حكم نقل الوقف :
حكم الاقتراض من مبلغ مشروع خيري لمشروع خيري آخر :
———
( الخلاصة : لا يجوز نقل الوقف الغير متعلق بعين المخلوق المعين إلا إذا تعطلت منافع الوقف أو تحققت كون مصلحة نقله إلى وقف آخر أفضل، وأما ما تعلق بحق المعين من المخلوقين فلا يجوز نقله إلا بإذنهم إلا إذا كان الوقف متعطلاً ومنع نقله لمصلحتهم من باب المضارة وضياع مقصود الواقف ، فينقل لمصلحة ذلك المعين والحالة تلك بدون إذنه .
ولا يجوز الاقتراض من مبلغ مشروع معين لمشروع آخر، إلا إذا تحققت مصلحة أعلى في ذلك، ولم يتضرر المشروع الآخر ).
صورة المسألة تتضح في السؤال التالي : أعلن عن تبرع لوقف بمكة المكرمة عمارة سكنية للإيجار لمصلحة جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة ما ، وجمعوا قريب من مليونين ونصف وعجزوا عن إكمال بقية المبلغ ثم بعد دراسة السوق وسؤال أهل الخبرة المؤتمنين رأوا أن ينقلوا الوقف إلى مدينة جدة للأسباب التالية
أ - قيمة الأرض والبناء أقل كلفة من مكة لرخص الأراضي في جدة مقارنة بمكة فالمليونين والنصف أو قريبا منها كافية للشراء والبناء.
ب - دخل الوقف في جدة أعلى بكثير من مكة وكل هذين السببين بتوصية أهل الخبرة
فهل يجوز نقل الوقف إلى جدة بشراء الأرض هناك والبناء ؟؟
وهل هناك وقف قائم وكان مؤجر لجهة حكومية بعقد سنوي - لمصلحة نفس الجمعية السابقة - ثم انتهى العقد ولم تجدد الجهة الحكومية وشبه معطل وربما يؤجر بعد التشطيب وإعادة تصميم الغرف بقيمة رخيصة جدا كونه في أحد المراكز النائية.
فهل يجوز لهم بيع الوقف والشراء بقيمته في جدة - سواء بنفس القيمة التي يباع بها أو يزيدون عليه - عمارة للإيجار بدخل أعلى؟
إن كان الجواب بعدم الجواز فعليه هل يجوز لهم أخذ مبلغ أربع مائة ألف من مبلغ الوقف الأول ( الذي جمعوا منه مبلغ المليونين والنصف) هل يجوز أن يأخذوا منه قرض يرممون بها هذا الوقف ويعيدون تصميم الغرف والمداخل حتى يصلح للايجار كشقق سكنية؟
————-
والجواب : بالنسبة لنقل ما جمع من مبلغ مالي لصالح الجمعية من مكة إلى جدة ، لمصلحة الوقف عند التأكد من تلك المصلحة وتحققها ، فلا بأس ، للأسباب التالية :
١ - أن الوقف يجوز نقله من المكان الذي تعطلت منافعه إلى الأفضل لمصلحة الواقف والموقوف، لمصلحة الواقف أكثر أجراً، وللموقوف عليه أكثر منفعة .
والقاعدة : كل من يتصرف لغيره ، يجب عليه أن يتصرف بالأحسن لذلك الغير ، لقوله تعالى ( ولا تقريوا مال اليتيم إلا باللتي هي أحسن ).
٢ - أن للتملك في أرض الحرم وداخل أميال مكة، وتأجير عقاراتها ، خلاف في مشروعية ذلك، والجمهور على المنع، والأصح : الجواز - وقد سبق بيان حكمه -.
٣ - أن تغيير الوقف إلى ما هو الأفضل والأحسن عند تحقق ذلك الأفضل، جائز ولو لم يتعطل الوقف على الأصح .
وذلك لحديث الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني نذرت إن فتح الله عليك مكة : أن أصلي ركعتين في بيت المقدس، فقال له صلى الله عليه وسلم : صل ههنا - أي في مسجد الكعبة، فكرر الرجل عليه ذلك مرتين أو ثلاث، فقال : أنت وشأنك إذاً).
٤ - ولأن العبرة بالمنظور لا بالمنتظر،.
فالمصلحة المتحققة حالياً هي المعتبرة لا الماضي ولا المستقبل، ( وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت )( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء).
٥ - إن قيل ؛ إن الصدقة في حرم مكة أعظم من الصدقة في خارج حرمها - كما سبق بيانه -، فكيف يشرع نقله من الحرم إلى غيره.
فالجواب : القاعدة : ما تعلق بذات الشيء أولى مما تعلق بزمانها ومكانها.
وما يتعلق بمصلحة ذات الوقف - كأن يكن أكثر نفعاً أو دخله أعظم - أولى مما يتعلق بمكانه .
تنبيه : ما جمع لعمل مشروع مخصص لا يجوز صرفه لمشروع آخر إلا بشرطين :
١ - أن يستأذن من كل مساهم في ذلك العمل بصرف ما خصصه لعمل خيري معين إلى عمل آخر من الأعمال الخيرية .
لأن نية تخصيص المتبرع معتبرة في صرفه لما خصصه له، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امري ما نوى) ، ولأنه أشبه شرط الواقف، فإذا كان شرطه معتبر، فكذا ما تبرع به لشيء يكون تخصيصه له كشرطه فيما أوقفه .
فإن تعذر ، فإنه لا يصرف لغير ما تبرع له به إلا إذا تعذر ذلك المخصص فيصرف في الأصلح لذلك الغير .
فالقاعدة في ذلك : كل من ما جمع لعمل مشروع مخصص لا يجوز صرفه لمشروع آخر إلا بشرطين :
١ - أن يستأذن من كل مساهم في ذلك العمل بصرف ما خصصه لعمل خيري معين إلى عمل آخر من الأعمال الخيرية .
اللهم إلا إذا تحققت المصلحة في نقله إلى ما هو أصلح منه ، فيما لم تتعلق به حق للمخلوق المعين، كزيد أو عمرو، لا عموم الجهة .
٢ - أو تتعطل القدرة على ما صرف له، فيتعين صرفه إلى ما ماثله أو كان أفضل منه ،
والقاعدة : ما خصص لشيء لا يجوز صرفه لغيره ،- وقد تقدم بيانها في القواعد- .
والله تعالى أعلم .
د. محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق