حكم لبس الثوب المزعفر :-
العصيمي/ يكره لبس الثوب المزعفر للرجال ،وهو غير مكروه للنسآء إلا في حال الإحرام ، فيحرم عليهن لبسه ، كما يحرم على الرجال في حال الإحرام- لأن الزعفران من الطيب-.
وذلك لما روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال
نهى النبي صلى الله عليه وسلم ( أن يتزعفر الرجل)
والتزعفر: أن يصبغ بالزعفر في ثوبه أو لحيته أو شعره أو جسده.، والزعفران: عشب معروف، يستخرج منه صبغ أصفر زاهي اللون.
وصرف النهي من التحريم إلى الكراهة لما في النسائي، وصحح إسندها الألباني ( أنه كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيغ) وعند أبي داود- وصححها الشوكاني والألباني- ( إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصيغ ثيابه كلها حتى عمامته).
وهذه الرواية تبين رواية البخاري ومسلم من حديث ابن عمر( وأما الصفرة فأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها).إذ إن الزعفران يصبغ صبغاً أصفر.
ولحديث أنس عند الطبراني في المعجم الأوسط، قال : ( كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ملحفة ، مصبوغة بالورس، والزعفران، ويدور بها على نسائه..) .وفيه مؤمل بن إسماعيل، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، ولكن للحديث شاهد مرسل قوي، وبه صححه الألباني.
ولحديث ابن عمر في الصحيحين ، قال
نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بورس أو زعفران).
وعند أبي داود - وحسنه النووي والألباني- عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب).
والنهي عن الأخص - وهو الثوب المصبوغ بالزعفران والورس للمحرم، دليل على جواز الأعم، وهو جوازه لغير المحرم.
وعند التأمل نجد أن هذا الحديث يعضد الأدلة الدالة على جواز لبس المزعفر، ولا يحتج به عند إنفراده، لأن القاعدة : أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم، وحديث ابن عمر هذا ، أحد أفراد العام لحديث أنس بن مالك السابق( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل).
وبهذا نعرف أن النهي ههنا ليس للتحريم كما ذهبت إليه الشافعية، لوجود الأدلة الصارفة له من التحريم إلى الكراهة.
وأما حديث عمار بن ياسر عند أبي داود، وسكت عنه الحافظ في الفتح، وحسنه الألباني بطرفه في سلسلة الأحاديث الصحيحة،قال : قدمت على أهلي ليلاً وقد تشققت يداي ، فخلقوني بزعفران، فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فلم يرد علي، ولم يرحب بي، وقال : ( اذهب فاغسل عنك هذا) ثم قال
إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ، ولا المتضمخ - المتلطخ - بالزعفران، ولا الجنب).وفي رواية ( ولا الجنب إلا يتوضأ).
والخلوق: طيب معروف ، مركب من الزعفرآن وغيره من أنواع الطيب، تغلب عليه الحمرة والصفرة، وهو منهي عنه للرجال، لأنه طيب النسآء وشعارهن.
والمراد بالملائكة هنا الذين ينزلون بالرحمة والبركة، دون الحفظة فإنهم لا يفارقونه.
فالجواب عنه على فرض صحته : أنه محمول على المتطيب به، لأنه من طيب النسآء الخاص بهن، لا من صبغ ثوبه أو عمامته به ، فإنه مكروه للأدلة السابقة.
وعلى فرض أن التلطخ بالزعفران غير خاص بالنسآء فهو محمول على الكراهة، لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء، كما ورد في سنن أبي داود.
هذا وقد ذهب المالكية، إلى الجواز بلا كراهة، وفيما ورد من الأدلة السابقة جواب عن قولهم.
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى/ مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق