حكم تنبيه المخالف بوجود ساهر : هذه المسألة في نظري والعلم عند الله تعالى : تبنى على قواعد بأدلة : الأولى : حكم التعزير على فعل المعصية ، فمن قال بعدم الوجوب فلا إشكال ويكون التنبيه جائزاً لحديث الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله لقيت امرأة في الطريق فما تركت منها شيئاً يأتيه الرجل من امرأته إلا أتيته منها غير أني لم أجامع ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) فتلاها عليه ولم يعزره. الثانية : العمل بغلبة الظن إن تعذر اليقين ، فإذا غلب على ظنه أن المتجاوز للسرعة في تلك الحال يلحقه ضرر عظيم أو يلحق غيره من صنيعه كان تنبيهه من التعاون على الإثم والعدوان ، وما عدا ذلك فلا بأس بتنبيهه ، بل قد يكون مستحباً أو واجباً ، كمن سرعته تجاوزت المحدد بيسير ولا خطر عليه أو على غيره . أو لا خطر من فعله ولا ضرر عليه أو على غيره ، كمن تجاوز الخط المحدد للمشاة عند الإشارة . الثالثة : أن تكون العقوبة متناسبة مع الجرم ، فإذا كانت العقوبة أعظم من الجرم كان ذلك من الظلم ، كمن كان في طريق سرعته المحددة ثمانين فوصل ألى خمس وتسعين فكانت غرامته بساهر ألف ريال ، جاز التنبيه له أو وجب . لقوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) الرابعة : أن يكون المخالف مستحق للعقوبة ، فإذا كان غير مستحق لها أصلا شرع تنبيهه كمن أسرع للضرورة لإسعاف جريح أو نحوه . القاعدة الخامسة : مشروعية التعزير بالغرامة المالية ، فمن لا يرى مشروعيتها له التنبيه مطلقاً ، ومن يرى جوازها وهو الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم فيمن منع الزكاة ( إنا لآخذوها شطر ماله ) ، فبحسب التقعيد السابق. فالقاعدة الثانية يعمل فيها بقرائن الأحوال ، فمن يغلب على الظن أنه متهور ليس كمن يغلب على الظن أنه غافل أو زاد عن المحدد بسرعة عادية عرفاً ، والأمثلة غيرها كثير . وغلبة الظن تنزل منزلة اليقين لقوله صلى الله عليه وسلم ( يحلف منكم خمسون رجلاً أن فلاناً قتله فتأخذونه برمته ). والقاعدة الثالثة : أن مالم يحدد في الشرع وليس في جنسه عقوبة محددة في الشرع ، فالمرجع في تحديدها إلى العرف ، لقوله تعالى ( خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين) فإذا كان العرف يرى أن العقوبة فيها تجاوز فاحش كان حراماً كالغبن، فلو قيل من تجاوز السرعة المحددة بيسير فعليه غرامة مائة ألف ريال لأعتبره الناس عرفاً من الظلم الشنيع . القاعدة الرابعة : من يستحق العقوبة ومن لا يستحق ، هذا مرده إلى الشرع بحسب الأدلة الشرعية ، وهذا يعرفه ويجتهد فيه ورثة الأنبياء وهم العلماء بالشريعة وليس ذلك لغيرهم .
كتبه / أبو نجم/محمد بن سعد العصيمي / عضو هيئة التدريس / كلية الشريعة / جامعة أم القرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق