المرسِل ثقة و يروي عن ثقة.
ج - والشافعية : يشترط أن يكون من كبار التابعين .
د- والحنابلة : يشترط في الاحتجاج بالمرسل : كون المرسل لا يرسل إلا عن ثقة .
فهم يذكرون ترجيحات للإمام للمراسيل بعضها على بعض.
3 - ومن أمثلة مسائل المرسل : ما يدور فيه الخلاف بين الجمهور و الأحناف : وجوب الوضوء من القهقهة!
ففيها حديث مرسل .
4 - عند التطبيق يعسر أن تجد تطبيقا يتفق عليه الكل .
وقد يترك من يحتج بالمرسل الخبر المرسل
لا لكونه مرسل ، وإنما لكون الشروط التي شرطوها لم تتحق عندهم .
فإذا وجد معارض أقوى من المرسل ، لم يعمل بالمرسل ، وهذا ثابت في كل دليل وعند كل عالم فكل محتج بدليل يتركه لأمر أقوى.. وهكذا الفقهاء يحتجون بأمر ثم يتركونه لأقوى منه وكأن ابن حزم رحمه الله لا يبالي بهذا حتى يشنع عليهم أو لا ينتبه له أو تكون المسائل مما تختلف فيه وجهات النظر .. فهم يرون أنهم تركوا المرسل لدليل أقوى وهو لا يراه أقوى ورأيه ليس لازما لهم ...
5 - مصطلح المرسل عند المحدثين : ما رفعه التابعي .
وعند الحنفية ، ما رفعه أحد أهل القرون المفضلة كمراسيل ابراهيم .
6 - الجمهور يرون المرسل حجة ويلمزون الشافعي بمخالفة إجماع من قبله بالاحتجاج بالمرسل عند إعواز الدليل .
وهذا الإجماع فيه نظر ، فقد نقل ابن عبدالبر : إجماع النقاد على رد المراسيل .
7 - قال ابن رجب رحمه الله بعد أن ذكر خلاف العلماء في الاحتجاج بالمرسل :
" واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ ، وكلام الفقهاء في هذا الباب ، فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا ، وهو ليس بصحيح على طريقتهم ، لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث ، فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلا قوي الظن بصحة ما دل عليه ، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن.
وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما ... وقد ذكر ابن جرير وغيره أن إطلاق القول بأن المرسل ليس بحجة من غير تفصيل بدعة حدثت بعد المائتين" " انتهى من "شرح علل الترمذي" (1/ 543)
8 - قال العلاة الألباني - رحمه الله تعالى - :
( …كثير من كبار العلماء يذهبون إلى تصحيح الحديث المرسل لوحده*، أظن أنتم تعرفون هذا، يعني *الإمام مالك والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد -في رواية عنه-، يحتجون بالحديث المرسل لوحده، ليس هناك ما يعضده من متصل*.
طبعا *(((نحن لا نتبنى هذا،))) نحن نقول بما هو الراجح عند علماء الحديث، وبما يشهد الواقع العلمي*: أن الحديث المرسل لا ينبغي أن يحتج به، ما دام لا ندري الواسطة بينه وبين الرسول عليه السلام، أهو الصحابي وحده أم صحابي وتابعي؟ ولذلك الآن أنت فيما نقلته عن الرجل -اللهم إذا كان النقل دقيقاً- جاء في بعض كتب المصطلح كـ البيقونية مثلاً، يقول المرسل تعريفه:
ما منه الصحابي سقط .
هذا التعريف خطأ، لو كان هذا التعريف صحيحاً لكان كل مرسل صحيحاً، لأن قول : " ما منه الصحابي سقط " سقوط الصحابي لا يعل الحديث"
"الشيخ : لا، كان *ملحظهم أن هؤلاء -أي: العلماء الذين صححوا المرسل- لو غلب عليهم أن احتمال أن يكون المرسل أخذه من شديد الضعف كانوا ما صححوه*، لكن هم إيش .؟ *غلب على بالهم وعلى خاطرهم أنه لو كانت هذه الواسطة التي نحن جهلناها شديدة الضعف -حاشاهم- أن يكون إيش.؟ يَروون الحديث وينسبوه للرسول عليه السلام، فالذي يلقى في النفس في هذه الحالة -مع الاعتراف بأن احتمال ضعف الراوي ضعفاً شديداً احتمال قائم- لكن فيه هناك احتمال يقابله وهو الأكثر اطمئنان النفس عليه، وهو أنه ليس شديد الضعف، ولذلك صحح من صحح الحديث المرسل، فنحن لا أقل أن نعتبره شاهداً وليس فقط يعني محتجاً به. غيره* .؟"
وبناء على ذلك ، فإن الذي يظهر رجحانه والعلم عند الله تعالى عدم الاحتجاج بالمرسل لانقطاعه وعدم اتصال سنده، ولا يمنع الاستئناس به على مادلت الأدلة على صحة معناه ، والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق