حكم رجوع الورثة بعد مورثهم على عطية الأب التي حدث فيها التفضيل بين من يجب عليه العدل بينهم :
—————-
حديث: [النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله ﷺ فقال إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله ﷺ: ((أكلّ ولدك نحلته مثل هذا؟))، فقال: لا، فقال رسول الله ﷺ: ((فارجعه.))، وفي لفظ: فانطلق أبي إلى النبي ﷺ ليشهده على صدقتي، فقال ﷺ : ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟))، قال: لا، قال ﷺ : ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم))، فرجع أبي فرد تلك الصدقة.
وفي رواية مسلم قال ﷺ:((فأشهد على هذا غيري))، ثم قال: ((أيسرك أن يكونوا في البر سواء؟!)) ، قال: بلى، قالﷺ:((فلا إذن)). متفق عليه ].
————————-
إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده هل يثبت ذلك للموهوب له ويلزم، وليس لبقية الورثة الرجوع، أم لا ؟
أ - سبق أن بينا أن الواجب هو العدل بين الأولاد والزوجات في العطايا المجردة عن الأسباب المقتضية لذلك ، لحديث النعمان بن بشير السابق .
ب - وإذا تبين عدم جواز التفضيل في العطايا والهبات المجردة ، فإنه يترتب على ذلك عدم صحة هذه الهبة ، ووجوب ردها
وذلك للأسباب التالية :
١ - كل معاملة مخالفة للشرع يجب الرد إن أمكن ، لحديث أبي سعيد ( أكل تمر خيبر هكذا ، قالوا : ( لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال : أواه عين الربا ،ردوه ) الشاهد :( ردوه ).
٢ - ولأن حديث النعمان السابق، نص في المسألة ، وفيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فارجعه) ولا تعارض لفظة مسلم ( فأشهد على هذا غيري) فإن المراد بهذا الأمر : التوبيخ والتقريع كما يدل عليه السياق.
والقاعدة : كل اجتهاد يعود على النص بالإبطال فهو باطل.
٣ - ولأن ما جاز فيه الرجوع قبل موت مورثهم جاز بعده، لتبين عدم استحقاق الموهوب له زائداً عن بقية من يجب العدل بينهم .
٤ - ولأن التفضيل والحالة تلك جور ، كما جاء في لفظ لحديث النعمان السابق( فإني لا أشهد على جور) ومتى ثبت الجور وجب رده، ونصرة المظلوم الذي حصل عليه الجور لا فرق بين ما كان قبل موته وما بعده.
٥ - ولأنه إذا ثبت عدم نفاذ الهبة في المرض المخوف لبعض أولاده ، سواء قبل موته أو بعده، فكذا الهبة التي حصل فيها التفضيل ، لعدم المشروعية في كل.
٦ - ولأن التحايل على التفضيل بين الأولاد يورث العداوات والحسد والقطيعة ، وهذه العلة لايفرق فيها بين موت مورثهم وعدم موته، فلا يكن الموت في المسألة وصفاً مناسباً منضبطاً يناط به الحكم .
٧ - ولأن الرد في التفضيل في الهبة ممن يجب العدل بينهم مقررة شرعاً، سواء حصل من الواهب الرد أو لم يحصل.
٨ - وهذا القول ، هو قول جمع من أهل العلم ، ورواية عن الإمام أحمد ، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وانتصر لها . والرواية الأخرى : لزوم الهبة التي حصل فيها التفضيل بموت مورثهم ، وهي المنصوص عليها عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، إما لكون التفضيل عندهم على سبيل الكراهة لا التحريم ، وقد سبق الجواب عليه في مسألة حكم التفضيل في الهبة المجردة بين من يجب العدل بينهم .
وإما للتفريق ما قبل الموت وما بعده، وهو وصف غير مناسب بإناطة الحكم عليه كما سبق. والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق