قاعدة : لا يجوز الدفع بالأغلظ مع إمكان الدفع بالأسهل ، وتطبيقاتها في باب الحجر.
الحجر : منع الإنسان من التصرف في ماله وذمته ، أو في ماله فقط .
فإذا كان الحجر لمصلحته ، حجر عليه في المال والذمة، كالصغير ، والمجنون ، والسفيه.
لقوله تعالى ( ولا تؤتوا السفهآء أموالكم ) ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداًفادفعوا إليهم أموالهم)، ولأن في إطلاق التصرف لهم في أموالهم ضياع لأموالهم، وضرر عليهم وقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار)
والولاية على هؤلاء تكون لأولى الناس به ، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة ، لأن المقصود مصلحتهم وحماية أموالهم، فأولى الناس بولايتهم من تتحقق فيه هذه العلة أكثر من غيره ، ولو كان من النسآء ، كما هو الشأن في أحق الناس بحضانة الطفل، والأصل في الأحكام التعليل ، والحكم يدور مع علته وجوداً، وعدماً.فإن لم يوجد من أقاربه من فيه شفقة وحب وعطف تقتضي رعاية هؤلاء ، رفع الأمر إلى القاضي ليولي من هو أولى .
والمذهب عند الحنابلة : الولاية عليهم للأب ، فالوصي، ثم الحاكم، والقول الأول في نظري أقرب والعلم عند الله تعالى.
وأما إذا كان الحجر لمصلحة غيره ، حجر عليه في ماله فقط ، كالحجر على المفلس لحق الغرماء، وعلى من كان في مرض الموت فيما زاد عن الثلث لحق الورثة .
لأن في الحجر عليه حماية لحق الدائن ، وحماية لذمة المدين . ولأنه ظالم بمنع الحقوق التي يستطيع دفعها أو شيئاً منها، والظلم يجب رفعه ، ولا سبيل إلى رفعه في هذه الخال إلا بالحجر عليه ، وقد جآء من حديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله. رواه الدارقطني والحاكم وغيرهما ، وهو ضعيف وقد رجح إرساله أبو داود وعبدالحق .
وهذا في حق من كان دينه أكثر من ماله ، فلا يضرب ، ولا يحبس ، وإنما يحجر عليه ، فيمنع من التصرف في ماله ، ويفرق ما عنده من مال زائد عن حاجياته وضرورياته على غرمائه ، وذلك بأن ننسب الموجود إلى المطلوب ونعطي كل واحد منهم مثل تلك النسبة .
ونبدأ بمن له رهن من الغرماء فيعطى من الرهن حقه كاملاً إذا كان المرهون مساوياً لدينه ، فإن كان المرهون أقل من دينه ، أعطي قيمة الرهن والباقي يكون أسوة الغرماء، وإذا كان الرهن أكثر من الدين ، سدد المرتهن بقدر دينه ، والزائد يقسم على الغرماء بحسب نسبة الدين كما تقدم ،
وبعد المرتهن نعطي من وجد عين ماله لم يفرق ، ولم يكن معيباً، ولم يتغير بزيادة أو نقصان ، ولم يقضه من ثمنه شيئاً، إذ إنه إذا قضاه من ثمنه شيئاً وجد بعض ماله لا كله، فإذا كان قيمة السلعة لمن وجد ماله بعينه أكثر من قيمتها عند الشراء ، فليس له إلا القيمة، لأنه لا يصار إلى البدل إلا تعذر الأصل ، والأصل هنا أن له ثمن السلعة ، وليس له عين ماله إلا إذا تعذر السداد، والزائد من القيمة يقسم على الغرماء بحسب النسبة .
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس ، فهو أحق به) متفق عليه .وعند مسلم ( إذا وجد عنده المتاع ولم يفوقه أنه لصاحبه الذي باعه) وفي لفظ عند أبي داود وابن ماجة ( من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به) وفي هذه الزيادة ضعف ، ولكن وجد ما يشهد لها.ولهذا حسنها الحافظ ابن حجر في الفتح.
فإذا كان مال المدين أكثر من دينه ، أو مساوياً له بعد حاجياته وضرورياته ، فلا يحجر عليه الحاكم والحالة تلك ، ولكن يتدرج معه بالعقوبة بعد أمره بالوفاء، ولا يبدأ بالأغلظ قبل الأسهل، كالصائل لايجوز دفعه بالأغلظ مع إمكان الدفع بالأسهل فإن عكس ضمن ، لأن الأصل عصمة دم المسلم وماله. فالدفع بالأغلظ مع إمكان الأسهل حرام. فيأمره أولاً بالسداد ، فإن أبى حبس فإن أبى ضرب ، فإن أبى أخذ منه قهراً، لأنه أخذ مال بحق لا بباطل، وذلك لقوله صلى الله علبه وسلم ( لي الواجد- القادر على الوفاء- يحل عرضه - الكلام فيه- وعقوبته) رواه أحمد وأبو داودوحسن إسناده الحافظ ابن حجر، والألباني.
والعقوبة مطلقة فترجع إلى اجتهاد القاضي تدرجاً بالأدنى في العقوبة ثم الأعلى كما سبق. وكل تصرف من المدين يؤدي إلى المطل فهو حرام ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
وأما من لم يكن عنده مال وعليه دين ، فلا يجوز التعرض له ، ولا تجوز مطالبته ، ولا حبسه ، ولا الحجر عليه ، لقوله تعالى ( فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) ولقوله صلى الله عليه وسلم في الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه ،فقال صلى الله عليه وسلم ( تصدقوا عليه) فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال صلى الله عليه وسلم ( خذوا ما وجدتم وليس لكم ألا ذلك) رواه مسلم .
فإذا اختلف الدائن والمدين في كون المدين معسراً، فإذا كان هناك قرائن تدل على أنه معسر فإنه يحلف ، ويخلى سبيله ، وقد سبقت قاعدة : كل من كان القول قوله فعليه اليمين.
وإذا كانت القرينة أو القرائن تدل على كونه مؤسراً، فللقاضي عقوبته من حبس ونحوه . للقاعدة : الاستدلال بالعلامة والحكم بما دلت عليه مقرر بالعقل والشرع. وقد سبقت بأدلتها.
وإذا لم توجد قرائن على ذلك ، فالبينة على المدعي وهو هنا الدائن، واليمين على من أنكر وهو هنا المدين، للحديث ( ألبينة على المدعي واليمين على من أنكر ).
كتبه / أبو نجم / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق