حكم أخذ المال مقابل السعودة الوهمية . صورتها : أن يكره مكتب العمل صاحب العمل أن يوظف عاملاً من جنسية معينة براتب معين ، فيلجأ صاحب العمل إلى توظيف ذلك العامل صورياً لدفع الإكراه عنه بمقابل أقل دون أن يعمل أو يعمل عملا خفيفاً ليأخذ أجراً أقل من المشروط من مكتب العمل بتراضي الطرفين - العامل ورب العمل - فإذا عمل العامل جاز أن يأخذ مقابل عمله ما اتفق عليه بينهما مالم يكره العامل رب العمل - عن طريق مكتب العمل أو غيره - أن يعمل عنده ، أو يكرهه على دفع مبلغ معين لم يرض به صاحب العمل ، كما لا يجوز لصاحب العمل أن يكره العامل أن يعمل عنده براتب لم يرض به ، لقوله تعالى ( إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) . ، إذ أن هناك فرق بين الإكراه على شيء وبين دفع الإكراه به ، لحديث كعب بن عجرة لما جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتحات من رأسه ، قال : ( ما كنت أظن أن الأذى بلغ بك هذا المبلغ احلق رأسك وأطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ) فهو دفع الإكراه عنه بحلق الرأس لوجود القمل فوجبت عليه الفدية ، أما لو حلق رجل رأسه مكرهاً ما وجبت عليه فدية لقوله تعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) ولقوله صلى الله عليه وسلم ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) وعلى هذا : لو أن إنساناً أكره صاحب العمل أن يعمل عنده عن طريق مكتب العمل كان الأجر الذي يأخذه العامل حراماً ، لأنه مال أخذ بغير طيب نفس منه ، وفي الحديث ( لا يحل مال امريء مسلم بغير طيب نفس منه ) وأما إذا دفع صاحب العمل الإكراه من مكتب العمل بإنسان معين بشروط معينه ، كان الأجر حلالا للآخذ والإثم على المكره ، وهل له أن يعفيه عن العمل فيعطيه المال بلا مقابل لدفع الإكراه عنه ، بالنسبة لصاحب العمل جائز لقوله صلى الله عليه وسلم ( إني لعطي أحدهم العطية يخرج يتلظاها ناراً) قالوا : يارسول الله لما تعطهم ، قال : يأبون إلا أن يسألوني . ويأبى الله لي البخل ) . فالظلم يوجب التحريم على الظالم لا على المظلوم . وأما بالنسبة للآخذ، فما ينتفع منه أخوك ولا ضرر عليك فيه فلا يجوز أن تأخذ عليه مقابل ، كأن يستفد من كرتك أو بطاقتك في دفع الإكراه بلاضرر عليك فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ). ويكون والحالة تلك داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أرأيت إن حبس الله الثمرة عن أخيك بأي حق تستحل ماله ) ، لأن المال لا يؤخذ إلا في مقابلة مال أو عمل - كمن يدفع مالاً مضاربة والربح بينهما ، فالعامل أخذ مالاً مقابل عمله ، ورب المال أخذ الشطر الآخر من الربح مقابل بذل ماله - أو ضمان على القول الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم ( الخراج بالضمان ) وحديث نهى عن ربح مالم يضمن )، وأما إذا كان يتضرر بذلك كأن يفوت عليه منفعة أو يلحقه مضرة بذلك فلا حرج في أخذ مقابل بحسب الاتفاق ، ولو كان بدون عمل للعامل من صاحب العمل .للحديث السابق ( الخراج بالضمان ) ، فأخذ المال مقابل استخدام الاسم المجرد بدون ترتب ضرر على صاحب الاسم من الانتفاع الذي لا يجوز أخذ المال عليه ، إذ أن هناك فرق بين المنفعة والانتفاع ، فالمنفعة مملوكة ( لا تبع ما ليس عندك ) والانتفاع غير مملوك ( من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ) ولأنه ينتفع به أخوك المسلم ولا ضرر عليك فيه ، ،ولأنه أخذ للمال بلا مال ولا عمل ولا ضمان ، وأما إذا ترتب الضرر جاز أخذ مقابل لوجود الضمان ، - كما سبق - والله تعالى أعلم . قاعدة : أي اجتهاد يعود على النص بالإبطال فهو باطل ، وكل مصلحة معارضة للنص الشرعي فهي مصلحة وهمية غير حقيقية ، تبدو بادي الرأي أنها هي المصلحة وعند التدبر والتأمل يكون عكسها هو الصحيح ، قال علي : لو كان الدين بالرأي لكان المسح من أسفل أولى ولقد رأيت رسول الله يمسح ظاهر خفيه . والعقل الصحيح يوافق النص الصحيح ، فلو مسح أسفل الخف لزداد عفناً ووسخاً ، فجاء النص بالمسح من أعلى خلافاً لبادي الرأي ، وكذا التسعير واحتكار العمل على جنسية دون أخرى ، ( لا يحتكر إلا خاطيء) وحديث ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) ثم يأتي أناس يعارضون النصوص الصحيحة الصريحة باسم المصلحة والرأي ، وقد اتفق العلماء أن أي مصلحة معارضة للنص فهي ملغاة ، وتسمى عند الأصوليين : بالمصلحة الملغاة ،
كتبه / د . محمد بن سعد العصيمي/ عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة / جامعة إم القرى / مكة المكرمة / قي ١٤٣٦/١٠/٨ه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق