حكم الحوالات المصرفية إذا كانت بجنس واحد:
حكمها حكم السفتجة - وهي الإقراض في بلد شريطة أن يكون السداد في بلد آخر -
فإذا لم يترتب على المقترض كلفة مؤونة أو نحوه، أو كان أيسر له ، أو لهما ، أو تحمل المقرض كلفة إيصالها له في البلد الآخر فلا بأس.
وذلك أن العميل - الشخص الذي جآء بالنقود- يعتبر مقرضاً، والمصرف يعتبر مقترضاً، لأنه أخذ المال على أنه ضامن له، ويتصرف فيه كيفما أراد ، والإيصال الذي يتسلمه طالب التحويل هو السفتجة، وهو يتسلم ذلك القرض في المكان الآخر بنفسه أو وكيله .
وذلك لأن السفتجة : قرض يسدد في مكان آخر، لأمن خطر الطريق أو غيره من المقاصد، سواء كان في نفس البلد أو غيره ، ولا أثر لعدم نية الإقراض ما دام أن حقيقة السفتجة منطبقة على العقد.
فإن قيل : الحوالة المصرفية وكالة بأجر إذا كانت الحوالة بمقابل، - وصدر به قرار المجمع الفقهي بجدة - .
لأن العميل ينيب المصرف في نقل النقود ، والمصرف القابض ينيب المصرف الآخر إذا لم يكن فرعاً له ، ويأخذ على ذلك أجراً.
والجواب : أن الوكيل لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، وكذا كل من كانت يده يد أمانه - وهو من قبض الشيء بإذن من الشارع أو بإذن من المالك ، فلا ضمان عليه إلا إذا فعل ما لا يجور أو ترك ما يجب ، والمصرف في عملية التحويل يأخذ النقود على أنه ضامن لها بكل حال، ويتصرف فيها كما يتصرف المقترض، ولو كان وكيلاً لم يحق له التصرف إلا بما هو الأفضل والأصلح للوكيل ، لأن كل من يتصرف لغيره، يجب أن يتصرف بالأصلح لذلك الغير، لقوله تعالى ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ).
فإن قيل : إن الحوالة المصرفية حوالة بالمعنى الاصطلاحي عند الفقهاء.
لأن الدين في التحويل المصرفي قد انتقل من ذمة إلى ذمة،وهذه هي حقيقة الحوالة ،
فإذا كان لطالب التحويل حساب في المصرف، فالمصرف مدين له، وإن لم يكن له حساب ، فبمجرد تسليم العميل للمصرف النقود، أصبح المصرف مديناً له، ثم المصرف يحيل العميل على مصرف آخر، هو مدين للمصرف الأول .
والجواب : أن المصرف الثاني قد لا يكون مدين للمصرف الأول ، ولأن العميل إذا لم يكن له حساب عند المصرف الأول ، فإن الدين لن يثبت إلا مع عقد الحوالة ، فلم يكن هناك دين سابق عن عقد الحوالة ، ولهذا ذهب الجمهور: باشتراط مديونية المحال عليه لصحة الحوالة .
أما الحوالات المصرفية إذا كانت بجنسين مختلفين ، فتكون العملية مركبة من صرف وتحويل، لأن المصرف سيضطر لشراء العملة الأجنبية التي سيتم بها دفع القيمة في البلد الأجنبي، كتحويل الف ريال سعودي إلى دولار امريكي في بلد إخر ، فإذا كان يصرف العميل الريال إلى دولار - بشرط التقابض في مجلس العقد- ثم يحولها إلى البلد الآخر إلى دولار فلا إشكال في الجواز كما تقدم.
وأما تحويل العميل ألف ريال سعودي إلى رجل في أمريكا حيث يأخذ المصرف الألف السعودي ثم يقوم بصرفها في غير مجلس العقد ثم تحويلها، فهذا لا يجوز ، لأنه لم يتم التقابض في مجلس العقد في حال الصرف
وفي الحديث ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيئتم إذا كان يداً بيد ) وهنا الصرف لم يكن يداً بيد.
وعملية الصرف في الحوالات الخارجية الحالية ليس فيها التقابض في مجلس العقد، فإنه يتم تحديد تاريخ الاستحقاق في اليوم التالي لإدخالها في الحاسوب، لاختلاف التوقيت بين الدول، واختلاف الإجازات والأعياد وغير ذلك من الأسباب ، فالتقابض لا يتم في الحال ،
ولهذا ذهبت بعض الهيئات الشرعية إلى أن هذا التأخر مغتفر، وتعد المدة المستغرقة لتنفيذ الحوالة امتداداً لمجلس العقد للحاجة، وذلك لتعذر ضبط وقوع العقدين في وقت واحد.
وفيه نظر، لأن كل اجتهاد يعود على النص بالإبطال فهو باطل، ولأن الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة ، هي : التي دلّ الدليل عليها ، أو كانت في معنى ما دلّ الدليل عليه ، أو أولى مما دلّ الدليل عليه - كما تقدم - ، ولأن الضرورة لا تكن ضرورة إلا بشرطين، أن نتيقن أن بهذا الشيء تزول الضرورة ، وأن لا يوجد غيرها يقوم مقامها.
وعلى هذا فإن الطريق الصحيح في التحويل المصرفي بجنسين مختلفين ، أن يصرف العميل أولاً - يقوم بعملية الصرف يداً بيد - ثم يقوم بعملية التحويل ليكون التحويل بجنس واحد. والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة/ جامعة أم القرى .
جزاكم الله خيرا ، وبارك الله فيكم
ردحذف