القواعد والضوابط في باب الإجارة.
في اللغة مأخوذة من الأجر، وهو العوض المقابل بعمل .
واصطلاحاً : هي بيع المنافع .
١ - كل ما يترتب عليه فوات غرض ، أو حصول ضرر، عند الإخلال بالشرط ، فهو بالخيار .
ككون العمل في العقد عند زيد، فكلّف بالعمل عند عمرو، لا يلزم المستأجر قبوله، إذا فات له بذلك غرض صحيح، أو حصل له ضرر، وإلا لزمه قبوله .
فكلما أمكن تصحيح العقد ، فهو المتعين ، ولا فرق أن يكون عمل العامل عند زيد أو عمرو.
إذا لم يفت به غرض صحيح للعامل ، أو يحصل له بذلك ضرر.
فإذا اتفق معه على أن يستأجر سيارة بعينها ، فأتى له بأفضل منها ، أو مثلها، ولم يفت له بذلك غرض صحيح ، ولم يحصل له بذلك ضرر، لزمه قبولها.
٢ - كل من له الحق، فالعقد في حقه جائز، كالمرتهن ، وكل من عليه الحق، فالعقد في حقه لازم ، كالراهن ، والطرفين في عقد الإجارة، لأن كلاً منهما له حق وعليه حق ، فغلّب جانب اللزوم.قال صلى الله عليه وسلم ( إذا تبائع الرجلان ، فكل واحد منهما بالخيار ، ما لم يفترقا وكانا جميعاً، أو يخير أحدهما الآخر)
والإجارة من أنواع البيوع- بيع منافع - .
٣ - كل عيب تنقص به الأجرة ، أو يفوت به غرض صحيح للمستأجر ، فهو بالخيار.
فالعيب المعتبر في العين المؤجرة: ما تنقص به الأجرة، أو يفوت به غرض المستأجر.
فمثلاً : - استأجر أرضاً ليزرعها، فتبين بأنها سبخة ، لا يمكن زراعتها، فهو بالخيار.
كمن شرط شرطاً فاسداً غير مفسد للعقد ظناً أنه صحيح وملزم، فتبين عدم صحته ولزومه ، فهو بالخيار - كما تقدم - .
وكذا إذا استأجر داراً، فاحترقت بعد شهر ، بلا تعد ولا تفريط، من المستأجر، فقال : المؤجر أوفر لك داراً بدلاً منها، ولم يفت للمستأجر غرض، ولم يحصل له ضرر، ولم تختلف القيمة لزمها قبولها، وليس له الحق بالفسخ بالقسط من المنفعة .
٤ - كل معاملة تدور بين الغنم والغرم ، في عين المال، فهي غرر.
وكل معاملة تدور بين الغنم والغرم في ربح المال، فهي تجارة .
وعلى هذا فإذا استأجر داراً ليوجرها، فهي تجارة جائزة، لأن عين المال حصل له، والغنم والغرم في الربح .
علماً بأن : كل ما فيه مخاطرة محرمة ، فهو ميسر.
وكل ما فيه مغالبة ومخاطرة بالمال فهو قمار .
إلا ما استثني لحديث ( لا سبق إلا في نصل ، أو خف أو حافر) وقيس عليها الالات الجهاد.
٥ - كل من يغلب على ظنك مقدرته على تسلم ما بعته إياه - مما تملكه - مع رد العوض عند عدم التمكن من القبض ، فهو جائز .
كبيع العبد الآبق، وتأجير العين المغتصبة من الغير لمن يغلب على الظن قدرته على تسلمها، فإذا تعذر تسلمها رد العوض، فإن شرط عدم رد العوض فهو غرر .
أشبه ذلك من قال : من وجد جملي الشارد ، فليعطني ألف ريال من قيمته ، وهو له، فلا بأس به لأنه جعالة، والعبرة في العقود بالمعاني ، لا بالألفاظ والمباني
وقيل : لا يجوز تأجير وبيع مالا يقدر على تسليمه، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر.
والجواب عن ذلك : بأن الغرر : معاملة تدور بين الغنم والغرم في عين المال، وهذه الصورة ليس فيها غرم .
ولحديث ( لا تبع ماليس عندك ) .
والجواب : أن هذا ليس فيه بيعاً ، إلا بعد القدرة على التسليم ،لأنه إن لم يحصل الطرف الآخر على العين ، رد عليه ما أخذه، فكان هذا جعالة ، أو في معناها.
أما إذا شرط عليه عدم رد العوض في حال عدم القدرة على التسليم فهو غرر، ولا يجوز.
أما تصرف الفضولي في البيع أو الإجارة ، فهو إنما يبيع أو يؤجر لغيره، لا لنفسه، فإن رضي الغيرممن له الحق صح ، وإلا لم يصح.
٦ - كل من فسخ عقد الإجارة - وكذا البيع -
للعذر المعتبر شرعاً، فعليه قسط ما استوفى من المنفعة .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا بعت من أخيك ثمراً، فأصابته جائحة ، فلا يحل لك أن تأخذ من ماله شيئاً،بما تأخذ مال أخيك بغير حق).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ،أمر يوضع الجوائح .رواه مسلم .
والجائحة : هي ما لا يمكن دفعه ، ولا تضمينه ، إذا أُتلف أو أُنقص العوض ، قبل التمكن من القبض.
فإذا تمكن من قبض الدار التي استأجرها، ثم نقل إلى مكان بعيد ، يتعذر معه الاستفادة من بقية المدة ولو بتأجير الغير، فلم يتمكن من أن ينتفع بالدار في بقية المدة - لم يتمكن من قبض بقية المنفعة - للعذر المعتبر شرعاً ، فكانت جائحة، أو بمعناها .
والقسط من المنفعة لا من المدة، لأنه قد يستأجر داراً لمدة شهر في الحج تعدل ستة أشهر فيما سواه .
٧ - كل عمل يصح إيقاعه من الكافر، فعقد الإجرة عليه صحيح ، كبناء المساجد.
٨ - كل من أعدّوا أنفسهم للعمل، يجوز الدخول معهم فيما أعدّوا أنفسهم للعمل فيه بدون عقد.
كالغسال والخياط، وصاحب مكتب العقار، وعلى الداخل أجرة المثل - العادة -
أما من لم يعد نفسه لذلك ، فلا أجرة له إلا إذا اشترط.في العقد، فلا بدّ له من دلالة لفظية أو عرفية.
وعلى هذا لو مرّ رجل في الطريق، وسأل عن داراً للإيجار ، فأرشده رجل من غير أن يشرط عليه سعياً، ولم يكن له مكتب عقار يدل عرفاً على شرط السعي ، فلا أجرة له في سعيه ودلالته للمستأجر.
٩ - كل ما يختلف باختلاف القصد - الرغبة - والثمن ، فذكره في عقد الإجارة شرط.
فلو قدم له الثمن كاملا في مجلس العقد، على أن يؤجره سلعة - سيارة أو نحوها - بصفات منضبطه وأجل منضبط، جاز،كالسلم ، بل هو سلم في المنافع، فإذا كانت رغبته أن يكون لون السيارة أحمر، وأتى له بلون أسود، فلا بد والحالة تلك من ذكر اللون في العقد .
١٠ - كل عمل لا يقع إلا قربة ، فلا يصح عقد الإجارة عليه ، إلا إذا كان نفعه متعدياً.
لأن الأجرة ليست على التعبد بالعمل، ولكن عن انتفاع الغير به.
فالصلاة لا يصح عقد الأجرة عليها لأن نفعها غير متعد للغير، وكذا مجرد تلاوة القران ،قال تعالى ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها ..).
ومن أخذ الأجر على تعليم القران أو الرقية ، جاز ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، وكذا الحج ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ).
١١ - تشريك من لا مدرك له في العمل لا يبطله، وتشريك من له مدرك - عقل وإدراك - في العمل يبطله .
قال الله تعالى في الحديث القدسي ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً، أشرك معي فيه غيري ، تركته وشركه) .
وتشريك من لا مدرك له ، كمن حج يبتغي وجه الله تعالى والتجارة،، وكمن غزا لتكون كلمة الله تعالى هي العليا والغنيمة .
١٢ - كل من عمل عملاً متعدياً نفعه للمسلمين، فله حق من بيت مال المسلمين بحسب عمله،
- يقدره ولي أمر المسلمين ، كالقضاة، والأئمة .
( ما أتاك من بيت مال المسلمين من غير سؤال، ولا إشراف نفس فخذه ).
ومن لم يكن له عملاً متعدياً نفعه ، فحقه من بيت مال المسلمين بحسب الأدلة، كمن مات ولم يعرف قاتله، ومن مات وعليه دين ولم يترك وفاء، سدد عنه من بيت المال، إذا كان فيه سعة .
١٣ - كل من استأجر أجيراً مشتركاً- وهو الذي قدّر نفعه بالعمل - كالخياط ، والبناء ، والطبيب - لم يضمن ما تلف بفعل غيره - كمن سرق الثوب ، ونحوه إذا لم يتعدى أو يفرط - وضمن ما تلف بفعله إذا جنى - بأن فعل ما يزيد عن قدر الحاجة ، أي يده تعدت موضع الحاجة، وفعل ما ليس له فعله - أو لم يعرف بالحذق - أي إجادتهم للصنعة ومعرفتهم بها، فالحاذق: هو المجرب بالإصابة، فإن لم يعرف بذلك فإنه يضمن بكل حال - قال صلى الله عليه وسلم( من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن). وإذا تعدى الطبيب أو فرط - فعل ما ليس له فعله ، أو ترك ما ينبغي له فعله - وكذا كل أجير مشترك أو خاص ضمن، لأن حقوق المخلوقين لا تسقط بالخطأ والجهل والنسيان،
وكذا الأجير الخاص - وهو ما نفعه مقدر بالزمن ، تعمل عندي سائق، الشهر بألف - فلا ضمان عليه مالم يتعدى أو يفرط.
١٤ - كل من كان أجيراً خاصاً، لا يجوز أن يعمل في وقت الإجارة ما يضر بالمستأجر.
أما ما فيه نفع له ولا ضرر على الآخر فيه - المستأجر - ، فلا بأس، لحديث ( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره).
وعلى هذا فالمعلمة إذا كانت تعمل في بيت زوجها ولا ضرر عليه في ذلك فلا يملك منعها ، أما إذا خرجت للتدريس من غير شرط في عقد النكاح ، فله منعها لتضرره - إذ إن الوقت مملوك للزوج فلا تخرج إلا بإذنه، بمعنى جميع وقتها مستحق لزوجها، فهي بمنزلة الأجير الخاص - أو يصطلحا على شيء من مرتبها، إن لم يأذن لها بلا مقابل، فإن اصطلحا على شيء لفظي أو عرفي ، فلا إشكال، وإن اصطلحا على شيء ولم يحدد، فللزوج من مرتبها بمقدار ما فاته من منفعتها
بقسطه من الزمن أو قسطه من المنفعة وهو أقرب.
١٥ - فرق بين الحِكر، والإجارة : الحِكر يكون على منفعة الأرض ، وما عليها- من بناء أو زرع أو غرس أو نحوها - ليس مقصوداً بالعقد ، فلو هدمه أو غيره أو عدله، جاز،
والإجارة: : ما على الأرض من بناء أو غراس أو زرع أو نحوه مقصود ، فلا يملك هدمه أو تعديله أو تغييره إلا بإذن صاحب الحق ،
بالإضافة إلى أن الحِكر يكون على مدة طويلة في الغالب، بخلاف الإجارة غالباً لا تكون على مدة طويلة عرفاً.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى.
[٧/٤ ١١:٣٤] الشيخ محمد هليل العصيمي: حكم لعب البلوت والشطرنج والزهر
لعب البلوت والشطرنج على البالغ العاقل محرم ، ولا يجوز .
وذلك للأدلة الآتية :
١- لقوله صلى الله عليه وسلم ( من لعب بالنرد فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم-)
٢ - ولقوله صلى الله عليه وسلم ( من لعب بالنردشير، فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه )
والنرد والنرد شير مسميان للعبة واحدة وهي ما يسمّى الآن بلعبة الزهر .
ويقاس على النرد : كل ما ألهى كثيراً، وأكسب قليلاً ، وأخذ بكلية القلب - يتعلق بها القلب كثيراً- .وذلك كالبلوت ، والشطرنج .
٣ - ولما روى البخاري من حديث ابن عباس ( بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه، فقالوا : أبو إسرائيل : نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، ويصوم ، فقال صلى الله عليه وسلم ( مره فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد ، وليتم صومه ).
ففيه دليل على قاعدة وهي : كل فعل يتضرر به الإنسان ، بلا مصلحة له فيه راجحة ، فهو عليه حرام .
ففعل الإنسان القيام بلا قعود، وعدم الإستظلال تحت الظل ، ونحو ذلك يضره بلا مصلحة له فيه راجحة ، فكان عليه حراماً، وكذا لعب البلوت يضيع مصالحه الدينية ، والدنيوية ، بلا مصلحة فيه راجحة، فكان عليه حراما، مع تعلق القلب بهذه الألعاب كثيراً، بلا مصلحة راجحة .
- وكذا تشجيع الكرة محرم ، لأنه يلهي كثيراً، ويكسب قليلاً، ويأخذ بكلية القلب ، مع ما فيه من محظورات أخرى - سبق بيانها ، أما لعب الكرة فلا بأس -.
وهذه الألعاب محرم لعبها بدون عوض ، فإذا دخلها العوض زاد تحريمها، فتكون محرمة لتحريم ذات اللعبة ، ومحرمة لوجود القمار والميسر فيها.
فالميسر هو : كل ما فيه مخاطرة محرمة .
والقمار هو : كل مغالبة ومخاطرة فيها المال .
ويستثنى من ذلك آلالات الجهاد فتجوز المسابقة فيها بعوض ، وبدون عرض ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) ويقاس عليها عند الجمهور، كل ما كان من الآلات الجهاد،
وسبق : بفتح الباء : المال المدفوع في المسابقة ، أي لا عوِض في المسابقات إلا ما استثني.
أما المسابقات في المباحات فجائز ، بلا عوض، فإذا دخله العوض ، حرم . كالمسابقة على الأقدام ونحوه .
وقد أفتى سماحة شيخنا الشيخ ابن باز ، وشيخنا الشيخ ابن عثيمين بتحريم لعب البلوت والنرد، وكذا الشيخ ابن ابراهيم قبلهما .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي . عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة. جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق