فرق بين اللعن بالوصف واللعن بالعين
●
●
لعن الكفار وأصحاب المعاصي مما ورد النص بلعنهم على سبيل العموم فلا إشكال في جوازه ، وكذا ما ورد النص بلعنه بعينه مثل إبليس وفرعون وأبي لهب ، فيجوز لعن من ورد النص بلعنه، ولا إثم في تركه .
وأما لعن الكافر المعين والفاسق الذي ورد النص بلعن من فعل فعله على سبيل التعيين فقد اختلف الفقهاء في ذلك فمنهم من أجازه للأدلة التالية :
١ - مارواه أبو داود وحسنه الألباني عن أبي هريرة : قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال :( اذهب فاصبر ) فأتاه مرتين أو ثلاثاً فقال ( اذهب فاطرح متاعك في الطريق ) فطرح متاعه في الطريق فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل وفعل فجاء إليه جاره فقال له ارجع لا ترى مني شيئاً تكرهه ) .
ففيه إقرار من لعن المعين إذا كان مستحقاً له شرعاً .
٢ - ولأن لعن المعين كتكفير المعين ، فإذا جاز تكفير المعين إذا توفرت الشوط وانتفت الموانع - فلا فرق بين توفر الشروط وانتفاء الموانع وبين العمل بالظاهر - جاز لعن المعين ؛ لأن التكفير أعظم وأشد فهو ابعاد عن رحمة الله مطلقاً بخلاف اللعن للفاسق فهو تحت المشيئة .
٣ - إن القول بعدم جواز لعنه والحالة تلك - من انطبق عليه وصف اللعن بعينه - سلب للنص عن فائدته وثمرته .
فكيف لا نلعن من لعنه الله ورسوله وقد علمنا صدق الوصف الشرعي بحقه .
٤ -ولأن الشارع لعن من يستحق اللعن فيستوي المعين وغيره .
٥ - ( إذا دعى الرجل امرأته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح ) والملائكة معصومون والتأسي بالمعصوم مشروع .
٦- ولقوله صلى الله عليه وسلم ( اتقوا اللاعنين ) قالوا وما اللاعنان يارسول الله قال : ( الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم ) أي اتقوا أسباب اللعن ، فيحتمل أن يقال : لعن الله من تغوط في طريق الناس أو ظلهم - لعن وصف - ويحتمل أن يقال اللهم العن من فعله - لعن معين - فيحمل على الجميع ، لأن النص إذا كان يحتمل أكثر من معنى ولا تعارض بينهما حمل على جميع تلك المعاني .
علماً بأن اللعن يطلق ويراد به السب والشتم - وهو قبيح الكلام - لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله : وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) ، ويطلق ويراد به الدعاء على الغير لحديث أبي هريرة قيل : يارسول الله : ادع على المشركين قال : إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم وقد يراد به نفس لفظ اللعن . وكلها إطلاقات شرعية ، وعلى هذا فيجوز لعن الكافر والفاسق الذي ورد لعنه بوصفه وبعينه إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع ، مالم يترتب على ذلك فتنة أعظم ، أو كان فيه إيذاء للأحياء إن كان ميتاً لقوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تسبوا الأموات فقد أفضوا إلى ما قدموا)
ولا يعارض هذا حديث عائشة لما مرت جنازة فأثنوا عليها شراً) لأن ذكر الرجل بما فيه للحاجة يجوز ، وقيل : كل مقصود صحيح لا يمكن إلا بذكر الرجل بما فيه كان ذكره به جائزا ، وكل ذلك مالم تكن المفسدة فيه أعظم كإيذاء الأحياء فقد روى الترمذي وأحمد وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء ) وسنده صحيح .
القول الثاني : المنع من لعن المعين وإنما يكون اللعن بالوصف لمن ورد لعنهم من الشارع .
١ - لما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في قنوته في الفجر : ( اللهم العن فلاناً وفلاناً، بعدما يقول سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله :
( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) . ففهموا من الآية ( ليس لك من الأمر شيء ) النسخ
والجواب : الأكثر على أن لا نسخ - كما قال الحافظ ابن حجر - ، والقاعدة : أن النسخ لا يكون إلا بشرطين أ - أن نعلم المتقدم من المتأخر .ب - أن لا يمكن الجمع بينهما . وهنا أمكن الجمع بأن يحمل ترك الدعاء على أعيانهم على الأفضلية والأتم ، ويؤيده ما سبق من حديث أبي هريرة لما قيل له: أدع على المشركين قال ( إني لم أبعث لعاناً ) .
وأيضاً يجاب عن ذلك : أن مجرد ترك الدعاء على أعيانهم لا يدل على التحريم .
٢ - وبقوله تعالى ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) فشرط للعنتهم موتهم على الكفر ، وهؤلاء لا نعلم بخاتمتهم .
والجواب : أن العبرة بالمنظور لا بالمنتظر ، فنحكم بظاهر حاله، كجواز قتاله وقتله .
٣ - ما رواه البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده ، فقال رجل : لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ) فدل على جواز لعن من لا يحب الله ورسوله بعينه كالكافر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع لعن هذا الشخص بعينه لوجود مانع من لعنه وهو كونه يحب الله ورسوله ، ولم يمنعه من لعن المعين مطلقاً، فإن قيل كل مسلم يحب الله ورسوله ، قلنا إن النهي محمول على التنزيه جمعاً بين الأدلة ، ولهذا جاء في رواية ( لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) .
وعلى هذا فالذي يظهر رجحانه في نظري والعلم عند الله تعالى القول الأول القائل بالجواز لما ذكروه من الأدلة ، والجواب عن أدلة المخالفين ، مع أن الأفضل والأتم أن لا يلعن إلا إذا اقتضت المصلحة الراجحة على المفسدة كالزجر والردع عن ذلك العمل أو غيرة لله ورسوله ، لحديث أبي هريرة السابق لما سئل أن يدعو على المشركين قال : ( إني لم أبعث لعاناً) ويكون لعن المستحق للعن من المسلمين مكروهاً حتى لا يكون عوناً للشيطان على أخيه ، وجمعاً بين الأدلة .
وعلى هذا يجوز لعن الكافر بالوصف والعين مالم يترتب على ذلك مفسدة أعظم ، ويجوز لعن المسلم الذي يستحق اللعن شرعاً مما ورد النص بلعنه بالوصف مطلقاً ، ويجوز لعنه بعينه مع الكراهة جمعاً بين النصوص - كما سبق - .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق