حكم ترك باقي الثمن عند البائع بعد أخذ المثمن - السلعة - . اختلف في هذه المسألة على قولين : الأول : الجواز ، وعليه نص الحنابلة ، وبه قالت اللجنة الدائمة في الإفتاء .• قال الحجاوي في الإقناع: (ولو اشترى فضة بدينار ونصف، ودفع إلى البائع دينارين ليأخذ قدر حقه منه، فأخذه ولو بعد التفرق صح، والزائد أمانة في يده، ولو صارفه خمسة دراهم بنصف دينار، فأعطاه ديناراً صح، ويكون نصفه له، والباقي أمانة في يده ويتفرقان أي: يجوز لهما أن يتفرقا قبل تمييز النصف.. ثم إن صارفه بعد ذلك للباقي له منه، أو اشترى به منه شيئاً، أو جعله سلما في شيء، أو وهبه إياه جاز).
• وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء كما في فتاويها 13/180 السؤال التالي : أفيدكم بأني صاحب بقالة، وقد واجهتني مشكلة في البيع، وهي أني أحيانًا إذا جاءني المشتري واشترى بعض الأشياء وأعطاني مبلغًا فيبقى له باقي، فإذا لم يكن لدي صرف أي بقي له عندي مبلغ يقول : غدًا آتيك وآخذ الباقي، مثال ذلك : ( إذا اشترى بمبلغ 50 ريالًا يعطيني 100 ، فلا أجد عندي 50 ريالًا، فيقول : أبقها عندك إلى وقت آخر ) ، فهذه - يا سماحة الشيخ - أخبرني بعض الناس أنها صورة من صور الربا، وأنا لا أستطيع إقناع المشترين، فأرجو من سماحتكم تزويدي بفتوى خطية عاجلة لكي أكون على بصيرة . فأجابوا: ليس في إبقاء المشتري بعض نقوده عند البائع شيء من الربا ؛ لأن هذا من باب البيع وائتمان البائع على بقية الثمن، وليس من باب الصرف . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى . اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد . وذلك للأدلة التالية : ١ - أن هذه المعاملة ثمن ومثمن وليس فيها عقد صرف ، والمتبقي هو الفاضل عن قيمة السلعة فجاز تأخيره ، وليس هو مبادلة المتبقي بنقد حتى يكون صرفاً . ٢ - أن المقصود هو السلعة لا الصرف ، والمقصد له أثر في المعاملات ، فإن الصورة قد تكون واحدة ، والحكم مختلف ، كما في مبادلة درهم بدرهم نسيئة فإذ كان المقصود المعاوضة كان حراماً ، وإذا المقصود الإرفاق كان جائزاً . ٣ - أن الباقي عند البائع أمانة للمشتري ، كما أن المشتري إذا أخذ السلعة ولم يدفع الثمن هو دين في ذمته ، والدين أمانة يجب الوفاء بها لصاحب الحق . ٤ - يلزم من القول بعدم الجواز في هذه المسألة ، عدم الجواز وإن أخذ الباقي يداً بيد ، لعدم جواز بيع الربوي بمثله مع غيره ، ولازم المذهب ليس بمذهب ولكنه يدل على بطلان المذهب . ٥ - ولأن الوديعة إذا أذن له - إذن شرعي أو عرفي أو شخصي - بالتصرف فيها تنقلب قرضاً ، والباقي أذن له بالتصرف فيه حتى يأخذه المشتري ، فكأنه اشترى منه وأقرضه ، وهذا لا حرج فيه ، لأن الأصل في العقود الصحة . ٦ - الأصل في المعاملات الصحة . القول الثاني : عدم جواز ذلك ، وهو قول شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - في لقاء الباب المفتوح ، وغيره . لحديث عبادة بن الصامت مرفوعاً( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح يداً بيد سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيئتم إذا كان يداً بيد) . إذ أن هذه المسألة فيها بيع وصرف ، والصرف : باقي القيمة بالنقود ، فهو بيع نقد بنقد فلا يجوز أن يفترقا قبل التقابض . والجواب عنه : بعدم التسليم بأن هذا من عقود الصرف بل هو بيع مثمن بثمن ، لا بيع ثمن بثمن ، كما يلزم منه عدم صحة هذه المعاملة ولو كان الباقي يداً بيد وهذا غير صحيح ، كما سبق . علماً بأن غطاء الأوراق النقدية : القوة الاقتصادية للدولة ، ولذا إذا وقعت حرب أو اختلال في تلك الدولة توقف التعامل بنقودها أو هبط سعر قيمتها ، ولا علاقة له بمسألتنا ، لأن العلة في الذهب والفضة في جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية ، فليس فيهما معنى يمتازان بهما عن غيرهما في عصر النبوة ، سوى أنهما معيار لتقييم السلع وقيم المتلفات ، فإذا وجد هذا المعنى في غيرهما أخذ حكمهما وجرى فيه الربا ووجبت فيه الزكاة
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة / في ١٤٣٦/٩/٤هـ
جزاكم الله خيرا
ردحذفوبارك الله فيكم