قاعدة//فرق بين الكناية والتعريض.
فالكناية المعتبر فيها استتار المعنى المكنى عنه . والمعتبر في التعريض اتضاح المعنى المعرض به . وقد يطلق أحدهما ويراد به الآخر إذ لا مشاحة في الاصطلاح . فالكناية أن تذكر الشيء بذكر لوازمه كأن يقال : زيد كثير الرماد ، أي : كريم . والتعريض : اللفظ الذي يحتمل أكثر من معنى وقرآئن الأحوال تحدده ، كقولك : أنا لست بزان ولا أمي بزانية في مقام السب والشتم للغير . قال تعالى ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم ) أي لا إثم على الرجال فيما يلمحون به من طلب الزواج بالنساء المتوفى عنهن أزواجهن، أو المطلقات طلاقاً بائناً في أثناء عدتهن، ولا ذنب عليكم فيما أضمرتموه في أنفسكم من نية الزواج بهن بعد انتهاء عدتهن، واحذروا أن تواعدوهن على النكاح سراً بالزنى أو الاتفاق على الزواج في أثناء العدة . وجاء في الحديث ( وكان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها) . والتورية : هو اللفظ الذي يحتمل معنيين يفهم السامع شيئاً ويريد المتكلم غيره . والأصل جواز التورية حتى في اليمين ، لقوله تعالى ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) والحالف قد عقد يمينه على ما نواه، ولقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امريء ما نوى) ، اللهم إلا إذا استحلفه أحد فتكون اليمين على نية المستحلف لما روى مسلم مرفوعاً ( يمينك على ما يصدقك به صاحبك ) وفي رواية له ( اليمين على نية المستحلف ) حيث دل الحديث على أن اليمين تكون على نية المحلف ولا تنفع نية الحالف إذا نوى بها غير ما أظهره، وظاهر هذا الإطلاق عدم التفريق بين أن يكون المحلف له الحاكم أو غيره ، مالم يكن المستحلف ظالماً ، فللحالف نيته لما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث سويد بن حنظلة قال : خرجنا نريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له ، فتحرج القوم أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي فخّلي عنه ، فأتينا الى رسول الله فذكرت له ، فقال صلى الله عليه وسلم ( أنت كنت أبرّهم وأصدقهم، صدقت المسلم أخو المسلم ) ، وأما إذا كان الحالف ظالماً فاليمين على ظاهرها - على نية السامع - سواء حلف متبرعاً باليمين أو باستحلاف لما رواه مسلم مرفوعاً ( من اقتطع حق امريء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة ، وأوجب له النار) .وهذا الضابط الذي تحرر عندي ترجيحه بالأدلة في التأويل أو المجاز الذي يدخل في كل يمين يحلف بها .وحكى القاضي عياض : الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حق بيمينه ، له نيته ، ويقبل قوله. وأما التورية في غير اليمين فلا بأس بها مالم يترتب عليها محظوراً شرعياً كترك واجب أو فعل محظور ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ( من يشتري العبد ، قال : يارسول الله تجدني كاسداً قال : إنك عند الله لست بكاسد) فالسامع يفهم أنه رقيق ، والمتكلم أراد أنه عبد لله . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً . وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي قالت له : يارسول الله : أدع الله أن يدخلني الجنة قال : إن الجمة لا تدخلها عجوز . ثم قال ( الم تقر قوله تعالى ( إنا أنشأنهن إنشآء فجعلناهن أبكاراً. عرباً أتراباً)) أي متحببات إلى أزواجهن ، في سنّ واحدة. هذا وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الحد لا يجب بالتعريض بالقذف ، ولا مانع من التعزير بقدر الضرر الذي حصل للمقذوف ، لما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة قال : جآء أعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله : إن امرأتي ولدت غلاماً أسود . فقال : هل لك من إبل قال : نعم . قال : ما لونها : قال : حمر ، قال هل فيها من أورق - فيه سواد غير حالك يميل الى الغبرة - قال : نعم . قال : فأنّى له هذا . قال : أراه عرق نزعه. قال : فلعل ابنك هذا نزعه عرق ) . وأجيب : بأنه ليس فيه ما يدل على القذف لا صريحاً ولا كناية ، وإنما أخبره بالواقع مستفتياً عن حكم هذا الولد : أيستلحقه مع مخالفته للونه أم ينفيه . وذهب المالكية الى وجوب الحد بالتعريض بالقذف إذا قامت القرآئن على تحديد القصد وفهم ذلك من التعريض فهماً واضحاً لا لبس فيه ، لوجود المعرّة بالتعريض بالقذف والقاعدة : العبرة في الشريعة بالمقاصد والنيات ، وقياس التعريض بالقذف على التعريض بالطلاق ، بجامع أن الكل ألفاظاً يمكن أن يفيد غير الصريح منها ما يفيد الصريح. أي كما يقع الطلاق والعتق والوقف والظهاربالصريح والكناية فكذا القذف يقع بالصريح والكناية . ويشهد له فعل عمر رضي الله عنه حيث حد من عرّض بالقذف وهذا في نظري أقرب ، والله تعالى أعلم
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / عضو هيئة التدريس / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / في ١٤٣٦/٨/٦/ مكة المكرمة.
لا فض فوك زادك الله من علمه
ردحذف