حكم
الكفارة على من قتل معاهداً:
ذهب
الجمهور: أن المسلم إذا قتل الكافر المعصوم، فعليه الدية -نصف دية المسلم-
وعليه الكفارة.
وخالف
مالك والحسن البصري، فأوجبا الدية، ولم يوجبا عليه الكفارة، والأول أرجح -كما
سيأتي-.
قال
تعالى: {
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }
[سورة النساء:92].
{وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ}
*الواو
بحسب ما قبلها.
*ما
نافية.
*لا
النافية تحمل على وجوه:
١-لا
صحة. ٢-لا كمال. ٣-لا وجود.
*كان
قيل تدل على الدوام مطلقا، وقيل تدل على الدوام غالباً، وقيل: تدلعلى حصول الفعل ولو مرة واحدة وهو الراجح.
{وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ}
*أي
ما ينبغي له ولم يجعل الله ذلك جعلا شرعياً فالله لم يجعل لمؤمن ان يقتل مؤمنا إلا
بالأسباب الشرعية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرء مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأن
محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق
الجماعة".
•الايمان
والإسلام اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا فالمؤمن هنا بمعنى الاسلام واذا
اجتمع الإسلام والإيمان يكون المراد بالإسلام الظاهر وبالإيمان الباطن.
{أَن
يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً}
*القتل
هو: التسبب في خروج الروح عن البدن.
{إِلَّا}
بمعنى لكن فيكون الاستثناء منفصل.
*الخطأ
هو: ان يفعل الإنسان ما يجوز له فعله فيخطئ فيتسبب في قتل نفس معصومة.
*مثاله:
أن
يريد رمي صيد فيقتل إنسانا فهذا فعل ماله ان يفعله لكنه اخطأ وتسبب بقتل نفس.
•ما
يترتب على قتل الخطأ:
١-الدية
لحديث رسول الله: "دية المؤمن مئة من الإبل" ولما ورد في الآية.
٢-الكفارة:
*بعتق
رقبة مؤمنة.
*ان
لم يجد او يستطع على العتق يصوم شهرين.
*ان
لم يستطع الصوم يطعم ستين مسكيناً.
•قواعد
:
[كل
من لم يفعل ما لا يجوز ولم يترك ما وجب فلا ضمان عليه].
[كل
من فعل ما لا يجوز أو ترك ما وجب فعليه الضمان].
[كل
من تسبب في قتل آدمي بما يقتله عادة فعليه الضمان].
•توضيح
القاعدة الاولى:
اذا
لم يفعل الشخص ما لا يجوزكالسرعة ولم يترك ما وجب كتشغيل المساحات أثناء
المطر وحدث حادث ومات من معه فلا ضمان عليه ولا كفارة.
•توضيح
للقاعدة الثانية والثالثة:
في
حوادث السيارات اذا تسبب أحد في قتل من معه بفعل ما لا يجوز كالسرعة المبالغ فيها
او ترك ما يجب كتشغيل المساحات عند نزول المطر وكان التسبب في العادة يؤدي للقتل
فعليه الضمان.
** * ** * **
•القتل
ثلاثة أنواع:
١-قتل
العمد وهو منصوص عليه :{ومن يقتل مؤمنا متعمدا...}.
٢-قتل
الخطأ منصوص عليه في هذه الآية.
بعض
اهل العلم قالوا أنه لا يوجد إلا هذين القسمين، وذهب الجهور خلافا للمالكية ومن
وافقهم أنه يوجد وهو:
٣-
قتل شبه العمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن في دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا
مئة من الإبل أربعون منها في بطونها اولادها"، وفي لفظ لهذا الحديث: "ألا إن دية
الخطأ وشبه العمد" ففرَّق بالواو والصحيح ان اكثر النسخ ليس بها الواو فيكون المراد
هنا الخطأ شبه العمد
•الدية
في الخطأ:
ولأن
دية الخطأ كما في حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن رسول الله قضى أن دية
الخطأ: "ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون،وثلاثون حقة، وعشر بني لبون ذكر" هذا أصح في الروايات في تحديد أسنان الإبل في الخطأ.
*بنت
المخاض التي انتهت من السنه الأولى ودخلت في الثانية.
*بنت
لبون التي انتهت من سنتين ودخلت في الثالثة.
*والحقة
التي انتهت من ثلاث سنوات ودخلت في الرابعة.
*اللبون
الذكر الذي انتهى من سنتين ودخل في الثالثة.
*الخلفة
في العرف اليوم التي خلفها ولدها وفي الشرع هي التي في بطونها أولادها.
** * ** * **
* مسألة:
إذا
اشترك جماعة في قتل معصوم وكل واحد منهم
فعله صالح لقتله، فإنهم يتساوون في القصاص والقود إن كان عمداً، ويتناصفون الدية إن
كانت دية بحسب عددهم فإذا كانوا ثلاثة اقتسموا الدية على ثلاثة، وكذلك إذا كان
صلحاً وهلم جرَّ.
*وأما
اذا كان الخطأ لم يصل لحد إزهاق الروح فإن كل واحد منهم يتحمل قدر نسبته في الخطأ.
•شبه
العمد هو: أن يضرب الجاني المجني عليه بما لا يقتل غالباً.
*فيه
دية مغلظه لكن ليس فيه قود ولا قصاص بخلاف قتل العمد الدية تجب فيه من مال الجاني
شبه العمد والخطأ الدية تجب فيه على العاقلة.
•العاقلة: هم الرجال البالغون أولو اليسار الأدنى فالأدنى.
*الرجال
خرج النساء، البالغون خرج الصبيان، ألو اليسار خرج الفقراء.
*نبدأ بالجد الثاني إذا كان المبلغ فيه مشقة فادحا انتقلنا للجد الثالث وأيضا إذا بقيت
المشقة انتقلنا للرابع وهكذا.
*نبدأ بالجد الثاني لأنهم أقرب القرابات ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الصدقة لا تحل لآل محمد وال
محمد هم بنو هاشم وهاشم هو الجد الثاني للنبي.
•يترتب
على قتل شبه العمد:
١-الدية.
٢-الكفارة.
٣-استحقاق
الإثم لأن الجاني يتعمد ضرب المجني عليه اعتداء بما لا يقتل غالبا.
٤-الحرمان
من الإرث بخلاف قتل الخطأ.
•مسألة:
إن
قال قائل قال رسول الله: "لا يرث القاتل شيئا":
قلنا
بلى ولكن هنا تعارض اللفظ والمعنى فاللفظ أن القاتل ولو كان خطأ لا يرث، والمعنى
حتى لا
يكون
سبباً لقتل الوارث لمورثه وفي قتل الخطأ ينتفي هذا المعنى والقاعدة [اذا تعارض
اللفظ والمعنى يقدم المعنى اذا ظهر وان لم يظهر فاتباع اللفظ أولى ] وهي قاعدة
اصولية [الاصل في الأحكام التعليل] لقوله تعالى:(وهو العليم الحكيم) والحكيم الذي يضع
الشي في موضعه.
{فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}
أي إزالة الرق الحاصل عليها والرق له اسباب حتى يثبت على الآدمي، منها أن يكون كافراً ثم يسترقه المسلمون فإسلامه بعد أسره لا يفك عنه الرق.
** * ** * **
{رَقَبَةٍ
مُّؤْمِنَةٍ}
*
مسألة هل يشترط أن تكون الرقبة مؤمنة:
جاء
في حديث معاذ بن الحكم قال يا رسول الله علي وكفارة وعندي جارية فقال: "إءتي بها
فقال لها أين الله قالت في السماء قال ومن أنا قالت رسول الله فقال أعتقها فإنها
مؤمنة".
*أعتقها
هذا الحكم. فإنها مؤمنة العلة.
*فإذا
ورد النص بإشتراط الإيمان فلا خلاف في ذلك أما اذا لم يشترط فاختلف العلماء في ذلك
على قولين والراجح في هذا القاعدة [المطلق يحمل على المقيد فيما اذا اتحد الحكم
اما اذا اختلف الحكم فلا يحمل المطلق على المقيد]؛ لأن العلماء اتفقوا على أنه إذا
اتحد الحكم والسبب حمل المطلق على المقيد واتفقوا على أنه إذا اختلف الحكم والسبب لم يحمل المطلق على المقيد واختلفوا فيما عدا ذلك، والتحقيق أن المرجع في ذلك إلى الحكم فإذا اتحد الحكم اتحد السبب وإذا اتحد الحكم
حمل المطلق على المقيد وإذا اختلف الحكم لم يحمل المطلق على المقيد.
{رَقَبَةٍ
مُّؤْمِنَةٍ}
[المطلق
يصح على أقل ما يتناوله اللفظ].
*مثال
القاعدة:
إذا
سلم الإمام التسليمة الأولى ثم انتقض وضوءه قبل التسليمة الثانية صحت صلاته عند
الجمهور خلافاً للحنابلة يقولون التسليمتان ركنان من أركان الصلاة.
*[المطلق
عمومه بدلي والعام عمومه شمولي].
*مثال:
أكرم
طالبا هذا مطلق، أكرم الطلاب هذا عام؛ لأنه يلزم منه إكرام جميع الطلاب، فلو أكرمت
واحدا لا يصح، إلا إذا كانت هناك قرينة أو دليل يدل أن المراد به الجزء من الكل
وهي قاعدة اخرى: [إطلاق الكل ويراد به البعض]
*مثالها
:
{الذين
قال لهم الناس} ليس المراد كل الناس.
** * ** * **
*
مسألة:
إذا أعتق أكثر من رقبة فهو جائز له وأعظم أجرا بدليل إهداء النبي مئة بدنة مع أنه كان
يجزئه شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة.
** * ** * **
*
مسألة اذا كان الرقبة معيبة:
*فيها
احتمالات:
١-يحتمل أن تكون سليمة لأن الأصل في الرقبة السلامة تجوز مطلقا.
٢-يحتمل أن تكون معيبة عيباً لا يعطلها عن القيام بنفسها الراجح انها تجوز.
٣-يحتمل أن تكون معيبة كل العيب أي عيبا يعطلها عن القيام بنفسها لا تجوز لأن في عتقها إساءة ومضرة لها، ولهذا قال الله: {فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا}.
•مسألة:
مؤمنة
هل يلزم أن تكون مؤمنة بأن تصلي وتصوم
أم
يجوز؟
*كمن
اعتق طفلا عمره شهر نقول القاعدة: [المطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ].
** * ** * **
{وَدِيَةٌ
مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ}
•الدية
هي: كل ما يودع إلى الميت وهو المال المدفوع إلى مستحقه في نفس أو ما دونها.
•الدية
تكون في أربعة أمور فقط:
١-النفس. ٢- في عضو من أعضاء البدن.
٣-في
جرح من جروح البدن. ٤- في منفعة من منافع البدن.
*العاقلة
تتحمل الجناية في الأربع السابقة في الخطأ وشبه العمد ولا تتحمل العمد ولا الجناية
في الأموال والعقارات.
{مُّسَلَّمَةٌ
إِلَىٰ أَهْلِهِ}
*اي
مدفوعة مسلمة.
*فيه
دليل على من رد أنه لا يجب أن تكون مؤجلة؛ لأن جمهور العلماء أن دية الخطأ تكون
مؤجلة على ثلاث سنين، إن كان فيه إجماع فلا يمكن التعارض إذا لم يوجد الأصل مسلمة
الدفع فوراً لقاعدة [الاصل في الامر الفورية].
•دليل أن الأمر على الفورية حديث: "من لم يسق الهدي فليتحلل بعمرة" فتباطأ الصحابة رجاء أن
ينسخ الحكم فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله أنأتي منى وذكورنا تقطر منيا؟ قال ابن
عباس: لأنهم كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل
هذا الاعتقاد بالفعل فأمرهم بفسخ الحج، فدل على أن الأمر للفورية.
** * ** * **
{إِلَىٰ
أَهْلِهِ}
أصل
الأهل: هم من يأهلهم الانسان ويأوي إليهم.
*ويدخل
فيهم الزوجة على الراجح لقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما خطب في حادثة الإفك: "من يعذرني في رجل قد
بلغني أذاه في أهلي".
*الدية
إذاً تسلم إلى أهله ومنهم الزوجة.
{إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا}
*أي: يتنازل أولياء الدم أو الورثة فإذا تنازلوا فلا إشكال إذا كانوا بالغين غير
مكرهين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس".
* إذا أسقط الدية بعض الورثة دون بعض سقطت عمن أسقط وثبتت لمن من لم يتنازل.
*الورثة إن لم يكونوا بالغين وتنازل أحد أولياء الدم لا عبرة بتنازله.
** * ** * **
*
علماً: بأن الدية من مال المقتول -إجماعاً-، يقدم فيها الدين، والوصية، وتوزع
على الورثة حسب إرثهم.
** * ** * **
{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ}
{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ}
{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ}
•القوم
لا يطلق في اللغة إلا على الرجال أو الرجال والنساء معاً ولا يطلق على النساء فقط.
** * ** * **
{عَدُوٍّ لَّكُمْ}
•العدو
هو: من إذا جاءك ما يسرك استاء، وإذا جاءك ما يسوءك يسر.
*إطلاق
العداوة في الشرع على العداوة الدينية وهي المعتبرة إن كان من قوم محاربين فهو
مهدور الدم، والمحاربة عداوة.
*الحكم
يكون على العداوة الظاهرة وهي الكفر وهي عداوة.
{وَهُوَ مُؤْمِنٌ}
•أي: إن كان مؤمناً وقومه كفاراً لا ندفع لهم الدية لكفرهم.
*والدليل
الآية وحديث: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" وحديث: "لا يتوارث أهل
ملتين شتى".
** * ** * **
•مسألة:
حديث: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" لا إشكال فيه أن المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث
المسلم لكن الإشكال إذا أتى يهودي يريد أن يرث نصراني ونريد الحكم نقول الحديث
يحتمل:
١- الا
يتوارث أهل ملتين شتى.
٢- ويحتمل
المراد لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.
وقاعدة
الراسخين في العلم أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، فالمحكم الذي لا يحتمل إلا
احتمالا واحدا، وهو لا يرث مسلم كافر ولا كافر مسلم، والحديث الآخر لا يتوارث أهل
ملتين شتى يحتمل أن الكفار لا يتوارثون بينهم إذا كان لكل واحد منهم ملة، ويحتمل أنهم يتوارثوا؛ لأن الاسم الجامع لهم هو الكفر وهذا الأرجح.
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ}
*
إذاً تجب الكفارة وهي تحرير الرقبة ولا تجب الدية لأنه ترك الهجرة (والذين امنوا
ولم يهاجروا مالكم من ولا يتهم من شيء) وهو الأرجح.
** * ** * **
{وَإِن
كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ
أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ}
*
{وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ}
•الميثاق: هو العهد المؤكد.
•(من
قوم بينكم وبينهم ميثاق) هذا يدل على أنهم ليسوا مسلمين لكنهم كفار معاهدون.
* ومن أهل العلم من يرى أن هذه النفس تكون مؤمنة -يعني قتل عند الكفار وهو مؤمن،
وذلك لإخفاء إسلامه لأي سبب من الأسباب-، معطوفة على ما قبلها، ويحتمل أن تكون كافرة فيكون الكلام إنشاء جديداً؛ لأنه لم يذكر أنها مؤمنة، فيحتمل هذا وهذا والقاعدة:
[النص
اذا كان يحتمل اكثر من معنى بحسب وضع واحد ولا تعارض بينهما حمل على جميع هذه
المعاني]
والقاعدة
الاخرى [النص اذا كان يحتمل اكثر من معنى بحسب اوضاع متعددة ولا تعارض بينها لم
يحمل على جميع تلك المعاني].
وقاعدة
ايضا [النص اذا كان يحتمل معنيين متساويين متعارضين فيسمى مجمل].
وعلى
هذا يحتمل وجوب الكفارة -مع أن الآية لم
تذكر الكفارة، وإنما ذكرت الدية، لكونه قتل نفساً معصومة ولو كانت كافرة، فتكون
الكفارة في قتل النفس المعصومة الكافرة، وهذا هذا هو قول الجمهور -ومنهم أبو
حنيفة، والشافعي، وأحمد-؛ لأن قوله تعالى: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق
فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فأوجب الدية والكفار؛ لأن الميثاق يشمل
الكافرالذي بيننا وبينه عهد وميثاق، وهذا هو غالب استعمالاته.
والقاعدة: النص يحمل على الأعم الأغلب لا على القليل والنادر.
ويشمل
كذلك الميثاق للمؤمن الذي يعيش مع الكفار لسبب شرعي يمنعه من الهجرة.
*
وذهب الإمام مالك، والحسن البصري إلى أن الكافرالذي بيننا وبينه ميثاق و قتله
مسلم
فلا
تجب على القاتل الكفارة، وإنما عليه الدية فقط.
وحملوا
الآية في الميثاق على المسلم الذي قتل عند الكفار، وبيننا وبين الكفار ميثاق.
والأول
في نظري أقرب -لما سبق-.
*
مسألة:
يشكل
على هذه الآية كيف ندفع دية، وقومه كفار؟
نقول
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دية الكافر نصف دية المسلم" و حديث: "دية المعاهد نصف عقل المسلم".
هذا
يدل على الكافر المعاهد تدفع له دية، والكافر غير المعاهد مهدر الدم لا دية
له.
** * ** * **
{فَمَن
لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ
اللَّهُ
عَلِيمًا
حَكِيمًا}
{فَمَن
لَّمْ يَجِدْ}
•أي
لم يجد رقبة، أو لم يجد ثمنها، ويحتمل هذا وهذا فيحمل على جميع تلك المعاني.
{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}
•الصيام
لغة: الإمساك.
*اصطلاحا: هو التعبد لله بالإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
•الشهر: مأخوذ من الاشتهار وليس المراد خروج الهلال وإنما المراد استهلال الناس به.
•مسألة:
إن أفطر في وسط هذا الصيام لعذر السفر أو المرض فيه خلاف مبني على قاعدة [هل يقاس على
الرخص] فالرخصة واردة في صيام رمضان فهل يقاس على هذا، أو لا؟
•القول الاول:
يقاس إذا أفطر لعذر نحو سفر أو مرض فلا ينقطع التتابع والدليل أن الشريعة لا تفرق بين
متماثلين ولا تجمع بين مختلفين.
•القول الثاني:
لا
يقاس على الرخص؛ لأنه خلاف الاصل.
{تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ}
•تقدم
معنى التوبة.
{وَكَانَ
اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
•عليما: يعلم بحالكم ويجازي كل واحد بما يستحق إن لم يعفُ عنه.
•حَكِيمًا: في أقواله وأفعاله.
** * ** * **
{وَمَن
يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}
•الآية
الاولى في قتل الخطأ وهذه في قتل العمد.
{وَمَن يَقْتُلْ}
*
يقتل أي: يزهق روحه.
{مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا}
*أي: نفسا معصومة بالإيمان والإسلام.
*لأن
هناك أنفس معصومة بالميثاق والعهد.
*الوارد
فيه الوعيد قتل النفس المؤمنة وهو أعظم من قتل النفس الكافرة ولو كانت معصومة
بالعهد والميثاق؛ لقاعدة [لا يقاس الأدنى
على الأعلى] فلا يقاس قتل النفس المعصومة الكافرة على قتل النفس المعصومة المؤمنة في العقوبة والجزاء؛ لأن الأدنى لا يقاس على الأعلى بل يقاس الأعلى على الأدنى.
*لا يقاس الأعلى على الأدنى إلا إذا تحقق المقصود في الأدنى أو إذا كان المعنى الذي في الأعلى متحقق في الأدنى أو أشد فعند ذلك يقاس عليه.
{فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}
•اختلفوا
هل للقاتل توبة؟:-
١- قالوا
له توبة.
*ومعنى
فجزاؤه: فجزاؤه إن جازاه.
*لان
الله قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء).
*و
لحديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا.
*هذا
يدل على أن القاتل العمد إذا تاب يتوب الله عليه.
*والتوبة
لا يسقط بها حق أولياء الدم من القود أو الدية والكفارة تثبت ولهذا جاء وفد من بني
سليم للنبي صلى الله عليه وسلم في رجل منهم قد أوجب أي استحق النار بقتله فقال النبي: "ليعتق رقبة يفدي
بكل عضو منها عضوا منه من النار".
٢- لا توبة له خلافا للقول الاول لما روي عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر أخذاً بظاهر الآية.
•والآية عنها اجوبة:-
١- أن
الخلد في لغة العرب يطلق ويراد به طول المكث في الشي وليس المراد الإقامة الأبدية
في الشيء.
٢- قيل أن المراد من قتل مسلما مستحلا لقتله ولكن القاعدة تقول: [كل من استحل ماحرم الله
بلا تأويل سائغ فقد كفر وخرج من الاسلام]
*كل
من اعتقد حل شيء بتأويل سائغ فلا انكار عليه.
•من أهل العلم من يرى أننا لا نؤول في هذه الآية نقول هو خالد مخلد مع أننا نعتقد أنه مازال في دائرة الاسلام وقالوا هذا
له نظائر مثل قوله: "من غشنا فليس منا" قالوا ذلك لسببين:
١-
أننا قد نؤول فنقع في الخطأ.
٢- أن
هذا أزجر في الردع فإننا إذا أوَّلنا يكون هذا تخفيف للوعيد الشديد الصادر مع أن
عقيدة أهل السنة من قتل نفسا فإنه لا يخرج من الملة بإجماع العلماء وهم لا يكفرون بكبائر الذنوب
كالخوارج *كان بعض السلف اذا جاءه رجل
يسأله هل للقاتل من توبة قال لا وإذا ذهب
وسأله غيره قال له توبة فلذلك كتم العلم أحيانا يكون اصلح من إفشائه ولذلك قال
النبي: "لا تخبرهم فيتكلوا" فإذا رأيت أن إخبارك عن أمر يسبب مفسدة أعظم فإن المصلحة
في سكوتك وهذا مايسمى بفقه الفتوى.
{وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}
*الغضب
الكيفية مجهولة والسؤال عن الكيفية بدعة والإيمان به واجب وهذا مذهب أهل السنة.
*والغضب
معلوم في لغة العرب.
*
والغضب أعظم من اللعن ولهذا قال الله: (والخمسة أن لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين) إلى أن قال (والخمسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين).
*اللعن
الطرد والإبعاد من رحمة الله يسمى لعناً.
{وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}
•هذه
الآية تدل على عظم ذنب من قتل نفسا معصومة بغير حق.
* قال
النبي: "لا يزال المسلم في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما"
*وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" وذكر منها "قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق".
*ولذلك
هدم الكعبة حجرا حجرا أعظم عند الله من قتل النفس المؤمنة فلذلك جاء الوعيد
الشديد.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية
الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق