إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

آخر المشاركات


 حكم التكبير الجماعي:


حكم التلبية الجماعية للحجاج والمعتمرين :

———————————


التكبير في أيام العيد من الشعائر المشروعة باتفاق العلماء، وذلك لقوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).


ولكنهم اختلفوا في مشروعيته جماعة بصوت واحد، فذهب فريق إلى المنع لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -.


والجواب : القاعدة : كل ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه سنة ، ولكن هل فعله بدعة ؟

فيه تفصيل : ما دخل تحت دليل خاص أو عام يدل على مشروعيته ، فليس ببدعه، وما لم يدخل تحت أصل عام أو خاص من العبادات فهو ببدعة .

فالبدعة : هي كل ما أحدث في دين الله تعالى ما ليس منه - مما لم يدخل تحت أصل عام أو خاص يدل على مشروعيته -.


والتكبير مشروع في عيد الفطر :( ولتكملوا العدة ، ولتكبروا الله على ما هداكم).

وكذا مشروع في عيد الأضحى :( واذكروا الله في أيام معدودات )، وقال الصحابي في الحج :( منا الملبي ، ومنا المكبر ، ولا ينكر بعضنا على بعض).وغير ذلك من الأدلة .


وذهب الأكثرون إلى مشروعيته لعدم الدليل على منعه، بل نصوا على أنه الأفضل لكونه أقوى وأعلى صوتاً، وأوقع في النفس من أن يكبّر كل شخص وحده، وأحرى ألا يقع الاضطراب والتشويش بسبب اختلاف الأصوات.


وذلك للأسباب التالية :


1 - ما ثبت عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ) رواه البخاري.

فقالوا: يكبرن بتكبيرهم، أي: معا جميعا كما هو ظاهر النص.


2 - قال الإمام البخاري رحمه الله: "كان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً. وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد".

جاء في "فتح الباري": قوله "ترتج" أي: تضطرب وتتحرك، وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات".


فالذي يظهر من النصين أن التكبير كان جماعياً بصوت واحد.


3 - قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم": "إذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى في المسجد والأسواق والطرق والمنازل، ومسافرين ومقيمين، في كل حال، وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير".


4 - ولأن التكبير في العيدين من شعائر المسلمين الظاهر 

( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).

والتكبير الجماعي فيه إظهار أكثر لتلك الشعيرة ( فترتج منى بالتكبير ).

والقاعدة : الحكم إذا علق على وصف قوي بمقدار ذلك الوصف فيه).


وعلى هذا يتبين أن التكبير جماعة مشروع في ظاهر الأحاديث، وليس هناك دليل صحيح صريح يمنع منه، وعلى فرض عدم وروده فليس هناك ما يمنع منه، حيث إنه داخل تحت النصوص الخاصة : في عدم التفريق بين التكبير الإنفرادي والتكبير الجماعي ، فمطلق النصوص تتناولهما، وكذا دخول الجماعي في عموم النصوص الدالة على مشروعية التكبير .

 ومن ادّعى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكبرون فرادى 

فقط دعوى تحتاج إلى دليل .

والقاعدة : عدم النقل ليس نقلاً للعدم ، والله تعالى أعلم.


محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة ، من يوم عرفة لعام 1444 للهجرة .


 حكم النقاط على بطاقة مسبقة الدفع :


فمثلا : رسالة : تقدم بطلب بطاقة تسوق مسبقة الدفع عبر تطبيق مصرف …. واحصل على 10,000نقاط مكافأة ترحيبية خلال 90 يوم من تاريخ إصدار البطاقة.

————————


الذي يظهر لي أن هذه صورة من صور الربا 

للأسباب التالية :

1 - لأن هذه النقاط ، إنما هي زيادة على تمويل بنكي ، فإذا كان العميل عو المقزض للمصرف ، وأخذ على ذلك زيادة ، فهو من ربا الفضل الصريح .


وإذا كان العميل هو المقترض من المصرف فإن الزيادة التي يأخذه المصرف كائنة له من الطرف الثالث الذي يأخذ منه العميل عن طريق الشبكات التي يكون للمصرف منها جزء من أرباح السلع التي سيتوفي منها العميل ، فالمصرف يفعل هذه الطريقة ضرباً من أنواع الربح باستخدام التمويل لكتساب الأرباح .


2 - كل تمويل بنكي يقصد به الربح من غير الطرق المشروعة - كبيع المرابحة للإمر بالشراء بشروطه عند من يجيزه - فهو من باب المعاوضة المحرمة .


3 - فرق بين باب الرفق والإحسان في القروض، وبين باب الربح والاتجار في القروض فهو من الربا.


فإن قيل : بطاقة المسافر هي بطاقة مسبقة الدفع.

فالجواب : كونه مسافر أو غير مسافر ، ليس وصفاً مناسباً لتغير الحكم في مسألتنا هذه .

فإن الحكم يعلق على وصف مناسب ظاهر منضبط .


ولوقيل : قد يضطر لها الإنسان في سفره ، فإن الضرورة تقدر بقدرها عند وجود شروطها : أن نتيقن أن بهذا الشيء تزول الضرورة ، وأن لا يوجد غيرها يقوم مقامها، وذلك عند وجود المشقة الفادحة والحرج الشديد في عدم استخدامها .


فإن قيل : هذه مكافأة على مجرد الاشتراك في البطاقة حتى لو لم يضع فيها ريالا واحدا فمعنى النفع على القرض ليس موجودا فيها.


فالجواب : أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا قل النفع أو كثر ، وكل زيادة في شيئين حرم الشارع التفاضل بينهما فهو ربا، فإذا وجدت الزيادة وجد الحكم ، وإذا انتفت انتفى الحكم .

وكل تأخير عن مجلس العقد في قبض ما يشترط قبضه من الأموال التي يجري فيها الربا ، فهو حرام .

وهذه البطاقة لها مكافأت وزيادات لمن يرغب في اقتنائها على صورتها .


فإن قيل : حينما يضع العميل المبلغ في البطاقة هو مقرض للبنك لكن لا يوجد أي نفع يحصل عليه بسبب هذا الإقراض 

نعم إذا استعمل البطاقة في مشتريات أعطي نقاطا لكن هذا ليس لمعنى القرض بل لمعنى تربيحه من التجار كما في البطاقة الائتمانية سواء بسواء. ولاحظ هنا أنه كلما قل القرض حصل على نقاط وليس كلما زاد القرض حصل على نقاط.


والجواب : أن العقد في هذه البطاقة إذا كان بين ثلاثة أطراف : المصرف ، والعميل ، وتاجر المحل الذي يتفق معه المصرف على أن يكون طرفاً في التعامل بهذه البطاقة فيكون لكل واحد من هذه الأطراف نسبة من الربح ،- والعميل : يعطى نسبة من أجل تسويق هذه البطاقة على أكبر قدر ممكن - .

فإذا أقرض المصرف العميل وشرط له على الطرف الثالث نقاطاً، فإن المصرف مقرض ، وآخذ للزيادة ، والمعين- وهو العميل - كالفاعل.

ثم إن الربح على القرض وقع في هذه المعاملة ، سواء قصد المصرف تربيح العميل من التاجر أو لم يقصد ، وهو من الأحكام الوضعية عند وجود الزيادة في القرض للمقرض وقع الربا .


والله أعلم .


محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .


 أفضل صيغ التكبير في عشر ذي الحجة:

———————

أفضل صيغ التكبير في عشر ذي الحجة : الله أكبر كبيراً، والحمدلله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر : سمع النبي ﷺ رجلاً يقول :الله أكبر كبيرًا ، والحمد لله كثيرًا ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، 

،فقال ﷺ عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء ، ،

قال ابن عمر : فما تركتهن منذ سمعت رسول الله ﷺ يقول ذلك.

والقاعدة : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، إلا إذا كان السبب معنوياً، فإن العام يتقيد بما يشبه ذلك السبب.

- وقد تقدم تقريرها في القواعد الفقهية والأصولية ،- وهو مطبوع -.

وفي عشر ذي الحجة يشرع فيها التكبير المطلق ، والمقيد يدخل في المطلق .

والذكر من أعظم القربات التي تقرب إلى الله تعالى ، وهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم :( ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من هذه العشر، قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ولم يرجع بشيء من ذلك ). والله أعلم .


كتبه : أبو نجم / محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.


 حكم قول: اسألك بحق الأذان ونحوه:

———————

فمثلاً: اسألك بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، أو اسألك بحق اليوم، أو اسألك بحق الشيخ أو اسألك بحق الذوات ، أو الحقوق الشرعية ؟

————————————-

فرق بين سؤال الله تعالى بحق من الحقوق المشروعة للآدمين ، فإن التوسل إلى الله تعالى عبادة، والعبادات توقيفية - فيكون ذلك بدعة - وبين سؤال المخلوق بالحق المشروع لمخلوق آخر ، فهذا يعتبر شفاعة ، كقول زيد : اسألك بحق أبيك أو والديك ، أي بما جعل لهم عليك من الحقوق الشرعية ، أو بسبب معزتك لهم أن تسامحني، وكقولهم : بحق نبيك سامحني، بمعنى بسبب ما جعل الله فيك من المحبة لنبيك أن تسامحني، وكذا سؤال المخلوق بالرحم أن تعفو عني، أي بسبب ما جعل الله بيننا من حق الرحم يكون ذلك سبباً للمسامحة .


1 - قال تعالى :( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).


واتقوا الله، أيها الناس، الذي إذا سأل بعضكم بعضًا سأل به، فقال السائل للمسئول: " أسألك بالله، وأنشدك بالله، وأعزِم عليك بالله "، وما أشبه ذلك. يقول تعالى ذكره: فكما تعظّمون، أيها الناس، رّبكم بألسنتكم حتى تروا أنّ من أعطاكم عهده فأخفركموه، فقد أتى عظيمًا. فكذلك فعظّموه بطاعتكم إياه فيما أمركم، واجتنابكم ما نهاكم عنه، واحذروا عقابه من مخالفتكم إياه فيما أمركم به أو نهاكم عنه.


واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

وقيل : واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول: " أسألك به وبالرّحِم .

والآية تحتمل المعنيين، والقاعدة : النص إذا كان يحتمل أكثر من معنى بحسب وضع واحد حمل على جميع تلك المعاني- وقد تقدم تقريرها في القواعد الفقهية والأصولية - وهو مطبوع -.


2 - حديث:( اسألك بحق السائلين).

وهو حديث ضعيف : عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ... أقبل الله عليه بوجهه.


رواه أحمد (3/ 21) واللفظ له، وابن ماجه وغيرهما


وإسناده ضعيف لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، وعطية ضعيف كما قال النووي في "الأذكار" وابن تيمية في "القاعدة الجليلة" والذهبي في "الميزان" بل قال في "الضعفاء" (88/ 1): (مجمع على ضعفه) ,والحافظ الهيثمي في غير موضع من "مجمع الزوائد" وأورده أبو بكر بن المحب البعلبكي في "الضعفاء والمتروكين" والبوصيري في"مصباح الزجاجة"،وقال عنه أبو حاتم:"يكتب حديثه ضعيفا", وقال أحمد: ضعيف الحديث وبلغني أن عطية كان يأتي (الكلبي) فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد!!!؟ فيقول: قال أبو سعيد …!!! يوهم أنه أبو سعيد الخدري …! ,وقال النسائي: ضعيف. والحافظ ابن حجر بقوله فيه: (صدوق يخطىء كثيراً، كان شيعياً مدلساً، وقد أبان فيه عن سبب ضعفه وهو أمران:


الأول: ضعف حفظه بقوله: (يخطىء كثيراً) وهذا كقوله فيه "طبقات المدلسين": (ضعيف الحفظ) وأصرح منه قوله في "تلخيص الحبير ، وقد ذكر حديثاً آخر: (وفيه عطية بن سعيد العوفي وهو ضعيف).


الثاني: تدليسه.


وأورده (أعني الحافظ) في رسالة "طبقات المدلسين" (ص18) فقال: (تابعي معروف، ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح) ذكره في "المرتبة الرابعة" وهي التي يورد فيها (من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد) كما ذكره في المقدمة


وقد ضعف الحديث غير واحد من الحفاظ كالمنذري في "الترغيب" والنووي وابن تيمية في "القاعدة الجليلة" وكذا البوصيري، فقال في "مصباح الزجاجة" (2/ 52): (هذا إسناد مسلسل بالضعفاء: عطية وفضيل بن مرزوق والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء). 



3 - قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) .
فالوسيلة هي القربة والتوسل إلى الله التقرب إليه بطاعته، واتباع رسوله، والاقتداء به، وهذا هو الوسيلة المأمور بها في قوله سبحانه (وابتغوا إليه الوسيلة) ومن الوسيلة دعاؤه لهم صلى الله عليه وسلم وطلبهم ذلك منه في حياته كما كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم ويستسقي لهم كقول عمر: اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، فهذا من الوسيلة المأمور بها.


4 - حديث : ( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وحق العباد على الله). 

وحق العباد على الله بما ألزم الله به نفسه تفضلاً وكرماً على خلقه .


4 - وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج بالعباس بن عبد المطلب عام الرمادة بمحضر من السابقين الأولين يستسقون فقال عمر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، ثم قال ارفع يديك يا عباس فرفع يده، يسأل الله تعالى).

وهذا يدل على أن التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم غير مشروع، ولو كان مشروعاً لم يكن هناك فرق بين حياته ومماته صلى الله عليه وسلم ، إذ أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء.


5 - ولأن التوسل إلى الله عبادة ، والعبادات توقيفية .

قال شيخنا ابن باز - رحمه الله تعالى : ( التوسل بالجاه والبركة والحرمة والحق، ليس بجائز عند جمهور أهل العلم؛ لأن التوسلات توقيفية، لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع، ولم يرد في الشرع ما يدل على هذه التوسلات، فلا يقول الإنسان: اللهم اغفر لي بحق فلان، بحق محمد أو بحق الصالحين، أو بحق الأنبياء أو بجاه الأنبياء أو بحرمة الأنبياء، أو بركة الأنبياء أو بحق الصالحين أو بركة الصالحين أو بركة علي أو بركة الصديق ، أو بركة عمر ، أو حق الصحابة أو حق فلان وفلان كل هذا لا يحوز، هذا خلاف المشروع وهو بدعة وليس بشرك لكنه بدعة ).


فإن قيل : هذا في التوسل إلى الله تعالى بحق الذوات والأعيان، ولكن هنا التوسل للمخلوق بالحق الشرعي الذي جعله له الشارع .

من أجل خاطر حبيبك النبي سامحني: يسأله بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم عنده، فهو استشفاع .


والجواب : أن سؤال الله عز وجل بالحق الشرعي الذي جعله للمخلوق لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والتوسل إلى الله تعالى عبادة ، والعبادات توقيفية ، أما سؤال المخلوفين فيما بينهم فيما جعله الله تعالى من الحقوق بينهم ، كسؤالهم بحق القرابة والرحم ، فهو استشفاع يدخل في قوله تعالى ( ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام )

ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش : لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه ، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي ، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة.


6 - ولو كان الأنبياء والصالحون لهم جاه عند الله سبحانه وتعالى فلا يقتضي ذلك جواز التوسل بذواتهم وجاههم؛ لأن الذين لهم من الجاه والدرجات أمر يعود نفعه إليهم، ولا ننتفع من ذلك بشيء إلا باتباعنا لهم ومحبتنا لهم)


تنبيه : 

1 - فرق بين التوسل بذوات الصالحين بمعنى سؤال الله بذواتهم، وبين سؤال الصالحين ودعائهم والاستغاثة بهم – فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .


ويوضح الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ما يحتويه لفظ (التوسل) من الاشتراك، فيقول: 
(إن لفظ التوسل صار مشتركاً، فعبّاد القبور يطلقون التوسل على الاستغاثة بغير الله، ودعائه رغباً ورهباً والذبح والنذر، والتعظيم بما لم يشرع في حق مخلوق. 
وأهل العلم يطلقونه على المتابعة والأخذ بالسنة فيتوسلون إلى الله بما شرعه لهم من العبادات، وبما جاء به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو التوسل في عرف القرآن والسنة … ومنهم من يطلقه على سؤال الله ودعائه بجاه نبيه أو بحق عبده الصالح. أو بعباده الصالحين، وهذا هو الغالب عند الإطلاق في كلام المتأخرين كالسبكي والقسطلاني وابن حجر – أي الهيتمي -) 


وكذا ذكر الآلوسي ما تضمنه لفظ التوسل من إجمال، فقال رحمه الله: 
(إن لفظ التوسل صار مشتركاً على ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة التي يحبها الرب ويرضاها، - وهذا مشروع -.

ويطلق على التوسل بذوات الصالحين ودعائهم واستغفارهم، - هل هو مشروع أم لا:( بعض العلماء يرخص بالتوسل بالصالحين , وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم , وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه -.


ويطلق في عرف عبّاد القبور التوجه إلى الصالحين ودعائهم مع الله في الحاجات والملمَّات - وهذا شرك - ) 


2 - أنواع التوسل : 

أولها : التوسل بالقرآن ، والثاني التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والثالث توسلٌ بالصالحين من ملائكة وأنبياء وغيرهم ، والرابع توسل لا يفهم معناه .


فأما الأول : فإن سؤال الداعي ربه بالقرآن جائز ؛ لأنه من باب التوسل إلى الله بصفة من صفاته ؛ والتوسل إلى الله بصفة من صفاته أمر جائز جاءت به الشريعة ، فمن ذلك الحديث الذي رواه مسلم (2202) ، والترمذي (2080) عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول إذا شكا : ( أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) رواه أحمد في " المسند " (30/265) وصححه محققو طبعة مؤسسة الرسالة ، والأدلة على مشروعية التوسل إلى الله بصفاته كثيرة .
ومن صفات الله تعالى كلامه ، والقرآن من كلامه سبحانه ، فيجوز التوسل به ؛ ولهذا احتج السلف -كأحمد وغيره- على أن كلام الله غير مخلوق فيما احتجوا به ، بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أعوذ بكلمات الله التامات ) قالوا : فقد استعاذ بها ، ولا يستعاذ بمخلوق . ينظر كتاب " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " (1/297) .
قال الشيخ ابن عثيمين : " الدعاء بالقرآن الكريم ، يعني أن يسأل الإنسان ربه بكلامه... والقرآن صفة من صفات الله عز وجل ، فإنه كلام الله تكلم به حقيقة لفظا ، وأراده معنى ، فهو كلامه عز وجل... وإذا كان صفة من صفاته ، فالتوسل به جائز " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".


ثانيا :التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو التوسل الذي عرف في كثير من المتأخرين فيقول: اللهم إني أسألك بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو : أسألك بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى لم ترد به السنة ؛ وقد قال فيه أبو حنيفة وأصحابه : إنه لا يجوز ، ونهوا عنه ، حيث قالوا : لا يسأل بمخلوق ولا يقول أحد : أسألك بحق أنبيائك .
قال في " تبيين الحقائق " للزيلعي الحنفي (6/31) : " قال أبو يوسف : أَكْرَهُ بِحَقِّ فُلَانٍ ، وَبِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك " انتهى ، لأنه " لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ " ؛ كما قال الكاساني في " بدائع الصنائع " (5/126) .
قال الشيخ ابن عثيمين " الراجح من أقوال أهل العلم... أنه يحرم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يجوز للإنسان أن يقول : اللهم أسألك بجاه نبيك كذا وكذا ؛ وذلك لأن الوسيلة لا تكون وسيلة ، إلا إذا كان لها أثر في حصول المقصود ، وجاه النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للداعي ليس له أثر في حصول المقصود ، وإذا لم يكن له أثر : لم يكن سببا صحيحا ، والله عز وجل لا يُدعى إلا بما يكون سببا صحيحا ، له أثر في حصول المطلوب ، فجاه النبي صلى الله عليه وسلم هو مما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، وهو ما يكون منقبة له وحده ، أما نحن فلسنا ننتفع بذلك ، وإنما ننتفع بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم " . انتهى من " فتاوى نور على الدرب " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " لو قيل : يحمل قول القائل أسألك بنبيك محمد على أنه أراد : أني أسألك بإيماني به وبمحبته وأتوسل إليك بإيماني به ومحبته ونحو ذلك ؟ وقد ذكرتم أن هذا جائز بلا نزاع ؟ قيل : من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع ، وإذا حمل على هذا المعنى كلام من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته من السلف - كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين وعن الإمام أحمد وغيره - كان هذا حسنا ؛ وحينئذ : فلا يكون في المسألة نزاع.
ولكن كثير من العوام يطلقون هذا اللفظ ، ولا يريدون هذا المعنى ؛ فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر.
وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به : التوسل بدعائه وشفاعته ، وهذا جائز بلا نزاع ؛ ثم إن أكثر الناس في زماننا لا يريدون هذا المعنى بهذا اللفظ " انتهى من " قاعدة جليلة " (ص119) .


ثالثا : التوسل بذوات المخلوقين .
وهذا من البدع المنكرة شرعا ، والمنكرة عرفا ولفظا ، وفيه من التقدم بين يدي الله ، والتصرف بما لم يأذن به ، والمخالفة لمقاصد الداعي والمتوسل والمستشفع ، ما يخل بمقام الأدب في الدعاء .
قال شيخ الإسلام " وأما الاستشفاع بمن لم يشفع للسائل ولا طلب له حاجة بل وقد لا يعلم بسؤاله، فليس هذا استشفاعا لا في اللغة ولا في كلام من يدري ما يقول.. " انتهى من " الفتاوى " (1/242) .
وقال أيضا " ولو قال الرجل لمطاع كبير : أسألك بطاعة فلان لك ، وبحبك له على طاعتك ، وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك ؛ لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به ، فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين ، ومحبته لهم ، مع عبادتهم له ، وطاعتهم إياه ؛ ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم .
وإنما يوجب إجابة دعائه : بسبب منه ، لطاعته لهم . أو سبب منهم ، لشفاعتهم له . فإذا انتفى هذا وهذا ، فلا سبب "
وقال " قول القائل : اللهم إني أسألك بحق فلان وفلان ، من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم ، أو بجاه فلان ، أو بحرمة فلان ، يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه ، وهذا صحيح ؛ فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة ؛ يقتضي أن يرفع الله درجاتهم ، ويعظم أقدارهم ، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا... فأما إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة.. فيكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سببا لنفعه "
وقال في موطن آخر " ليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضي إجابة هذا . وإن قال : السبب هو شفاعته ودعاؤه ، فهذا حق ، إذا كان قد شفع له ودعا له .
وإن لم يشفع له ولم يدع له ، لم يكن هناك سبب "
وقد بسط الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة بسطا شافيا في كتابه المبارك " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " .


رابعا : التوسل بالنفخة ، وذرية نوح ، وخلافة الصديق ، وشجاعة علي إلى آخره - مما اقتضاه سجع الداعي ، دون النظر إلى معناه ، فكلام لا معنى له ، ولا يصدر من داع مستجمع فكره فيما يدعو به .
فكيف تكون ذرية نوح سببا في إجابة الدعاء ، وفيهم المسلم والكافر والبر والفاجر ؟! وكيف تكون خلافة الصديق ، أو شجاعة علي ، أو فاروقية عمر ، أو حياء عثمان ، أو حتى خلة الله لإبراهيم ، سببا في إجابة الدعاء ؟!
وما شأن هذا الداعي بخلة إبراهيم ؟ !
وما هذا إلا من نتائج مخالفة السنة ، والميل إلى الأدعية المخترعة ، وتكلف السجع فيها ، وبهذا تظهر الحكمة من النهي الوارد عن تكلف السجع في الدعاء .

والله تعالى أعلم .


محمد بن سعد المهلهل العصيمي.


 حكم الأكل من الدجاج المستورد من بلاد النصارى :


حكم من غلب على ظنه ذبح الذبائح على غير الطريقة الشرعية وهم ممن يجوز أكل ذبائحهم :
———————-
فمثلاً ينتشر في عصرنا عند كثير من دول النصارى ذبح الذبائح بطريقة الوخز أو الصعق الكهربائي بحيث تكون هي الصفة السائدة في مجتمعاتهم ودولهم ، وما وجد من غير ذلك نادر ولا يكاد يذكر، فهل يجوز أكل ذبائحم على أصل أنهم نصارى ، ويجوز أكل ذبائح اليهود والنصارى من حيث الأصل ما لم يعلم أن طريقتهم غير شرعية .
فإن المسلم يجوز أكل ذبيحته ما لم نعلم أنه ذبحها على غير الطريقة الشرعية فأهل الكتاب من باب أولى .

أم يقال : لا يجوز أكل ذبائهم ما دام أن الطريقة السائدة في بلادهم الذبح بغير الطريقة الشرعية ، ووجود الطريقة الشرعية في الذبح عندهم نادرة ، وهذا في نظري أقرب ،
وهو القول بعدم جواز أكل الذبائح في بلاد النصارى التي عندهم الطريقة السائدة في الذبح هو الوخز أو الصعق الكهربائي، ووجود غير هذه الطريقة نادر .

وذلك للأسباب التالية :

1 - الأصل في باب الصيد والذبح : الحرمة .
فإن قيل : إن هذا الأصل يقدم عليه أصل أقرب منه ، وهو أن الأصل : حل ذبائح أهل الكتاب ، والقاعدة : الأصل الأقرب، مقدم على الأصل الأبعد .
فالجواب : نعم نسلم بذلك ، ولكن الأصل أضعف الأدلة بالإجماع - كما ذكر هذا الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية - فلا يجوز الإفتاء به حتى يبحث عن بقية الأدلة .
وهذا الأصل عارضه الظاهر : وهو العرف في تلك البلاد هو الذبح عن طريق الوخز أو الصعق الكهربائي.

نعم لو وجدت الطريقة الشرعية وغير الشرعية على حد سواء فإن الأصل يرجح حل ذبائح النصارى ما لم يعلم أنها غير شرعية في تلك الذبيحة المعينة .

2 - إذا تعارض الأصل والظاهر قدم الظاهر ، وقد تم تقرير هذه القاعدة في كتاب القواعد الفقهية والأصولية .
والظاهر ههنا الذبح بغير الطريقة الشرعية في تلك البلاد التي عرف الذبح عندهم بالوخز أو الصعق الكهربائي.

3 - ولأن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين عند تعذر اليقين .
وغلبة الظن أن هذه الذبيحة المعينة ذبحت بحسب الذبح السائد في بلادهم .

4 - فإن قيل : القاعدة : السؤال عن الشرط المتوقع عدمه غير مشروع ، والسؤال عن المانع المتوقع مشروع .
وذلك جمعاً بين حديث عائشة رضي الله عنها : أن أقواماً يأتوننا بلحوم لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لا ؟
فقال صلى الله عليه وسلم :( سموا أنتم وكلوا ). وهذا في عدم تأثير الشرط المتوقع عدمه .
وبين حديث أبي قتادة رضي الله عنه ، قال : توفي رجل منا- من الأنصار - فغسلناه وكفناه ، وأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : تصلي عليه ، فخطا خطأً ثم قال :( هل عليه دين ؟ ) فقلنا :ديناران ، فقال :( صلى على صاحبكم ، فقال أبو قتادة : الديناران علي يارسول الله، فقال ( حق الغريم وبريء منهما الميت ، فقال : نعم ، ( فصلى عليه ) .
فإذا أمكن قضاء دين الميت من تركته أو من متبرع أو من بيت مال المسلمين ، يصلى عليه، وإن لم يمكن ذلك فإن من له شأن وكلمة من المسلمين ينبغي أن لا يصلي عليه زجراً للناس عن الدين ويصلي عليه بقية المسلمين .

وهذا الحديث في مشروعية السؤال عن المانع المتوقع .

والجواب عن ذلك : أن السؤال عن الشرط المتوقع عدمه تنطع فيما إذا لم يخالفه الظاهر .
بمعنى أن الشرط المتوقع عدمه إما لكونه خالف الأصل كسؤال المسلم عن ذكر التسمية عند ذبح الذبيحة المقدمة من قبله للأكل ، فهذا تنطع ، وفي الحديث( هلك المتنطعون ). 
وإما لكونه خالف الظاهر : وهو السائد الذي مخالفته نادرة ، فهذا ليس من التنطع في شيء.

أما في البلاد التي توجد فيها الطريقة المشروعة وغيرها وهما سائدتان ، وهي بلاد نصارى من حيث الأصل مع احتمال وجود الملاحدة ومن ليس من أهل الكتاب من الكفار ، فنأخذ بالأصل : من جواز أكل ذبائح اهل الكتاب .
( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم …). والله أعلم .

كتبه / محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة ألقرى / مكة المكرمة .

 


حكم من قال لزوجته: إن خالفتي نهي فأنت طالق، فقال لها: قومي، فقعدت هل تطلق؟

———————-

لا تطلق :وذلك للأسباب التالية :


1 - لأنها خالفت أمره، ولم تخالف نهيه، 

والأمر : استدعاء ، والنهي : ترك .


2 - ولأن الأمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده - عند أهل السنة والجماعة ، خلافاً للمتكلمين ومن تبعهم، لأن الكلام عندهم : معنى قائم بالنفس لا الصيغة - .


3 - ولأن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، لا عين النهي عن ضده، سواء كان عين النهي عن ضده له ضد واحد ، كالسكون ضده الحركة ، أو له أضداد متعدة كالقيام ضده القعود والإضطجاع .

علماً بأن الأمر بالشيء لا يكون نهياً عن ضده ، إلا إذا كان المأمور به معيناً، ووقته مضيقاً لا يتسع إلا له.


4 - ولازم كلام الشارع معتبر، لأن الشارع لا يمكن أن يذهل عنه، بخلاف كلام البشر لازم كلامه ليس بلازم لاحتمال ذهوله عن لازمه ، ونظير ذلك : مفهوم المخالفة في كلام الشارع معتبر ، ومفهوم كلام المخلوقين غير معتبر ، لعدم إمكان الذهول عن اللازم في خطاب الشارع ، بخلاف كلام البشر ليس بلازم لإمكان ذهوله عن لازم كلامه.

ولهذا قررت قاعدة : لازم المذهب ليس بمذهب، ولكنه يدل على بطلان المذهب- إذا كان لازم كلامه باطلاً-.


وقيل : لازم كلام البشر معتبر ، عند بعض الأصوليين ، وفيه نظر - لما تقدم - والله أعلم .


كتبه / محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة / في شهر ذي القعدة /1444 للهجرة .


 حكم استئذان الوالدين في الذهاب للحج والعمرة:

————————

1 - قال تعالى :( وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ۚ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ).

حيث دلت الآية على عدم طاعة الوالدين وغيرهما من البشر في معصية الخالق ، مع القول الجميل لهما .


2 - وفي صحيح البخاري : عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله».
قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور».


حيث دل الحديث على أن رتبة الحج ولو كان ركناً من أركان الإسلام بعد رتبة الجهاد في سبيل الله تعالى في العمل الصالح .

وبناء على ذلك فكل ما لا يشترط في الجهاد في سبيل الله تعالى في الجهاد في سبيل الله تعالى من إذن الوالدين لا يشترط في الحج .


وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود في الصحيحين • قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة لوقتها))، قال: قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين))، قال: قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))

بَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ الْبِرّ ثُمَّ الْجِهَاد , 
قَالَ الْعُلَمَاء : اِخْتِلَاف الْأَجْوِبَة فِي ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَال , وَاحْتِيَاج الْمُخَاطَبِينَ , وَذَكَرَ مَا لَمْ يَعْلَمهُ السَّائِل وَالسَّامِعُونَ وَتَرَكَ مَا عَلِمُوهُ , وَيُمْكِن أَنْ يُقَال : إِنَّ لَفْظَة " مِنْ " مُرَادَة كَمَا يُقَال فُلَان أَعْقَل النَّاس وَالْمُرَاد مِنْ أَعْقَلهمْ , وَمِنْهُ حَدِيث " خَيْركُمْ خَيْركُمْ لِأَهْلِهِ " وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّهُ لَا يَصِير بِذَلِكَ خَيْر النَّاس , فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَدَّمَ الْجِهَاد وَلَيْسَ بِرُكْنٍ عَلَى الْحَجّ وَهُوَ رُكْن ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ نَفْع الْحَجّ قَاصِر غَالِبًا , وَنَفْع الْجِهَاد مُتَعَدٍّ غَالِبًا , أَوْ كَانَ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ الْجِهَاد فَرْض عَيْن - وَوُقُوعه فَرْض عَيْن إِذْ ذَاكَ مُتَكَرِّر - فَكَانَ أَهَمَّ مِنْهُ فَقُدِّمَ.


وبناء على ذلك : فإن اختلاف الجواب في ترتيب العمل الأفضل يحمل على وجهين :

الأول منهما : أن جواب النبي صلى الله عليه وسلم اختلف لاختلاف أحوال السائلين وأوقاتهم، بأن علم ما يحتاجه كل قوم، وبما لهم فيه رغبة واجتهاد وما هو لائق بهم؛ فاختلف الجواب لاختلاف حال السائلين.

 

أو يقال - وهو الوجه الثاني - : إن المراد بالأحاديث بأفضل الأعمال ليس على إطلاق اللفظ، وإنما هناك محذوف، والتقدير: (من أفضل الأعمال كذا)،

والقاعدة : المطلق إذا قيد بقيود متعارضة تساقطت القيود ، وبقي المطلق على إطلاقه .


3 - وفي الصحيح : حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أقبل رجل إلى نبي الله ﷺ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، بل كلاهما، قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما.


هذا لفظ مسلم، وفي رواية لهما: جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، قال: أحي والداك؟، قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد).


وهذا فيه تقديم بر الوالدين على جهاد التطوع .

أما الفرض فلا طاعة للمخلوق في تركه .


4 - في صحيح البخاري : أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا، وأَمَّرَ عليهم رَجُلًا فأوْقَدَ نَارًا وقالَ: ادْخُلُوهَا، فأرَادُوا أنْ يَدْخُلُوهَا، وقالَ آخَرُونَ: إنَّما فَرَرْنَا منها، فَذَكَرُوا للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ لِلَّذِينَ أرَادُوا أنْ يَدْخُلُوهَا: لو دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إلى يَومِ القِيَامَةِ، وقالَ لِلْآخَرِينَ: لا طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ).

فالمعروف شرعاً، وكذا المعروف عرفاً ما لم يخالف الشرع تكون الطاعة للمخلوق الذي أمرنا بطاعته في حدوده ، وما خرج عن المعروف شرعاً وعرفاً- ما لم يكن معصية - لا طاعة للمخلوق فيه، ولفظ:( إنما الطاعة في المعروف ) أعم من لفظ( لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق ) لأن اللفظ الأخير في المعصية فقط، واللفظ الأول أعم فيشمل المعصية وما لم يكن معروفاً شرعاً ولا عرفاً.


5 - حديث النواس بن سمعان الأنصاري مرفوعاً:( لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق) وصححه الألباني.

فيشمل ذلك الأب والأم والزوج والأمير ، لا طاعة لهم في معصية الله ، وإنما الطاعة واجبة في المعروف شرعاً وعرفاً لا معصية فيه .


وبناء على ما تقدم : فإن استئذان الوالدين في الذهاب للحج إذا كان فرضاً عينياً على الولد فلا يجب استئذانهما، لكون عدم حجه مع قدرته معصية .

وإذا كان الاستئذان في حال كونه نفلاً : إذا لم يتضرر الوالد بذلك فلا يجب ، لأنه ليس من المعروف : منع الولد من النفل الذي لا يتضرر به الوالد .

وإذا كان الوالد يتضرر بذهاب الولد لحج النفل - وكذا كل تطوع - فإنه يجب عدم حجه إلا بإذنه ، قياساً على جهاد التطوع الذي وردت فيه النصوص السابقة .

وحقوق الآدميين تسقط بإسقاط صاحب الحق بطيب نفس منه لا بالإحراج وسيف الحياء.


وكل ما ينتفع به الولد ، ولا يتضرر به الوالد فمنع الولد منه ليس بواجب ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً:( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) فكل ما ينتفع به الغير ولا يتضرر المانع، فطاعة الغير منه غير واجبة .

والله أعلم .


كتبه / محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .


 حكم ستر المرأة قدميها في الصلاة:

———————-

الخلاصة : يجوز للمرأة كشف قدميها في الصلاة ، وهو قول أبي حنيفة ، والأحوط سترهما .

———————————————-


1 - أجمع العلماء على وجوب ستر المرأة جميع بدنها في الصلاة، واختلف في الكفين والقدمين .


2 - أجمع العلماء على وجوب كشف المرأة لوجهها في الصلاة ما لم تكن بحضرة الرجال الأجانب عنها .

- حكاه ابن عبدالبر، وابن تيمية ، وابن قدامة -.


3 - في صحيح البخاري حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى عن هشام قال حدثتني فاطمة عن أسماء قالت جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع قال تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه).

فكون النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصلي فيه ، يدل على أنه يجوز للمرأة أن تخرج كفيها ورجليها ، لأن لبس الثوب لا بد فيه من إخراج اليدين والقدمين ، والقاعدة : تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.


4 - يجوز كشف الكفين للمرأة في الصلاة ، قياساً على الوجه، بجامع ظهورهما غالباً.

- فالكفان يجوز كشفهما في الصلاة عند الجمهور ، خلافاً للمعتمد عند الحنابلة -.



5 - روى أبو داود والترمذي وغيرهما حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ).

والمراد بالحائض : البالغ من النساء .

والخمار : ما تغطي به المرأة رأسها .


والجواب : أن الحديث ضعيف مرفوعاً.

ووجه : اختلف فيه على قتادة ، فرواه حماد بن سلمة عن قتادة مسنداً مرفوعاً ، وتابعه حماد بن زيد عند ابن حزم ، وخالفهما شعبة وسعيد بن بشر فروياه موقوفاً- ورحح الموقوفدالدارقطني-.


ورواه أيوب السختياني وهشام بن حسان عن ابن سيرين - شيخ قتادة - مرسلاً عن عائشة .

وهذه الطريق تؤيد عدم الرفع ، فيكون الحديث مرسلاً ، لأن ابن سيرين لم يسمع من عائشة كما قال ابن أبي حاتم .

وعلى هذا قول أيوب ، وهشام ، أشبه بالصواب .


6 - حديث ابن مسعود مرفوعاً:( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ).

ضعيف : لأن كل طرقه المرفوعة فيها قتادة ، وهو مدلس ، وقد عنعنها ، والطرق التي ليس فيها قتادة رجح الدارقطني وقفها .

فقد رواه أبو الأحوص واختلف عنه: فرواه مورق العجلي عنه عن ابن مسعود مرفوعاً.

ورواه أبو إسحاق وحميد بن هلال عنه عن ابن مسعود موقوفاً، وأبو إسحاق وحميد أكثر وأوثق .


7 - عن أم سلمة، أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟، قال: «إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها»



إسناده ضعيف مرفوعاً: ، عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ضعيف من جهة حفظه، وقد خالفه جماعة، فرووه عن محمد بن زيد موقوفاً، وقال الدارقطني في "العلل" -كما في "نصب الراية" 1/ 300 - عن الموقوف: إنه الصواب.

وبناء على ذلك فهذا الحديث ضعيف للأسباب التالية :


أ - جهالة أم محمد بن زيد، وجميع طرق الحديث المرفوعة والموقوفة مدارها عليها.


ب - الاضطراب، حيث رواه الحاكم بسنده إلى محمد بن زيد عن أبيه بدلا من (عن أمه)، وأبوه مجهول كأمه، ويحتمل أن تكون رواية الحاكم تحريفا من النساخ.


ج - جميع الرواة عن محمد بن زيد رووه موقوفا عدا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار فقد تفرد برفعه، وهو ضعيف الحفظ، وهو ممن لا يقبل تفرده، خاصة عند مخالفته لمن هم أوثق منه ورووه موقوفا.


8 - روى الترمذي والنسائي حديث ابن عمر ، وفيه :( (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال:

(يرخين شبرا) فقالت: إذن تنكشف أقدامهن قال:

(فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه).


والجواب : أصل الحديث في الصحيحين( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )


ولكن زيادة "فقالت أم سلمة ... "، فما بعدها هي مدرجة من قول نافع وليس من قول ابن عمر. ولذلك لم يخرجها لا البخاري ولا مسلم مع إخراجهم لهذا الحديث عن نافع وعن غيره عن ابن عمر ?. وهي مرسلة، فقد ذكر ابن الجوزي أنه لا يصح لنافع سماع من أم سلمة أم المؤمنين .


وللقصة شاهد ضعيف جداً عن أحمد (2\ 18) وأبي داود (4\ 65): من طريق زيد العَمّي (ضعيف جداً) عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر قال: «رخّص رسول الله لأمهات المؤمنين في الذيل شبراً. ثم استزدنه، فزادهن شبراً. فكنّ يرسلن إلينا، فنذرع لهن ذرعاً». وهذا الحديث أنكره ابن عدي في الكامل (3\ 201).


ولكن للحديث طرقٌ أخرى لا بأس بها، كلها عن نافع. وقد استوعب النسائي هذه الطرق في سننه الكبرى (5\ 493) مرتبة منسقة مبتدئاً بالرواية الخطأ كعادته. وذكر هذا ابن السني مختصراً في المجتبى (8\ 209). قال الحافظ ابن رجب في "شرح علل الترمذي" عن سنن النسائي: «تجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث، بدأ بما هو غلط، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له».


9 - قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها).


والجواب : قال ابن عباس ( ما ظهر منها) الوجه والكفان )

وقال ابن مسعود : الثياب .

وقيل : ما لا يمكن إخفاؤه من الزينة كالطول والعرض.

وقيل : في الصلاة، وقيل : خارج الصلاة.

فلا تكن الآية متعينة في مسألتنا، بل هي تحتمل احتمالات كثيرة مساوية أو راجحة .

والقاعدة : إذا جاء الاحتمال الراجح أو المساوي بطل به الاستدلال .


10 - فإن قيل : الأصل : ستر جميع بدن المرأة في الصلاة إلا ما دل الدليل على استثنائه، وعلى هذا يجب ستر القدمين للمرأة في الصلاة .


فالجواب : أن الأصل هو عدم الوجوب حتى يدل الدليل على الوجوب، والقدمين ليست محل إجماع ، والإجماع انعقد على سائر بدن المراة في الصلاة ما عدا الوجه والكفين والقدمين فالإجماع لم ينغقد فيها، والأصل عدم الوجوب .

وهو الباقي على البراءة الأصلية.

وحديث ( المرأة عورة ) سبق ضعفه، وعلى فرض صحته ، فالمراد به خارج الصلاة بدليل آخر النص من الحديث ( فإذا خرجت استشرفها الشيطان ).


وبناء على ما سبق فالذي يظهر رجحانه في نظري والعلم عند الله تعالى : عدم وجوب ستر القدمين للمرأة في الصلاة، وكذا الكفين والوجه، وما عداها يجب سترها في الصلاة بالنسبة للمرأة ،والأحوط والأبرأ للذمة وخروجاً من الخلاف سترهما - الوجه والكفين في الصلاة ، والله تعالى أعلم .


كتبه: محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة / شوال/ 1444 للهجرة.


 حكم غسل يوم الجمعة :

————————

الخلاصة : غسل الجمعة مستحب وليس بواجب .

—————————————


1 - روى مسلم في صحيحه مرفوعاً:( من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ).


فيه دليل على غسل الجمعة ليس بواجب .



2 - روى الخمسة  من طريق قتادة عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل).

والحسن البصري مدلس من المرتبة الثالثة في التدليس الذين لا يقبل حديثهم إلا إذا صرح بالسماح .

وقد صرح بالسماع في سنن سعيد بن منصور ، وعلى فرض ثبوت ذلك فهو حديث حسن بمجموع شواهده.


3 - حديث عائشة في صحيح مسلم مرفوعاً:( لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا ).

يدل على الحث والاستحباب لغسل يوم الجمعة لا الوجب.


4 - حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعاً:( إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ).

والأمر ههنا مصروف من الإيجاب إلى الاستحباب بالأدلة السابقة .


5 - حديث ابن عباس عند البخاري مرفوعاً:( اغتسلوا يوم الجمعة ، واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنباً).

وهو كالذي قبله مصروف من الوجب إلى الاستحباب بالأدلة السابقة .


6 - روى الشيخان حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( غسل  يوم الجمعة واجب على كل محتلم ).

وواجب : بمعنى حق متحتم سواء كان واجباً أو مستحباً، كما تقول العرب : عشاؤكم علي واجب أي حق متحتم .

والحق لغة الشيء الثابت .

والحق اصطلاحاً : ما يثبت به الحكم سواء كان واجباً أو مستحباً، كحديث ( حق المسلم على المسلم ست …).


وبناء على ذلك ذهب الجمهور إلى استحباب غسل الجمعة ، وهو الأقرب ، خلافاً للظاهرية ، ورواية عن الإمام أحمد في قولهم بالوجب، والله أعلم .


كتبه : محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

شهر شوال/1444 للهجرة


 تحرير قواعد ابن رجب :

——————————-


القاعدة ٣٣ الثالثة والثلاثون:

"الاستثناء الحكمي هل هو كالاستثناء اللفظي أم تغتفر فيه الجهالة بخلاف اللفظي؟"


المعنى الإجمالي للقاعدة: أن الاستثناء في البيع ونحوه إما أن يقع بلفظ المتبايعين أو بحكم الشرع، فالقاعدة على الراجح فيما نذكر أن الاستثناء بحكم الشرع كالاستثناء بالشرط اللفظي- الشخصي-  بل مقدم عليه.


وهذه القاعدة يمكن إيضاحها بعدد من القواعد:

القاعدة الأولى "الاستثناء الشرعي كالاستثناء اللفظي".

القاعدة الثانية "الاستثناء الشرعي مقدم على الاستثناء اللفظي".


القاعدة الثالثة "الجهل بالحكم كالجهل بالحال" والجهل إما أن يكون بالحال أو بالحكم أو بما يترتب على الحكم.

فالأول كمن أفطر ظانا غروب الشمس، فالصحيح خلافا للمذهب صحة صيامه، وذلك أن "ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلم به ولم ينكره فله حكم الرفع والتقرير"، - كما في حديث أسماء لما ظنوا غروب الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأفطروا ).، ولم يؤمروا بالقضاء.


والثاني "الجهل بالحكم" إما أن يكون في الواجبات أو المحظورات، فإن كان الجهل عن تفريط أو إهمال أو قام الداعي للسؤال ، فلا يعذر فيهما، 


وإن كان عن غير تفريط وإهمال ولم يقم الداعي للسؤال فإن كان في المحظورات فيعذر مطلقا، وإن كان في باب المأمورات فيجب عليه الإعادة في الوقت للعبادة المؤقتة، ولا يؤمر بالإعادة خارج الوقت، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء صلاته بإعادة ما مضى من صلواته لمضي وقتها، وأمره بإعادة الصلاة التي في الوقت.


وأما في العبادة غير المؤقتة فتجب الإعادة مطلقا.



أما الثالث وهو الجهل بما يترتب على الحكم كمن يعلم بحرمة الجماع نهار رمضان لكن لم يعلم بوجوب الكفارة عليه لو جامع، فلا يعذر بسقوط الكفارة لجهله بما يترتب على الحكم الشرعي من أمور .


وتعلق مبحث الجهل وأثره بقاعدة المصنف ظاهر، فإن الاستثناء الحكمي إما أن يقع عن جهل به أو عن سكوت، وبه يظهر الارتباط.


من فروع المسألة:

———————-

لو باع أمة حاملا بحر وقلنا: لا يصح استثناء الحمل لفظا، فالصحيح أنه يصح الاستثناء بحكم الشرع، وفي المسألة خلاف على ما ذكره المصنف، وصورة ذلك لو أن رجلا وطئ أمة يظنها زوجته، فولدها على ذلك حر، فلو باعها سيدها فالحمل يستثنى من البيع شرعا على الصحيح، لكن يكون للمشتري الخيار في الإمساك أو فسخ البيع.


من فروع القاعدة:

١- لو باعه عقارا ً تستحق السكنى فيه الزوجة المعتدة من الوفاة بالحمل، فهل يصح هذا لها أو لا؟، والصحيح أن لها حق السكنى باستثناء الشرع ولو لم يقع لفظا، من العاقد  لكن تدفع أجرة بقائها.


٢- لو باع داراً  مؤجرة، فيصح البيع وتستثنى المنفعة المعقود عليها للمؤجر إلى تمامها، سواء علم المشتري بالإجارة أو لم يعلم، ولأحمد رواية أن ليس له أن يبيعها حتى يبين، والتوفيق بين الروايتين أن هذه الأخيرة تثبت الخيار للمشتري بعد علمه.


٣- لو اشترى أمة مزوجة صح، سواء علم بذلك أو لم يعلم، وتقع منفعة البضع مستثناة في هذا العقد حكما.

فليس للمشتري أن يتسرى بها وهي زوجة لغيره ، وإن لم يعلم بكونها مزوجة له فسخ البيع إذا علم .


****


القاعدة ٣٤ الرابعة والثلاثون:

استحقاق منافع العبد بعقد لازم يمنع من سريان العتق إليها، كالاستثناء في العقد وأولى، لأن الاستثناء الحكمي أقوى، ولهذا يصح بيع العين المؤجرة والأمة المزوجة عند من لا يرى استثناء المنافع في العقد، خلافا للشيخ تقي الدين في قوله: يسري العتق إليها إن لم يستثن.


معنى القاعدة الإجمالي: هي متعلقة ومتفرعة عن القاعدة السابقة، فإن المنافع المعقود عليها من العبد لا يسري إليها العتق، وتقع مستثناة شرعا بالعقد السابق للعقد ولو لم يقع استثناؤها لفظا، وهو موافق للقاعدة السابقة من أن "الاستثناء الحكمي مقدم على الاستثناء اللفظي"، وفي بعض الصور التي قرر المصنف اندراجها تحت هذه القاعدة نزاع.


من فروع القاعدة:

١- إذا عتقت الأمة المزوجة لم تملك منفعة البضع التي هي مورد النكاح، وإنما يثبت لها الخيار تحت العبد، ومن قال بسراية العتق قال: قد ملكت بضعها فلم يبق لأحد عليها ملك فصار الخيار لها في المقام مع الزوج أو مفارقته كان حرا أو عبدا.


فالأمة إذا كان الخيار لها بعد عتقها من زوجها هي الكفاءة في النكاح إذ لا تكافؤ شرعاً بين الحر والرقيق ، فلها الخيار إذا كان زوجها عبداً لا حراً، وإذا كان ثبوت الخيار لها والحالة 

تلك لكون لا خيار لها عند نكاحها من زوجها ، وثبت لها الخيار بعد انفكاكها من الرق ، كان لها الخيار تحت العبد أو الحر.

والأول أقرب ، فلا خيار لها من زوجها الحر، لكون الإذن في نكاحها كان سابقاً لعتقها ، والاستدامة أقوى من الابتداء.


٢- لو أعتق الورثة العبد الموصى بمنافعه، فهل يسري ذلك إلى المنافع أو لا؟، والقاعدة أن "المنفعة تابعة للعين، فإن زالت العين زالت المنفعة"، وعليه فإن العتق لا يسري إلى منافعه على الأصح، وذلك كما أن منفعة العضو في الجناية لا عبرة بها إذا ذهب العضو، والله أعلم .

١٢ شوال ١٤٤٤هـ



محمد بن سعد الهليل العصيمي


 حكم الوضوء من لحوم الإبل والبانها :

—————

الخلاصة : أن لحوم الإبل والبانها ينقض الوضوء.

————————————————————-


روى مسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه : أنَّ رجلًا قالَ: يا رسولَ اللَّهِ أتوضَّأُ من لحومِ الغنمِ ؟ قالَ: إن شِئتَ فعلتَ، وإن شئتَ لم تفعل قالَ: يا رسولَ اللَّهِ: أتوضَّأُ من لحومِ الإبلِ ؟ قالَ: نعَم ).


هذا الحديث يدل على أن لحوم الإبل تنقض الوضوء.


1 - فإن قيل : إن العلة من نقض الوضوء من أكل لحوم الإبل ، هي كونها مما مسته النار ، وقد جاء النص  بنسخه ،( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مسته النار ) وهذا ما ذهب إليه الجمهور خلافاً للحنابلة .


والجواب : أن العلة في نقض الوضوء: هو أكل لحوم الإبل لا لكونه مما مسته النار ، وما الدليل على كون العلة : كونه مما مسته النار .

ثم إن حديث جابر بن سمرة السابق : فيه دليل على أن العلة في نقض الوضوء بلحوم الإبل  ليست كونه مما مسته النار ، ولو كان كذلك لما فرق بين لحوم الغنم ولحوم الإبل .


2 - فإن قيل : الحديث نص على لحوم الإبل ، فكيف نقيس عليه غيره من البن والمرق من لحومها .

فالجواب من عدة أوجه :


أ - أن حديث جابر بن سمرة السابق ، مفهومه غير معتبر ، لأنه خرج جواباً للسؤال ، وما خرج جواباً لسؤال فلا مفهوم له - كما هو متقرر في أصول الفقه -.

والقاعدة : التخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم به ، لم يبق مفهومه حجة .


ب - والقاعدة : الأصل في الأحكام التعليل، إذ المعنى المتحقق في اللحم، متحقق في اللبن والمرق إذ هو خلاصة اللحم .


ج - والقاعدة : المنصوص عليه وما في معناه حكمها واحد.


د - وعن البراء بن عازب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( توضأووا من لحوم الإبل والبانها)، قال شيخ الإسلام في شرح العمدة : رواه الشالنجي بسند جيد .


ه - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى للبيت في حجة الوداع مائة بدنة ).

ولما كانت السنة الأكل من لحم الهدي أمر أن يقتطع له من كل بعير قطعة ، وأن تطبخ ، فأكل من لحمها وشرب من مرقها) فدل ذلك على أن المرق مستخلص من اللحم ومجزيء عن الأكل مما لم يؤكل من لحمه.


3 - فإن قيل : إن القول بنقض الوضوء من لبن الإبل ، ومن مرقها شاذ .

فالجواب : أن الشاذ ما ضعف مدركه ومأخذه ، مع الاختلاف الكثير في تعريف القول الشاذ - وقد يبق بيانه-

وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله -

إذ إن من مفردات مدهب الإمام أحمد القول بنقض الوضوء من لحوم الإبل ، وفي لبنها ومرقها ونحوهما في مذهب أحمد روايتان .


وبناء على ذلك فالذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى هو القول بنقض الوضوء من لحوم الإبل وألبانها، والله تعالى أعلم .



كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة 14444 للهجرة .


 حكم المولاة في الوضوء :

—————————————


1 - قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ﴾ الآية.

فلأول شرط، والثاني جواب، وإذا وجد الشرط - وهو القيام إلى الصلاة - وجب ألا يتأخر عنه جوابه، وهو غسل الأعضاء. .


2  -  روى مسلم، قال: حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن محمد بن أعين، حدثنا معقل، عن أبي الزبير، عن جابر، أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ارجع فأحسن وضوءك))، فرجع ثم صلى).


الأمر بالرجوع ليحسن الوضوء  يحتمل إكمال ما لم يصبه الماء،  وحينئذ لا يدل على اشتراط الموالاة ويحتمل بإعادة الوضوء حتى يصيب الماء سائر أعضاء الوضوء، فحينئذ يدل على اشتراط الموالاة ، والأدلة الأخرى تدل على الاحتمال الثاني، إذ قاعدة الراسخين في العلم أنهم يردون المتشابه الذي يحتمل أكثر من احتمال إلى المحكم الذي لا يدل إلا على معنى واحداً.


قال القاضي عياض: في هذا الحديث دليل على وجوب الموالاة في الوضوء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أحسن وضوءك)) ولم يقل: اغسل ذلك الموضع الذي تركته،

وقال نحوه القرطبي في المفهم


3 - روى الإمام  أحمد، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا بقية، حدثنا بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء).

ورواه أيضاً أبو داود قال الأثرم: قلت: لأحمد: هذا إسناد جيد؟ قال جيد وصححه الألباني 


وفي إسناده بقية  بن الوليد وهو وإن صرح بالتحديث من شيخه فقد عنعن في شيخ شيخه وهو متهم بتدليس التسوية فلا يقبل منه ذلك. 

فالمدلس تدليس التسوية يشترط في تصحيح حديثه التصريح بالسماع في جميع طبقات السند .


4 - روى  اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ : " رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِع الظُّفُر عَلَى قَدَمه , فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيد الْوُضُوء وَالصَّلَاة قَالَ فَرَجَعَ " 



فرواية ابن ماجة هذه من حديث عمر بنحوه وفي سنده ابن لهيعة- وهو ضعيف - يرتقي بغيره إبى درجة الحسن لغيره .

فهو ضعيف لا يقبل تفرده بالحديث ، بل يقبل في المتابعات والشواهد.


ورواية الإمام أحمد وأبي داود مع ضعفها لكون بقية بن الوليد في السند إلا أن رواية ابن ماجة التي فيها ابن لهيعه ، ترتقي بالحديث إلى كونه حسناً على أقل أحواله ، مما يدل على اشتراط المولاة الوضوء وهو مذهب الحنابلة ، وهو الأقرب في نظري والعلم عند الله تعالى .


5 - ولأن الوضوء عبادة يفسدها الحدث، فاشترط لها الموالاة كالصلاة.


6 - ولأن الوضوء عبادة واحدة، فإذا فرق بين أجزائها، - تفريقاً طويلاً عرفاً - لم تكن عبادة واحدة.


7- فإن قيل :  الله - سبحانه وتعالى - أمر بغسل هذه الأعضاء في الوضوء، ولم يوجب الموالاة، فكيف غَسَلَ هذه الأعضاء فقد امتثل الأمر.

فالجواب : القاعدة تأخير البيان عن وقت الخطاب يجوز ، وتأخير الخطاب عن وقت الحاجة لا يجوز .

وهذا من تأخير البيان عن وقت الخطاب ، فلا إشكال والحالة تلك .


8 - فإن قيل : القياس على غسل الجنابة؛ وذلك لأن الوضوء إحدى الطهارتين، فإذا كانت الموالاة لا تجب في غسل الجنابة، لم تجب في الوضوء.


فالجواب : بعدم التسليم بأن غسل الجنابة لا تجب فيه الموالاة ، بل تجب ، لكونها عبادة واحدة ، لا يمكن يبنى بعضها على بعض بدون موالاة ، والتأخير اليسير عرفاً  بين الأعضاء لا يضر بالإجماع .


9 - فإن قيل تسقط المولاة في حال العذر والنسيان- كما هو قول المالكية -:


أ - وذلك لكون  أصول الشريعة في جميع مواردها تفرِّق بين القادر والعاجز، والمفرِّط والمعتدي ومن ليس كذلك، فمن ترك الموالاة لعذر كما لو كان المكان الذي يأخذ منه الماء لا يحصل له إلا متفرقًا، أو انقطع الماء فطلب ماء آخر، أو لغير ذلك من الأعذار، فإن هذا لم يمكنه أن يفعل ما أمر به إلا هكذا، فإذا حصل له ماء آخر فأكمل وضوءه، فقد اتقى الله ما استطاع، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.


فالجواب عنه : سقوط واجب الموالاة للعجز عنه ، يسقط الواجب لوجود العجز كسائر الواجبات .

والقاعدة : الواجبات تسقط بالعجز عنها ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).هذا إذا كان العذر لعدم القدرة على الوضوء وينتقل إلى بدله وهو التيمم .

وأما إذا انقطع الماء ثم رجع فإنه يعيد الوضوء  ما لم يكن انقطاعاً يسيراً عرفاً بحيث يمكن أن يبني آخره على أوله .

 


ب - القياس على قراءة الفاتحة، فكما أنها تجب الموالاة في قراءة الفاتحة، ولو سكت في أثناء الفاتحة سكوتًا طويلاً لغير عذر، وجب عليه إعادة قراءتها، ولو كان السكوت من أجل قراءة الإمام، أو فَصَلَ بذكر مشروع كالتأمين ونحوه، لم تبطل الموالاة، فإذا كان ذلك كذلك مع أن الموالاة في الكلام أوكد من الموالاة في الأفعال، فإذا فرق بين أفعال الوضوء لعذر، لم يكن ذلك قاطعًا للموالاة.


فالجواب : أن الفصل اليسير عرفاً لا يضر بالإجماع .

وأما إذا كان طويلاً، فإن قاعدة النسيان : الموجود ينزل منزلة المعدوم في النسيان، والمعدوم لا ينزل منزلة الموجود .

- وقد سبق تقريرها في كتابنا : القواعد الفقهية والأصولية -. بأدلتها .

 


ج - القياس على الطواف والسعي، ومعلوم أن الموالاة في الطواف والسعي أوكد منه في الوضوء، ومع هذا فتفريق الطواف لمكتوبة تقام، أو صلاة جنازة تحضر ثم يبني الطواف ولا يستأنف، فإذا كان مثل هذا التفريق جائزًا، فالوضوء أولى بذلك.


والجواب : أن الصلاة من جنس الطواف ( الطواف بالبيت صلاة إلا أنه أذن لكم بالكلام فيه ). ثم هو فاصل يسير .

وكذا يقال في السعي ( إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله ) فإذا كان ذكر الله في السعي فذكره في الصلاة أفضل ، وعلى فرض عدم صحة ذلك فإنه من الفاصل اليسير الذي لا يمنع من بناء آخره على أوله .

 

د - ما رواه البخاري، من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا - قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلِّماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين، قال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: ((لم أنس ولم تقصر))، فقال: ((أكما يقول ذو اليدين؟))، فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك... الحديث .


فالجواب : أن هذا فاصل ليس بالطويل عرفاً، وكان مبنياً على جهل أنهم ظنوا أن الصلاة قد انتهت .


وقاعدة الجهل في المحظور وجود الشيء فيه كعدمه .

كما تكلم الرجل في حديث معاذ بن الحكم لما عطس الرجل فقال الإخر : رحمك الله .

ولم يؤمر بالإعادة ، والله أعلم .


وبناء علىزما سبق : يترجح قول السادة الحنابلة في اشتراط الموالاة في الوضوء ، والله أعلم .


كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعك أم القرى / مكة المكرمة .


 حكم رفع الصوت بالأذان وقراءة القرآن :

———————

يشرع رفع الصوت بالقرآن والأذان ما لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم .


1 - في صحيح البخاري :عن ‌ابن عباس رضي الله عنهما: «{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قال: أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة، فكان إذا رفع صوته سمع المشركون، فسبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، وقال الله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} لا تجهر بصلاتك حتى يسمع المشركون ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم {وابتغ بين ذلك سبيلا} أسمعهم ولا تجهر، حتى يأخذوا عنك القرآن.


2 - وروى النسائي وغيره من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعاً:( إنِّي أراكَ تُحِبُّ الغنمَ والباديةَ ، فإذا كنتَ في غَنَمِك ، أو باديتِك ، فأذَّنتَ بالصَّلاةِ ، فارفَع صوتَك ، فإنَّهُ لا يسمَعُ مدى صوتِ المؤذِّنِ جنٌّ ولا إنسٌ ، ولا شيءٌ ، إلَّا شَهدَ لَه يومَ القيامَةِ . قالَ أبو سعيدٍ : سمِعتُه من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.


3 - قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ )

مما يدل على مشروعية رفع الصوت بالقرآن ليسمعه الغير من الجن والإنس من مسلم وكافر .


4 - قال تعالى : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ).

الشاهد :( لأنذركم به ومن بلغ )


فمن بلغه القرآن, فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم.


5 - الوسائل لها أحكام المقاصد .

فكل ما يكون مشروعاً فوسائله المباحة مشروعة .


6 - الحكم إذا علق على وصف قوي بمقدار ذلك الوصف فيه . 

فكل ما يكون به البلاغ أكبر ، والنفع به أعظم ، وإظهار لشعائر الدين أقوى كلما كان أفضل ، والتركيز على مفاسد معينة من تشويش ونحوه  لإلغاء أصل عام ومصلحة متحققة أو غالبة ليس من الفقه في شيء. فمتى ما ترتبت المفسدة وتحققت أقتصر بها على مكانها  وزمانها ، ولا تكن هي الأصل العام، وأعظم من ذلك وأدهى وأمر من يجعل ذلك من قبيل البدع .

فكل ما يدخل في النصوص العامة أو الخاصة  التي تدل على مشروعية الشيء لا يدخل في البدع.


وبناء على ذلك : لا يجوز وضع قضايا الأعيان فيما يترتب عليه مفسدة معينة مساوية أو راجحة في كون الشيء غير مشروع في تلك القضايا إلى أصل عام ، فيكون ذلك من قلب الحقائق ، ووضع الشيء في غير موضعه، والله أعلم .


محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت