إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

السبت، 29 أبريل 2023

كيفية الجمع بين الأدلة الدالة على تعليق الرزق على التقوى ، مع كون حال غالب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الفقر // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.

 



كيفية الجمع بين الأدلة الدالة على تعليق الرزق على التقوى ، مع كون حال غالب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الفقر :

————-


صورة المسألة : كيف نوفق بين الآيات الدالة على تعليق حصول الرزق على دوام التقوى كقوله تعالى:(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، وقوله تعالى :(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)، وبين ما نقل عن سيد المتقين صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته رضي الله عنهم وجمع من أهل الفضل والعلم من السلف والخلف أنهم ماتوا وهم فقراء، وأنهم لم يجدوا ما وجده غيرهم من أهل الدنيا؟.

——

في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت :( ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير ليلتين متتاليتين ).


وقالت رضي الله عنها كان يمر الهلال والهلالين أو الثلاثة وما يوقد في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم نار، قيل : يا أماه ، وما كان طعامكم ، قالت الأسودان : التمر والماء).

وغير ذلك كثير مما يدل على أن غالب حال النبي صلى الله عليه وسلم وغالب حال كثير من أصحابه هو الفقر .


وهذا لا يعارض ما ورد من النصوص على الفتح على من تمسك بالدين بالرزق ورغد العيش والتمكين في الأرض 

قال تعالى :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).


فهذا وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم . بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض ، أي : أئمة الناس والولاة عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، وتخضع لهم العباد ، وليبدلن بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم ، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك 


وقال تعالى :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ).


وقوله تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ) أي : آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل ، وصدقت به واتبعته ، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات ، ( لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) أي : قطر السماء ونبات الأرض . قال تعالى : ( ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) أي : ولكن كذبوا رسلهم ، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم .


فإن في الحديث:( من أصبح آمناً في سربه، معافى في جسده ، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ).رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وهو حديث حسن .


قال المناوي رحمه الله :

" يعني : من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه ، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها ، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها ، بأن يصرفها في طاعة المنعم ، لا في معصية ، ولا يفتر عن ذكره . فرغد العيش يتم بقوت يومه وأمنه من الخوف، ومعافاة الجسد .

وما زاد على ذلك فهو ترف .


وقوله تعالى :( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) لا يستلزم أن يجعله غنيًا، كما سبق .


وعندئذ يتضح المعنى : وهو أن أقل القليل الذي يكفي حاجة الإنسان مع صحة البدن ، والأمن من الخوف ،يعتبر 

ذلك من أكبر النعم مع قناعة القلب، ولا يعارض ذلك وجود الغني والفقير من المسلمين، كما أن من الصحابة من هو غني وهو القليل أو النادر، ومنهم الفقير وهم الأكثر مع فتح الله تعالى على كثير منهم بعد ذلك ، رضي الله عنهم وأرضاهم .

ووجود الفقر والغنى كما يكون في المسلمين يقع أيضاً بين الكافرين .


وقال تاج الدين السُّبْكي في طبقات الشافعية: وسماعي مرات كثيرات من الشيخ الإمام الوالد رحمه الله - وهو معتقدي - أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن فقيرا قط، ولا كانت حالته حالة الفقراء، بل كان أغنى الناس بالله، وكان الله تعالى قد كفاه أمر دنياه في نفسه وعياله ومعاشه. وأحفظ أن الشيخ الإمام -رحمه الله- أقام من مجلسه من قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيرا، قياما صعبا، وكاد يسطو به، وما نجاه منه إلا أنه استتابه واستسلمه. وكان -رحمه الله- يقول في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم أحيني مسكينا) إن المراد به استكانة القلب لا المسكنة التي هي أن يجد ما لا يقع موقعا من كفايته ... وكان -رحمه الله- يشدد النكير على من يعتقد ذلك. والحق معه ... فما كان -صلى الله عليه وسلم- فقيرا من المال قط ولا مسكينا. نعم كان أعظم الناس جؤارا إلى ربه، وخضوعا له، وأشدهم في إظهار الافتقار إليه، والتمسكن بين يديه. اهـ.


ونفي الفقر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- باعتبار الغالب، وهذا لا يتعارض مع كونه قد يجوع أحيانا ويستسلف؛ لكونه ينفق ما عنده في الجهاد، وعلى فقراء المسلمين، ثم لا يلبث ربه -عز وجل- أن يفتح عليه من رزقه وفضله، فيغنيه؛ ولذلك قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى {الضحى:8} قال: أي: كنت فقيرا ذا عيال، فأغناك الله عمن سواه، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر. اهـ.


هذا وفي قوله ( لم يكن فقيراً نظر، فقد مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ، وذكرنا كثيراً من الأدلة التي دلت على غالب حاله صلى الله عليه وسلم وهي الفقر .



قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: كان في أكابر الأنبياء والمرسلين والسابقين الأولين من كان غنيا: كإبراهيم الخليل وأيوب وداود وسليمان وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن معاذ وأسيد بن الحضير وأسعد بن زرارة وأبي أيوب الأنصاري وعبادة بن الصامت ونحوهم. ممن هو من أفضل الخلق من النبيين والصديقين. وفيهم من كان فقيرا: كالمسيح عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري ومصعب بن عمير وسلمان الفارسي ونحوهم. ممن هو من أفضل الخلق من النبيين والصديقين. وقد كان فيهم من اجتمع له الأمران: الغنى تارة والفقر أخرى؛ وأتى بإحسان الأغنياء وبصبر الفقراء: كنبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر. اهـ.


وأما حديث:( الدنيا سجن المؤمن جنة الكافر، والآخرة سجن الكافر جنة المؤمن) 

فإن الجحيم الذي هو فيه في الدنيا للكافر بالنسبة لعذاب الآخرة يعتبر جنة ، والنعيم الذي فيه المؤمن في الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة يعتبر سجناً.

والله أعلم .


محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت