قاعدة : الواجبات التي لم يأتِ لها بدل في الشرع تسقط في حال العجز عنها، وتثبت في الذمة.
وكونها تثبت في الذمة ، فتجب عند الاستطاعة ولو بعد حين ، قياساً على حقوق المخلوقين، قال تعالى
frown رمز تعبيري
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة). ولما في الصحيح من حديث ابن عباس أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها ؟ قال : نعم حُجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء) ففيه قياس دين الله على دين المخلوق، بل دين الله أولى بالوفاء.
فالحقوق المالية الواجبة لله تعالى ، أولى من الحقوق المالية للمخلوق كما دلّ عليه هذا الحديث، فإذا كانت حقوق المخلوقين تثبت في الذمة عند العجز عنها ، فكذا حقوق الله تعالى.
ولهذا نظائر كما في فدية الحج تبقى في الذمة، وكفارة الظهار واليمين وكفارة القتل وهكذا. والقاعدة: الحكم للأعمّ الأغلب لا للقليل والنادر.
وقد قسّم ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد الحقوق المالية الواجبة لله تعالى إلى أربعة أقسام:
أحدها: حقوق المال كالزكاة، فهذا يثبت في الذمة بعد التمكن من أدائه، فلو عجز عنه بعد ذلك لم يسقط، وألحق بهذا زكاة الفطر.
القسم الثاني : ما يجب بسبب الكفارة ، ككفارةالأيمان والظهار، والوطء في رمضان ، وكفارة القتل، فإذا عجز عنها وقت انعقاد سببها ففي ثوبتها في ذمته إلى ميسرة أو سقوطها قولان مشهوران في مذهب الشافعي وأحمد.
القسم الثالث: ما فيه معنى ضمان المتلف، كجزاء الصيد ، فإذا عجز عنه وقت وجوبه ثبت في ذمته ، تغليباًلمعنى الغرامة وجزاء المتلف.
القسم الرابع: دم النسك كالمتعة والقِران، فهذه إذا عجز عنها وجب عنها بدلها من الصيام، فإن عجز عنها ترتّب في ذمته أحدهما، فمتى قدر عليها لزمه،
وأما حقوق الآدميين فإنها لا تسقط بالعجز عنها. أ.ه.
والذي يظهر لي والعلم عند الله تعالى، أن حقوق الله تعالى كحقوق المخلوقين عند العجز عنها تثبت في الذمة- لما سبق- .
وأما حديث أبي هريرة في الصحيحين قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله ، هلكت ، قال : وما أهلكك؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : هل تستطيع أن تعتق رقبة؟قال : لا .قال : هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسيكناً؟ قال : لا. قال : اجلس ، فجلس، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعٓرٓق - زنبيل ، مكتل ضخم - قال : فتصدق به . قال : ما بين لابتيها أحدٌ أفقر منا، قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، قال : خذه ،فأطعمه أهلك).
حيث استدل به بعض أهل العلم على أنه في حال عدم استطاعته تسقط عنه ولا تبقى في الذمّة ، لأنه لم يذكر له بقاءها في ذمته .
والجواب عنه من وجهين :
الأول : أن هذا الحديث يؤيد القاعدة ولا يعارضها، لأنه لمّا أخبر بعدم قدرته على الإطعام، لم يقل له سقطت عنك، بل دفعها عنه، ودفع الواجب عن الغير مما تدخله النيابة مشروع، فقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة عن عمّه العباس( وأما العباس فهي عليّ ومثلها معها، أما علمت أن عمّ الرجل صنو أبيه)
وأما كون الرجل دفعها لأهله، فلأن الحديث : يدلّ على جواز دفع الكفارة إلى الأهل إذا كانوا أحوج من غيرهم، ولم يفعل ذلك إلا بإذن من الشارع.
الثاني: على فرض صحة الاستدلال ، فإنه مستثنى لوجود النص : لأن الحكم للغالب الأعم، لا للقليل والنادر.
وأما كون حقوق الله تسقط في حال العجز عند عدم وجود البدل، وكذا تسقط عند العجز عنها وعن بدلها، لقوله تعالى ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ولقوله تعالى( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها) والأدلة على كثيرة،
وقد جآء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
frown رمز تعبيري
من أخذ حقوق الناس يريد أدأها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى). أدّى الله عنه: أي يسّر الله له الأدى في الدنيا ، فإن لم يتيسر له في الدينا، أدى الله عنه يوم القيامة.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى/ مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق