قاعدة: الإجماع السكوتي ليس بحجة في الأحكام الشرعية.
وهو الإجماع السكوتي: أن يقول عالم أو أكثر بحكم شرعي في عصر من العصور، ولم يعلم له مخالف في عصره، فهل يعتبر ذلك إجماعاً تجب موافقته، وتحرم مخالفته.
ويشترط بعض أهل العلم انشار ذلك الحكم وذيوعه.
* قال جمع من العلماء: بأنه إجماع، وقيل: حجة وليس بإجماع.
وذلك تنزيلاً للسكوت منزلة الرضا والموافقة، ويشترطون أن لا يعلم أن الساكت ساخط غير راضٍ، وأن تمضي مهلة تسع النظر في ذلك القول بعد سماعه.
وفيه نظر للأسباب التالية:
١- القاعدة: عدم النقل، ليس نقلاً للعدم.
فإذا نقل عن بعض العلماء نقلاً، لا يعني عدم وجود قول لم ينقل.
٢- أن أسباب سكوت العالم عن من يخالف قوله لا تنحصر:
أ- قد يكون خوفاً من السلطان.
ب- أو يعتقد أن كل مجتهد مصيب.
ج- أو لأن المسؤول غيره من العلماء، ولم يسأل ليبين قوله.
د- أو يرى أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
هـ- أن معرفة أن الساكت ساخط، وأن تمضي مدة تسع لذلك القول بعد سماعه، أمر متعسر، ويحتاج إلى نقل، ولم يعهد مثل ذلك في كتب أهل العلم.
٣- القاعدة: لا ينسب ساكت قول، والسكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان.
ولما جهل سبب السكوت عند الحاجة إلى البيان، بقينا على الأصل: وهو أن لا ينسب لساكت قول.
ومع ذلك يمكن أن يستأنس به ولا يحتج به.
* فإن قيل: الإجماع القولي صورة خيالية غير واقعة، فكيف يمكن تحصيل الإجماع.
فالجواب: أن من أهل العلم من قال لا يمكن انعقاد الإجماع بعد عصر الصحابة لتفرق العلماء في الأمصار.
ومع القول بوقوعه بعد عصر الصحابة وهو الأقرب، فالجواب: أن العلماء إذا نصوا على الإجماع، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، فهم عدول يبنى على قولهم ما لم يتبين خطأهم.
أما إذا نص العالم على أنه لا يعلم خلافاً، فإنه لا يلزم وقوع الإجماع من قوله ذلك، فقد يفوته، وقد يكون ظناً منه، وقد يكون غير ذلك.
فالإجماع القطعي الذي تجب موافقته: قد يكون صحيحاً يقيناً أو غلبة للظن.
أما جهل العالم للمخالف لا يعني نقل الإجماع بعدم المخالفة.
* ففرق بين العلم بعدم المنازع، فهو إجماع، وبين الجهل بالمنازع، فليس إجماعاً.
وعلى هذا إذا حكى العالم العدل الثقة: الإجماع، فالأصل: صحة نقله ما لم يتبين خطأه، لأن الأصل الصحة.
وأما عدم نقله الإجماع، وإنما عدم معرفة المخاف، فهو ينفي علمه، ولا يثبت علم غيره.
وبينهما فرق عظيم.
علماً أن من أهل العلم من يعتبر الإجماع السكوتي حجة كما سبق الجواب عليه.
* واتفاق الخلفاء الأربعة ليس بإجماع، وهو قول الجمهور، وليس بحجة، لأن الإجماع لا يكون إلا من جميع علماء الأمة، لأنهم بعضهم وليسوا كلهم.
* وكذا إجماع أهل المدينة، ليس بإجماع، لأنهم ليسوا كل علماء الأمة، وليس قولهم بحجة، مع أنه يمكن أن يستأنس به أيضاً.
* ولا ينعقد الإجماع بقول الأكثرية من أهل العصر، وهو قول الجمهور، ويقدح في صحته مخالفة الواحد والاثنين، لأن المعتبر في الإجماع: جميع علماء الأمة في عصر من العصور، في لحظة واحدة إذا انعقد لا يضرهم من خالفهم بعد انعقاده، ولا عبرة بعصر من قبلهم أو بعدهم، ولا عبرة بمن كان ميتاً، لأن الإجماع ينعقد من العلماء الأحياء لا الأموات.
فالعبرة بإجتماع الأمة في كل عصر، فالماضي لا يعتبر، والمستقبل لا ينتظر.
وكلية الأمة حاصلة بالموجودين في كل عصر، ويعتبر في الأجماع الغائب لا الميت.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق