حكم الصدقة بنية الشفاء :
حكم التشريك في النية :
حكم إرادة الدنيا بعمل الآخرة بلا تشريك :
—————
١ - من كان يريد بعمل الآخرة مقصوداً دنيوياً ، وقع في المحظور ، وحرم فعله بهذا القصد، كمن لا يقصد من عمل الآخرة كالصدقة إلا نجاحه في الاختبار، أو حصول ترقيته في العمل، أو ببره بوالديه بر أبنائه في الدنيا فقط ، لقوله تعالى ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).
ففي هذه الآية بيان لمن كان عمله للآخرة من أجل الدنيا باطل ووقع فيما يحبط العمل وهو الشرك .
وكذا من حج عن غيره بنية أخذ المال فقط ، بدون تشريك بين نية الدنيا والآخرة .
وكذا من استغفر بنية أن يمد بمال وبنين فقط، وقع في المحظور ، لا من فعل ذلك لله تعالى ونتج عنه غرضاً من الدنيا من مال وبنين وجنات وانهار، أو فعل ذلك بنية التشريك في عمل الدنيا والآخرة ، وبهذا لا إشكال في قوله تعالى :( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).
فإذا عمل لله تعالى واستغفر مخلصاً لله تعالى كان هذا جزاؤه في الدنيا وفي الآخرة أعظم .
وإذا شرك في العمل لله بمن لا مدرك له ، كان عمله صحيح ، ولم يقع في الشرك ، ونقص أجره بقدر تشريكه.
٢ - قاعدة : تشريك من لا مدرك له - إدراك وعقل - يجوز، وتشريك من له مدرك لا يجوز .- وقد سبق تقريرها في القواعد بالأدلة .
قال تعالى : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ) فقد كان الصحابة يتحرجون من التجارة في الحج فنزلت هذه الآية ، وبناء على ذلك : لا بأس من نوى الحج والتجارة ، وكذا الجهاد والغنيمة .
وفي الحديث( من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه).فمن نوى الجهاد والغنيمة فلا حرج عليه، ومن نوى الجهاد وحصلت له الغنيمة تبعاً بلا قصد كان أعظم أجراً.
٣ - ومن عمل عملاً من أعمال الآخرة ، لتحقيق أحد ثمراته الأخروية لا إشكال في الجواز، وفي تحقيق أحد الثمرات الدنيوية لم يجز ، وفي تحقيق دنيوي وأخروي - مشترك - جاز .
قال صلى الله عليه وسلم ( تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد )
فمن تابع خالصاً لله تعالى بلا غرض دنيوي ، كان أكمل أجراً، ومن نوى : نفي الفقر والذنوب، فهذا تشريك في عبادة من لا مدرك له ، كان جائزاً والأفضل عدم التشريك، ومن نوى نفي الفقر فقط ، وقع في المحظور .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " قَصْد العامل ما يترتب على عمله من ثواب الدنيا لا يضره إذا كان القصد من العمل وجه الله والدار الآخرة .
فإن الله بحكمته ورحمته رتب الثواب العاجل والآجل ، ووعد بذلك العاملين ؛ لأن الأمل واستثمار ذلك ينشط العاملين ، ويبعث هممهم على الخير ، كما أن الوعيد على الجرائم ، وذكر عقوباتها مما يخوف الله به عباده ويبعثهم على ترك الذنوب والجرائم.
فالمؤمن الصادق يكون في فعله وتركه مخلصا لله ، مستعينا بما في الأعمال من المرغِّبات المتنوعة على هذا المقصد الأعلى ". انتهى من "بهجة قلوب الأبرار" صـ 273.
وأما من استغفر لدفع البلاء ، فهو فعل محمود، لأنه يستغفر الله لتندفع عنه عقوبة الله تعالى ، ( والصدقة تطفيء الخطيئة كما تطفيء الماء النار ) فهي صدقة لله لا من أجل الدنيا، وإنما من أجل الآخرة، فتدفع الصدقة غضب الرب، وإذا دفعت غضب الرب دفعت أسبابه وآثاره، سواء قبل وجودها أو بعدها ، قال تعالى : ( يدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)
وعلى هذا فمن استغفر أو تصدق لرفع البلاء عنه ، لكونه سبباً أو أثراً من آثار ذنوبه ، هو لم يفعله من أجل الدنيا وإنما من أجل الله وخوفاً من عقابه ، لا لتحقيق غرضاً من أغراض الدنيا وتحصيلها ، كمن يتصدق بنية زيادة ماله في الدنيا ، أو يتصدق بنية مجرد صحته وشفائه، هذا يكون ممن اتخذ عمل الآخرة للدنيا ، ففرق بينهما عظيم ، فالصدقة لدفع نقمة الله وغضبه وأسبابها وآثارها مشروع، والصدقة لتحقيق مقصد دنوي فقط بعمل الآخرة ممنوع.
* فآن قيل : هناك فرق بين التصدق بنية الشفاء والتصدق بنية الوظيفة
* وفرق بين من يستفغر الله ليغفر الله له ،وبين من يستغفر لأحد ثمرات الاستغفار وهو الرزق .
*
وذلك أن من يرجو أحد ثمرات العمل،
هو متعبد لله بأحد الوعود التي جاءت من هذه العبادة وأثر من آثارها.
حيث أنه متعبد لله مؤمناً بوعده، وإن كانت أقل من درجة خلوصه في العمل.
وأما عمل العمل من أجل غرض دنيوي ليس هو من ثمرات العمل ، أو هو من ثمرات العمل ولكن ليس متوعداً بها في النص المعين في فضل تلك العبادة .
فالجواب :
١ - أن الوصف المناسب لتحقيق الحكم : هو كون نية العامل للدنيا أو للآخرة ، أو للدنيا والآخرة، ولا يختلف الحكم بين كون الغرض الدنيوي منصوصاً عليه في الدليل الشرعي أو غير منصوص عليه .
أو هو من الثمرات الواردة في النص أو من ثمرات العمل التي لم يرد بها النص.
٢ - أن الحكم في الشرع يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإن الشارع إذا علق الحكم على شيء لا يجوز تعليقه على غيره.
والشارع فرق بين نية العمل لله، والعمل للدنيا. قال صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امري ما نوى ...).
٣ - كون الشارع رغب في العمل بتحقق عمل دنيوي له لا يعني صحة العمل إذا كان لذلك الغرض الدنيوي فقط، ولكنه تبع ، ولا يصح مستقلاً، والقاعدة : التابع تابع.
ويجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.
٤ - ولأن الشارع حذر من أن تقصد الدنيا بعمل الآخرة ، وهذا على وجه الاستقلال بحيث يكون العمل الصالح تقصد به الدنيا كما في الآية السابقة ، وكما في قوله تعالى ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ).
كتبه / د : محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق