إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الاثنين، 2 ديسمبر 2019

حكم التيمم للعروس -ومن في حكمها- حفاظاً على مكياجها// لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.


حكم التيمم للعروس -ومن في حكمها- حفاظاً على مكياجها:

العلة في الجمع بين الصلاتين:

المعلل بالمظان لا يتخلف بتخلف حكمته:

-----
تمكث العروس في زماننا هذا ساعات طويلة من أجل أن تتجمل عند محلات التجميل النسائية، مما يؤدي إلى وضع مساحيق تجميلية غالبا. ما تكون عازلة عن وصول الماء إلى البشرة، وإن لم تكن عازلة فإن وصول الماء يفسدها، وهذا التجميل والتحسين كما يستغرق وقتاً طويلاً غالباً، هو كذلك مكلف مادياً بالنسبة لأوساط الناس، فإذا كان هناك طريق يمكن أن تصلي المرأة في الوقت بطهارة الماء فهذا هو المتعين، وإن لم يكن فهل هذه حاجة معتبرة شرعاً للانتقال من طهارة الماء إلى التيمم لمن انتقض وضوؤها أو يكون لها الجمع بين الصلاتين التي من شأنها أن تجمع مع الأخرى، أم أن هذا لا يعتبر من الأعذار التي يجوز لها بسببه أن تترخص بالتيمم أو الجمع.

* إذا لم يكن على المرأة تلك حرج في إعادة المكياج، أو تأخيره إلى ما بعد الطهارة بالماء فهذا لا يبيح لها ترك الطهارة بالماء.
وأما إذا لم تتمكن من ذلك، فهل يعتبر من الأعذار التي تبيح لها التيمم؟

فالجواب: نعم، عند وجود الحرج والمشقة غير المعتادة، يجوز ذلك، للأسباب التالية:
١- أن كون الشيء فيه حرج ومشقة غير معتادة، يرجع في تحديده إلى العرف.
والقاعدة: ما لم يحدد في الشرع، فالمرجع في تحديده إلى العرف.
وفي عرفنا: أن العروس تأخذ وقتاً طويلاً في هذا التجميل والتحسين، وتدفع مالاً ليس باليسير عرفاً، فينتقض وضوؤها، فتقع في الحرج الشديد في وجوب غسل وجهها بالماء في الوضوء، لما يترتب عليه من فوات الوقت والمال، وهذا عند النساء إلا ما ندر من الحاجيات الشديدة.
٢- أن من لم يجد الماء إلا بسعر فاحش عرفاً، جاز له التيمم وترك ذلك الماء، وهذه إذا فسد مكياجها كان ثمنه أكثر من الفاحش عرفاً.

٣- ولأن الشريعة رخصت في التيمم عند عدم وجود الماء، أو عند وجود الضرر باستعمال الماء، وهذه العروس تتضرر بذلك ضرراً ليس باليسير أو مما يتحمل عادة، وفي الحديث: (لا ضرر ولا ضرار)  وأما من لا ضرر عليها في استخدام الماء أو ضررها يسير فهذه يتعين عليها طهارة الماء.

٤- ولأن الشريعة خففت في عدم استعمال الماء في حاجة أخف من ذلك بكثير، كما هو الشأن في المسح على الخف والعمامة، والحاجة أقل من حاجة العروس هذه بكثير، وذلك أن التخفيف في الطهارة على ثلاث مراتب مرتبة: الطهارة، فالمسح، فالتيمم.

* وأما الجمع  بين الصلاتين لأهل الأعذار عند وجود الحرج في عدم الجمع جائز، لحديث ابن عباس في الصحيح: (أراد أن لا يخرج أمته). والجمع في السفر أو عند وجود المرض الذي يشق فيه عليه الصلاة في وقتها جائز للحديث السابق وفيه (جمع في المدينة بلا خوف ولا مرض ولا سفر) مما يدل على جواز الجمع في حال السفر والمرض والخوف.
وكل ذلك من أجل دفع المشقة فيها.
فإن قيل: الجمع في السفر يجوز وإن لم يكن في ذلك مشقة.
فالجواب: أن القاعدة في ذلك: أن المعلل بالمظان لا يتخلف بتخلف حكمته.
فالمشقة في السفر قد توجد وقد تنتفي، وقد تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال، ومع ذلك لا يعلق الحكم بها لعدم انضباطها، فعلق الحكم بمظنتها وهو السفر، وكانت المشقة حكمة التشريع في السفر.

وكذا كون النوم ناقض من نواقض الوضوء، العلة في ذلك: لا لذات النوم، وإنما لأنه مظنة الحدث، وفي الحديث: (العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء). وفي مسلم: (كان صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ  ثم يقوم ولا يتوضأ) وذلك لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه.
ولما كان ذلك ذلك غير منضبط في تعليل نقض الوضوء بالحدث في النوم، علق الحكم بمظنته وهو النوم.
وعليه: فالجمع في السفر والخوف معلق بمظنته وهو السفر والخوف، وكذا في المرض الذي ينتفع بفطره عند مرضه في الصيام، وفي الجمع للمرض الذي يتحرج بعدم الجمع،  وأما غيرها فالجمع معلق بوجود المشقة غير المعتادة  في حال عدم الجمع وهو الحرج الشديد، وليس منه مسألتنا هذه، لأن الحرج ليس في عدم الجمع، الحرج في عدم الوضوء بالماء وبدله التيمم.

ومع ذلك فالتيمم أولى من الجمع في شأن المرأة التي انتقض وضوؤها وقد تكلفت في المساحيق والمكاييج.
للأسباب التالية:

١-  إذا لم يجد المسافر الماء فالمشروع له التيمم والصلاة، ولا يلزمه الجمع لعدم وجود الماء، مما يدل على أن المشروع في مسألتنا هو التيمم لا الجمع.

٢-  ولأن البدل يأخذ حكم المبدل منه.
وبدل الوضوء هو التيمم لا الجمع.

٣- ولأن الجمع لا يكون من  أجل فقد الماء، وإنما يكون عند وجود الحرج في عدم الجمع، كما قال ابن عباس، لما سئل عن جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بلا خوف ولا مرض ولا سفر، قال: (أراد أن لا يحرج أمته).

٤- ولأن التيمم  شرع عند  فقدان  الماء أو وجود المشقة غير المعتادة كما هو الشأن ههنا، فإن دفع المبالغ في تجملها  وعند الوضوء يمسح آثار ذلك  ويتسبب في وجود الحرج الشديد لها، سبب في تخفيف ذلك إلى التيمم بعد غسل ما لا مشقة في غسله كقدميها.

٥-  وقياساً على الصلاة التي لا تجمع مع غيرها، كصلاة الظهر مع العصر، لمن يمتد وقت تزيينها من الظهر إلى العشاء، فليس لها التيمم لا الجمع.
فيقاس التي  تجمع مع غيرها على التي لا تجمع مع غيرها عند وجود الحرج باستعمال الماء في وجوب التيمم.

٦- ولأن في التيمم جمع بين الماء فيما لا حرج في استعماله في الوضوء، وبالتراب فيما يوجد من الحرج في استعمال الماء.

٧- والقاعدة: القياس في الباب أولى من القياس في خارج الباب.

والخلاصة: العروس ومن في حكمها إذا وجد الحرج أو الضرر في استعمالها الماء انتقلت إلى التيمم مع بقاء الغسل فيما تستطيع غسله أو مسحه بلا ضرر.

وهذا القول ليس بدعاً من القول: وهو جواز التيمم، وأن زينة العروس تعد سببًا مبيحًا للتيمم. هو قول قوي في مذهب مالك ونسبه به ابن بطال إلى بعض التابعين. 

قال في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 210):
"قال في المسائل الملقوطة: قال الشيخ أبو عمران الفاسي: وأُرْخِص للعروس أيام سابعها أن تمسح في الوضوء والغسل على ما في رأسها من الطيب وتتيمم إن كان في جسدها؛ لأن إزالته من إضاعة المال انتهى. وهذا خلاف المعروف من المذهب والله تعالى أعلم".
وقال شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 149): "وقال أبو عمران الفاسي: أرخص للعروس في السبعة أيام أن تمسح في الوضوء والغسل على ما في رأسها من الطيب، وإن استعملته في سائر جسدها تيممت لأن إزالته من إضاعة المال المنهي عنها.
قال الحطاب عقب هذه العبارة: وهذا خلاف المعروف من المذهب، وأقول: مما يدل على أنه خلاف المذهب أنهم لم يجوزوا في الوضوء والغسل المسح على الحائل إلا في الضرورة، وما كان للزينة فليس من أنواع الضرورة".
وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للشيخ الدردير (1/ 134):
"(قوله: وضغث مضفورة) ظاهره وإن كانت عروسا تزين شعرها وفي بن وغيره أن العروس التي تزين شعرها ليس عليها غسل رأسها لما في ذلك من إتلاف المال ويكفيها المسح عليه وفي ح عند قول المصنف في الوضوء ولا ينقض ضفره رجل أو امرأة أنها تتيمم إذا كان الطيب في جسدها كله لأن إزالته من إضاعة المال ونص بن هنا، قال أبو الحسن في قول المدونة ولا تنقض المرأة شعرها المضفور ولكن تضغثه بيدها ما نصه ظاهره وإن كانت عروسا وفي شرح ابن بطال عن بعض التابعين أن العروس ليس عليها غسل رأسها لما في ذلك من إفساد المال وإنما تمسح عليه وقال الوانوغي ما ذكره ابن بطال من الترخيص للعروس لا يبعد كل البعد وفي فروعنا ما يشهد له ونقله ابن غازي في تكميل التقييد وسلمه وكذا نقل ابن ناجي عن أبي عمران أن العروس لا تغسل شعرها بل تمسح عليه".
وفي حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 169): "قوله: [حتى يصل إلى البشرة]: وهذا واجب وإن كانت عروسا تزين شعرها، وفي (بن) : وغيره أن العروس التي تزين شعرها ليس عليها غسل رأسها لما في ذلك من إتلاف المال ويكفيها المسح عليه. وفي (ح) عند قول خليل في الوضوء "ولا ينقض ضفره أي رجل أو امرأة": أنها تتيمم إذا كان الطيب في جسدها كله؛ لأن إزالته من إضاعة المال".
وفي منح الجليل شرح مختصر خليل (1/ 126): "(وضغث) بفتح الضاد وبسكون الغين المعجمة فثلثه أي جمع وتحريك (مضفوره) أي الشعر ليعمه الماء وسواء الرجل والمرأة طاهرة وإن كانت عروسا زين شعرها بطيب ونحوه.
وفي البناني أنها تمسحه حفظا للمال أبو الحسن في شرح قولها: ولا تنقض المرأة شعرها المضفور ولكن تضغثه بيدها ما نصه: ظاهره وإن كانت عروسا. وفي شرح ابن بطال عن بعض التابعين أنها ليس عليها غسل رأسها لإفساده المال وتمسحه الوانوغي هذا بعيد كل البعد وفي فروعنا ما يشهد له وسلمه ابن غازي وابن ناجي وابن عمر وفي الحطاب أنها تتيمم إذا كان الطيب في جسدها كله لحفظ المال".

وذهب جمع من الفقهاء إلى عدم جواز التيمم، وأن زينة العروس لا تعد سببًا مبيحًا للتيمم. وهو معتمد مذهب المالكية.
لأن ذلك من باب التحسينيات والكماليات التي  لا يرخص بسببها في الأحكام الشرعية.

وقد سبق الجواب عنها: وأن كون الشيء حاجي أو تحسيني مرجعها إلى العرف.

وذهب جمع من الفقهاء المعاصرين: إلى جواز الجمع عند وجود الحرج للعروسة من غسل مكياجها بدلاً من التيمم لحديث ابن عباس السابق.

والجواب: أن الحرج لها في الطهارة لا في الوقت، وسبق تفصيل الرد.

تنبيه: لا يجوز  للعروس  ونحوها أن تسرف في التجمل بما زاد عن العرف في الزينة ولا في دفع الأموال، ولا كشف العورات من غير حاجة أو ضرورة، ولا تركيب الروش الصناعية أو وصل الشعر ونحو ذلك مما حرمه الشرع، فإن فعلت، هل يباح لها الترخص بالرخص الشرعية، مبنية على مسألة ترخص المسافر برخص السفر المعصية، والأصح الجواز، لانفكاك الجهة، وقد بينا ذلك في القواعد. 
وعلى المسلمة أن تتقي الله تعالى وأن تحتاط لصلاتها، ولا تترخص بهذه الرخصة إلا إذا وقعت في الحرج والمشقة غير المعتادة (والله يعلم المصلح من المفسد).
والله تعالى أعلم.

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت