العلة في النهي عن سلف وبيع: كون ذلك العقد يؤدي إلى الربا، فكل عقد معاوضة يؤدي إلى الربا فهو حرام .
العلة في النهي عن الجمع بين سلف وبيع في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نهى عن سلف وبيع، وشرطين في بيع، وبيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن ). رواه الترمذي وصححه، وهو كذلك.
--------
من أهل العلم من أخذ بظاهر هذا الحديث، وقال : بأن كل عقد جمع سلف وبيع فهو حرام لظاهر هذا الحديث.
وفيه نظر : لأنه إذا تعارض اللفظ والمعنى قُدّم المعنى إذا ظهر ، وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى .
وذلك لأن الأصل في الأحكام التعليل على القول الراجح من أقوال الأصوليين ، لقوله تعالى ( وهو العليم الحكيم ) والحكيم هو الذي يضع الشيء في موضعه، والله غني عنا، ولم يشرع شيئاً إلا لمصلحتنا نحن المخلوقين ، قال تعالى ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ).
فالراجح أن الحكم معلل واختلف العلماء رحمهم الله تعالى في العلة :
فقيل : إن العلة في النهي عن الجمع بينهما : الجهالة في الثمن .
والجواب : أن جهالة الثمن غرر، وكل ما فيه غرر في المعاوضات منهي عنه إلا ما استثني - كما تقدم - لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر.
وقيل العلة في النهي عن الجمع بين السلف والبيع: لأنه من بيعتين في بيعة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة .
والجواب عنه ؛ بأن بيعتين في بيعة المراد به بيع العينة ، للرواية الأخرى عند مسلم ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما - أنقصهما - أو الربا ). وهذه الرواية تبين أن بيعتين في بيعة لا يتأتى إلا في بيع العينة لقوله ( فله أوكسهما ).
وظاهر هذا الحديث أن بيع العينة لا يكون إلا بالشرط: بيع السلعة بثمن مؤجل شريطة أن يشتريها بأقل من ثمنها حالأ نقداً، فإذا تمّ ذلك بلا شرط- ولا مؤاطأة وحيلة - فلا بأس به لقوله ( بيعتين في بيعة ) ولا يكونان في بيعة إلا بالشرط، وإنما لم يجز بالمؤاطأة والحيلة ، أخذاً بالمعنى المقصود بالعقد، لأن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني .
ولهذا ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى جواز اجتماع السلف والبيع بلا شرط - أي لا يتم اشتراط البيع إلا بالسلف -
( نهى عن بيع وسلف ) والواو تقتضي المعية ، فإذا لم يكن شرطاً لم يكونا معاً. فإن قيل : قذ يشتري منه من أجل أن لا يطالبه بالثمن في الحال،
فالجواب : أنه يحرم والحالة تلك لأنه أدّى إلى الربا وهو كونه قرض جرّ نفعاً، فإذا أدّى إلى الربا حرم بشرط أو بدون شرط، وعلى هذا فإن القول الراجح أن السلف والبيع في عقد واحد بدون شرط أو موأطأة أو حيلة لا بأس به، ومع الشرط أو المؤطأة أو الحيلة حرام ، وهو قول بعض المالكية وقول عند الحنابلة، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية ، فإذا وجد الشرط فلما تقدم، وإن كان ذلك بالمؤطأة والحيلة حرم، لأن المقصود هو الربا بهذه الطريقة،. - وهي الزيادة مقابلة القرض - والعبرة بالمعاني كما سبق .حلافاً للحنابلة : عدم جواز اجتماع السلف والبيع مطلقا لظاهر النص، وقد سبق أنه إذا تعارض اللفظ والمعنى، قدم المعنى إذا ظهر.
وقيل العلة في النهي عن الجمع بينهما : إذا كانت تلك المعاملة في الجمع بين السلف والبيع تؤدي إلى الربا، سواء كان ذلك في حالة ما إذا باعه المقترض السلعة بأقل من ثمن المثل، أو اشترى المقترض من المقرض سلعة بأكثر من ثمن المثل، أو كان ذلك من قبيل القرض الذي جرّ نفعاً خاصاً للمقرض ، أو نفعاً مشتركاً نفع المقرض أقوى أو أكثر من نفع المقترض.
وهذه العلة في نظري أقرب والعلم عندالله تعالى .
و يقاس على النهي عن السلف والبيع : كل معاوضة لا يجوز أن يقارنها سلف إلا ما إذا كانت تلك المعاملة لا تؤدي إلى الربا، لما تقدم في بيان علة النهي. علماً بإن الأجارة : بيع منافع.
وعلى ذلك تنبني المسائل التالية :
١ - لا يجوز أخذ عمولة مقابل خدمة مع القرض إلا بمقدار التكلفة الفعلية في تلك الخدمة، كدراسة جدوى للمشروع ، يأخذ عليه المقرض أو المصرف مقدار تلك التكلفة من المقترض، ولا يربح المصرف أو المقرض من تلك العملية شيئاً.
فكل زيادة مقابل القرض ربًا سواء كان ذلك بالشرط أو حيلة ومؤاطأة.
٢ - يجوز للمقرض أن يستفد من المقترض خدمة لا يكون سببها القرض، كما في الحسابات الجارية فإن العميل هو المقرض، ويستفد من الشيكات للمصرف. ونحو ذلك ، مما جرى العرف ببذل تلك الخدمة مجاناً، أو لعموم العملاء الذين أقرضوا المصرف أو لم يقرضوه.
فكل خدمة لم يكن سبب التبرع بها القرض فهي جائزة .
٣
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق