قاعدة: الشرطية تكون صادقة بصدق ربطها.
* الشرطية إنما يتوارد فيها الصدق والكذب على نفس الربط.
حكم تعليق الطلاق على شرط -تطبيقاً للقاعدة-.
** * ** * **
وذلك لأن مورد الصدق والكذب في الشرطية، إنما هو الربط فتكون صادقة لصدق ربطها ولو أزيل منها الربط لكذب طرفاها، كقوله تعالى: ﴿لَو كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرشِ عَمّا يَصِفونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢]، فهذه قضية شرطية في غاية الصدق مع أنها لو أزيل منها الربط لكذب طرفاها، إذ يصير الطرف الأول: كان فيهما آلهة إلا الله، وهذا باطل قطعاً.
ويصير الطرف الثاني: فسدتا.
-أي السموات والأرض-، وهو باطل أيضاً.
-والربط لا شك في صحته، وبصحته تصدق الشرطية. فلو كان فيهما آلهة غير الله لفسد كل شيء، ولكن لم يصح أن فيهما آلهة غير الله.
وكقوله تعالى: ﴿ما نَنسَخ مِن آيَةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِنها أَو مِثلِها﴾ [البقرة: ١٠٦]. فقد ربط بين نسخها وبين الإتيان بخير منها أو مثلها، بأداة الشرط: ربط الجزاء بشرطه.
ولا شك أن هذا الربط الذي صرح الله به بين هذا الشرط والجزاء في هذه الآية صحيح لا يمكن تخلفه بحال، خلافاً لمن ادعى انفكاكه وأنه يمكن النسخ بدون الإتيان بخير منها أو مثلها، لمناقضته للآية مناقضة صريحة.
والقاعدة: المناقض القاطع -للخبر الصادق- كاذب يقيناً.
لاستحالة اجتماع النقيضين.
صدق الله العظيم، وأخطأ كل من خالف شيئاً من كلامه جل وعلا.
وصريح القرآن لا يناقض بالتجويز العقلي.
* ولم يصح نسخ النهي عن ادخار لحوم الأضاحي، إلى غير بدل، بل نسخ ببدل خير منه، وهو التخيير في الادخار والإنفاق .
أو يقال إن حكم النهي عن الادخار معلل كما جاء في الحديث (إنما نهيتكم من أجل الدافة) فاذا عادت الدافة عاد النهي عن الادخار واذا لم تكن دافة زال النهي عن الادخار لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
* وكذا لم يصح نسخ تقديم الصدقة أمام المناجاة إلى غير بدل، بل نسخ ببدل خبر منه، وهو التخيير بين الصدقة تطوعاً ابتغاء وجه الله، وبين الإمساك عن ذلك، قال تعالى: ﴿فَإِذ لَم تَفعَلوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيكُم﴾ [المجادلة: ١٣]
* وبناء على ذلك: ذهب الأئمة الأربعة، إلى حصول الطلاق عند حصول الشرط المعلق عليه.
سواء قصد الزوج بتعليقه على شيء وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه -إن طلعت الشمس فأنت طالق- أو قصد بتعليقه الحث أو المنع، أو التصديق أو التكذيب.
بل نقل الشافعي وأبو ثور، والطبري، وابن المنذر، وابن عبد البر، وابن رشد الجد، والباجي: الإجماع على ذلك -حصول الطلاق عند حصول الشرط المعلق عليه-.
ولأن هذا التعليق وإن قصد به المنع، فالطلاق مقصوده على تقدير الوقوع، ولذلك أقامه الزوج مانعاً له من وقوع الفعل، ولولا ذلك لما امتنع.
ولقوله تعالى: ﴿وَالخامِسَةُ أَنَّ لَعنَتَ اللَّهِ عَلَيهِ إِن كانَ مِنَ الكاذِبينَ﴾ [النور: ٧]، فالملاعن يقصد بهذا الشرط: التصديق، ومع ذلك فهو موجب اللعنة والغضب على تقدير الكذب.
ولما أجمع عليه أهل العلم إلا من شذ، في إيقاع الطلاق من الهازل مع القطع بأنه لم يقصد الطلاق، لحديث: (ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد...) وقد سبق. لأن كلاً من الهازل والحالف بالطلاق قد عمد قلبه إلى ذكر الطلاق، وإن لم يقصده، فلا فرق بينهما -قياس بنفي الفارق-
في إيقاعه على إلهازل، وعدم إيقاعه على الحالف.
ويستأنس لذلك بما روى البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم: من أن رجلاً طلق امرأته البته إن خرجت.
فقال ابن عمر: (إن خرجت فقد بانت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء).
* وذهب شيخ الإسلام: إلى أنه إذا قصد بتعليق الطلاق بالشرط، الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، أنها يمين تجب فيها الكفارة، ولا تعتبر طلاقاً:
١- لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى).
والجواب: أن النية تكون معتبرة في الكناية من الطلاق لا في الصريح، فلا يحتاج الصريح إلى النية، فكما لا نحتاج إلى النية في الطلاق الصريح المنجز، فكذا في المعلق، ولهذا، لو قال زيد: زوجتي طالق، وقال: اقصد تهديدها لا فراقها، وقع طلاقه.
٢- ولأن الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يميناً في اللغة، وفِي عرف الفقهاء، وجعل الله التحريم يميناً ﴿قَد فَرَضَ اللَّهُ لَكُم تَحِلَّةَ أَيمانِكُم ﴾ [التحريم: ٢]. وعليه فما قصد به الامتناع وإن لم يكن بصيغة القسم، فحكمه حكم اليمين.
والجواب: أن الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم -كما تقدم في القواعد-.
وعلى فرض صحة ذلك، فإنه يستثنى منها الطلاق، فقياسه على طلاق إلهازل، أولى من قياسه على اليمين.
والقاعدة: القياس في الباب، أولى من القياس على خارج الباب -وقد تقدمت في القواعد-.
٣- ولأن الصحابة جعلوا النذر الذي يقصد به المنع، حكمه حكم اليمين -إن لبست هذا الثوب، فلله علي أن أصوم سنة- مع أن الوفاء بالنذر واجب، قلأن يجعل الطلاق الذي هو غير مرغب فيه، حكمه حكم اليمين -إذا قصد به المنع- من باب أولى.
والجواب: أن القاعدة: القياس في الباب -في كتاب الطلاق- أولى من القياس في خارج الباب -كما سبق-.
ولأن قياس غلبة الأشباه: إذا تردد الفرع بين أصلين، ألحق بأكثرهما شبهاً -كما سبق في القواعد- والشبه بما في كتاب الطلاق، أولى من غيره على فرض صحته.
ولأن الطلاق المعلق، كالمنجز، فما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر، وعكسه بعكسه.
وبهذا يتضح رجحان قول الجمهور، وما انعقد عليه الإجماع، ولا عبرة بالمخالفة بعد انعقاد الإجماع.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق