قاعدة : الفرق بين الصلاة في الحرم المكي وبين سائر الأعمال فيه . ذهب جمهور العلماء ألى أن صلاة الفرض والنفل تضاعف في الحرم المكي لقوله صلى الله عليه وسلم (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا ) أخرجه أحمد وغيره وصححه المنذري وابن القيم وحسنه النووي وقال ابن عبدالهادي : إسناده على شرط الشيخين . فقوله ( صلاة ) يشمل الفرض والنفل . وذهب بعض المالكيةً والحنفية ألى أن المضاعفة تكون لصلاة الفرض لا النفل ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( فإن خير صلاة المرء في بيته ألا الصلاة المكتوبة ) رواه البخاري . ولم يستثني الحرمين مما يدل على أن الأفضل صلاة النافلة في البيت لا في الحرمين . وأجيب : بأن النافلة في البيت أفضل لمن صلى في الحرمين الفريضة فأجرها يفيق الأجر المذكور لمن صلى فيهما ، ومن صلى في غيرهما الفريضة فصلاة النفل في بيته أفضل من الصلاة في ذلك المسجد الذي صلى فيه . وقيل : إن الصلاة في البيت تعظم ولا تضاعف . وذهب بعض العلماء : إلى أن جميع الأعمال الصالحة تضاعف في الحرم كما تتضاعف الصلاة ، لما رواه أبو ماجة عن ابن عباس مرفوعاً( من أدرك رمضان بمكة فصام وقام منه ما تيسر له كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواه ) وفي إسناده عبدالرحيم بن زيد وهو متروك الحديث ، وقال الألباني في الضعيفة ( الحديث موضوع ) وكل الأحاديث الواردة في مضاعفة الحسنات مائة ألف في مكة لا تثبت ، إلا مضاعفة الصلاة . ولا تقاس سائر الطاعات على ما ثبت في الصلاة بجامع أن كلاً منهما من أعمال البر ، لأن العلماء أجمعوا على أن الصلاة في حرم المدينة لا تضاعف ألف صلاة كالمسجد النبوي ، فإذا كان هذا في الصلاة فغيرها من باب أولى . وكذا السيئة لا يضاعف إثمها لا في مكة ولا في غيرها على رأي الجمهور ، ولكن تغلظ أو تعظم ، لأن عموم النصوص تدل على أن السيئة تكتب بواحدة ولا تضاعف ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ) ، ولكن تغلظ في الحرم لقوله تعالى ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) فهذه الآية تدل على أن السيئة في الحرم عظيمة ، ولا يعارض هذا ما جاء في الصحيح ( إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنه واحدة ، فإذا عملها كتبتها له عشر حسنات ، وإذا هم عبدي بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه شيئاً، فإذا عملها كتبتها عليه سيئة واحدة ) للقاعدة : أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم ، والآية ( ومن يرد فيه بإلحاد ) موافقة لهذا الحديث فلا يكون الحكم مختص بمكة ، ولكنه يدل على مزيد اهتمام بها ،ونظير ذلك قوله تعالى ( إن عدة الشهور عند الله إثناء عشر شهراً يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) فالظلم فيها وفي غيرها محرم ولكن الظلم فيها أعظم وأشد ، وعلى هذا فإن الحسنة في المكان الحرام أو الزمان الحرام أفضل ، والسيئة في المكان المحرم والزمان الحرام أغلظ وأشد ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تُغلظ معصيتها وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان ) ، فالإرادة المذكورة في الآية : ترجيح قصد الفعل وهو الهم الذي تجاوز الصدر بقول أو عمل ، مالم يصل إلى حد العزم ، لأن العزم على الفعل ينزل منزلة الفعل - كما حررناه سابقاً- . وعلى هذا فإن تفطير الصائم وقراءة القرآن وسائر الطاعات في الحرم أفضل من غيره ، والمعصية فيه أغلظ من غيره ولكن المضاعفة خاصة بالصلاة كما سبق.
كتبه / محمد بن سعد بن هليل العصيمي / عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة / جامعة أم القرى/ مكة المكرمة /في ١٤٣٦/٩/١٥ه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق