القواعد والضوابط في باب الغصب : -
الغصب لغة : القهر.
واصطلاحاً : الاستيلاء على حق الغير قهراً بغير حق .
وحق الغير قد يكون ملكاً، أو اختصاصاً - ما يكون أولى به من غيره ، مما ليس مللكاً له -
لقوله صلى الله عليه وسلم ( من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ).
وذلك كالسماد النجس ، وكلب الصيد .
١ - ما ترتب على غير المأذون فهو مضمون .
ولما رواه أبو داود مرفوعاً : ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ).
وحديث ( لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا لاعباً ولا جاداً، ومن أخذ عصا أخيه فليردها )
فمن غصب ما قيمته دينار ، يلزمه رده ولو كلفه عشرة دنانير .
٢ - ظلم الظالم لا يجيز الإعتداء عليه بأكثر من ظلمه وما ترتب عليه . - كالسراية ونحوها -.
لقوله تعالى ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ).
ولما أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وحسنه ونقل عن البخاري أنه حسنه ، مرفوعاً ( من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء ، وله نفقته ) فلم يهدر نفقته على الزرع من بذر وسقي وأجرة عمال ، ونحوه . ولا يعارض هذا ما رواه أبو داود بإسناد حسن - كما قال الحافظ في البلوغ - وبعد أن ساق طرق هذا الحديث في الفتح قال
frown رمز تعبيري
وفي أسانيدها مقال ، ولكن يقوي بعضها بعضاً ).من حديث عروة بن الزبير قال : قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رجلين اختصما إلى رسول الله في أرض ، غرس أحدهما فيها نخلاً، والأرض للآخر ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل يُخرج نخله ، وقال : ( ليس لعرق ظالم حق ).
أي ليس للغاصب حق في حق غيره، وأما ما كان من حق الغاصب فلا يؤخذ منه من أجل غصبه .
وعلى هذا فإذا أمكن عدم إهدار الحقين - حق المالك ، وحق الغاصب- فهو المتعين ، وإن تعارضا ولزم إهدار أحد الحقين ، فإهدار حق الغاصب أولى لأنه هو المعتدي، وإهدار حقه مبني على اعتدائه، فيضمن الشيء وما ترتب عليه .
فإذا بنى الغاصب في أرض غيره ، أو غرس غرساً يفسد بقلعه، ، تعينت عليه قيمة الأرض لمالكها ، ما لم يفت للمالك غرض صحيج ، أو يحصل له بذلك ضرر ، لأن في ذلك حفظ لحقهما بلا ضرر عليهما، وهو أولى من إهدار أحد الحقين، ولا نلجأ إلى الهدر إلا إذا تعذر ذلك . فإذا حصل الضرر، أو فوات المقصود ، قوِّم على الغاصب، فيدفع قيمة الأرض ، ومقدار الضرر، إذا أمكن وإلا هدر من مال الغاصب مالايمكن تضمينه.
وكذا لو أخطأ رجل فبنى أرض جاره يظنها أرضه . تعين للمالك قيمة الأرض ، مع قيمة حصول الضرر ، أو يعطي المالك قيمة نفقته.
وكذا إذا عمل الغاصب في المغصوب حتى حصل له نماء ، فهل النماء يكون للمالك وحده، أو يتصدق به، أو يكون بينهما كما إذا عمل فيها بطريق المضاربة ، كما فعل عمر - رضي الله عنه - لمّا أقرض أبو موسى - رضي الله عنه - ابنيه من مال الفيء ، فتوقف عمر ، فقال له بعض الصحابة تجعله مضاربة بينهما وبين المسلمين ، لهما نصف الربح ، وللمسلمين نصف الربح ، فعمل عمر بذلك .
فالربح حصل بمال المالك ، والعمل من الغاصب، فكان مضاربة بينهما، وبهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .
وإذا قدر أن النفقة أكثر من قيمة الزرع ، لا يلزم صاحب الأرض بالزرع، ويكون الزرع للغاصب، ولصاحب الأرض ، سهم المثل أو أجرة المثل حسب العرف.
وبهذا تنتظم هذه القاعدة ، والله تعالى أعلم .
وقد ذهب الجمهور إلى أن الزرع للغاصب، وأن لصاحب الأرض قلعه قبل الحصاد، وأما بعد الحصاد فليس له إلا أجرة الأرض.
وذهب أحمد وإسحاق إلى أن لصاحب الأرض تملك الزرع بمثل بذره وقيمة لواحقه من حرث وسقي ونحوهما ، وله بقاء الزرع للغاصب بأجرة مثله إلى الحصاد .
٣ - كل من أتلف شيئاً من حقوق المخلوقين فعليه ضمانه، وضمان ما ترتب عليه .
فمن فتح باب شبك لبعير غيره من غير إذنه ، ففقده صاحبه ، وقد أتلف زرع غيره ، ضمن المطلق له، البعير، وما أتلفه . لأنه معتدي بإطلاق البعير.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهما - أن رجلاًطعن رجلاً بقرن في ركبته ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقدني - إقتص لي ممن جنى علي - فقال: ( حتى تبرأ) ثم جاء إليه فقال : أقدني ، فأقاده، ثم جآء إليه . فقال : يارسول الله : عرجت ، فقال : قد نهيتك فعصيتني ، فأبعدك الله ، وبطل عرجك - أبطل عرجه الساري من الجناية - ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه ) رواه أحمد عن ابن إسحاق ، والدارقطني عن ابن جريج، وكلاهما عن عمرو بن شعيب ورجاله ثقات، غير أن ابن إسحاق وابن جريج مدلسان، ولم يصرحا بالتحديث ، ولكن للحديث شواهد يتقوى بهاإلى درجة الحسن لغيره، كما ذكر ابن التركماني والصنعاني.
وقد تقدم أدلة أن حقوق الآدميين لا تسقط بالسهو والخطأ والنسيان .
٤ - كل متسبب لا مباشر معه، فعليه الضمان.
فمن فتح قفص طائر ، فطار، ضمنه.ومن فتح شبك غنم فخرجت وفقدت ، ضمن، ومن فتح باب قفص طيور، وهيجها- نفرها - آخر، ضمنها الذي هيجها لأنه هو المباشر .
٥ - كل من غلب ظنه أن الشيء مغصوب أو مسروق، حرم عليه شراؤه ، لأن ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان. لقوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ).
وقد سبقت قاعدة : أن المعين كالفاعل .
أما الأكل من المسروق والمغصوب ، فهذا محرم لكسبه لا لعينه، فيجوز الأكل منه عند من سرق أو غصب . ففرق بين المحرم لكسبه والمحرم لعينه.
٦ - فرق بين العقوبة والمدافعة .
فالمدافعة تكون بالأسهل ، فمن أمكن دفعه بالأسهل ودفع بالأغلظ ضمن ،كالصائل .
والعقوبة لا يشترط لها ذلك ، كما في حديث أبي هريرة - في الصحيحين - ( لو أن امراً اطلع عليك بغير إذن ، فحذفته بحصاة ، ففقأت عينه لم يكن عليك جناح ).
٧ - الأصل فيما أتلفته البهائم عدم الضمان .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( العجماء جبار. - هدر لاضمان فيه - ) إلا إذا فرط - ترك واجب - أو تعدى - فعل ما لا يجوز - ضمن ، لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن حفظ الحوائط - البساتين - بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل) رواه أحمد وغيره وفي إسناده اختلاف في وصله وإرساله ، ولكن جاء بسند صحيح موصول عند أبي داود وابن ماجة وغيرهما، فقد اتفق الفريابي ومحمد بن مصعب ، وأيوب بن سويد على وصله عن الأوزاعي، فهو أولى من رواية أبي المغبرة عن الأوزاعي ، مرسلاً ، لأنهم جماعة وهو فرد، وتابعهم معمر، فالحديث صحيح موصولاً.
فهذا الحديث يخصص قوله صلى الله عليه وسلم ( العجماء جبار ،، والبئر جبار، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس).
لأن إهمال المواشي في الليل جناية على أهل الحوائط . ورخص في عدم حفظها بالنهار، فلا ضمان على صاحبها في جنايتها نهاراً، لأن ما ترتب على المأذون غير مضمون .
وخلاصة هذه القاعدة :
أن جناية العجماء المنبعثة من الإنسان أو تقصيره ، مضمونة ، وما لا فلا .
قاعدة تابعة : إذا تعدى أو فرّط سائق السيارة ضمن ، وإلا فلا .
قياساً على سائق البهيمة .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق