حكم كون خطبة الجمعة واحدة لا اثنتين:
هل الجلسة بين الخطبتين في الجمعة واجبة؟
هل تصح خطبة الجمعة من الجالس؟
** * ** * **
روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن أنبأك أنه كان يخطب جالساً، فقد كذب).
هذا الحديث يدل على مشروعية الخطبتين في يوم الجمعة ، ويدل على مشروعية الجلوس بينهما.
ولكن مجرد فعل، وكون النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الخطبتين، لا يدل على الوجوب بل على الاستحباب. ولهذا ذهب الحسن وأبو داود، ورواية عن مالك: أن الخطبة ليست شرطاً في الجمعة، فتصح الجمعة بدونها، لعدم الدليل على شرطيتها.
والتحقيق: أن الخطبتين شرط لصحة الجمعة.
وهذا ما ذهب له الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، قال القاضي عياض: إليه ذهب كافة العلماء، وقال ابن قدامة: لا نعلم فيه مخالفاً إلا الحسن.
* ويدل لذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ }. وذكر الله ههنا: الخطبة والصلاة.
والقاعدة: بيان المجمل الواجب واجب، وبيان المجمل المستحب مستحب.
والخطبة واجبة فبيانها واجب.
وإذا قيل إنها بدل عن الظهر، فإن الخطبتين تنزلان منزلة الركعتين.
* فإن قيل: هي يعني ذلك أنه يشترط في الخطبتين أن يكون قائماً حال الخطبة، جاساً عند الفصل بين الخطبتين.
فالجواب: أن من أهل العلم من شرط ذلك.
ولكن الجمهور على عدم اشتراطهما، وهو الأرجح.
وذلك لأن المقصود في الجلوس هو الفصل بين الخطبتين، وليس الجلوس مقصوداً لذاته.
والقاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى، قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فإتباع اللفظ أولى.
وههنا المعنى ظاهر.
* وكذا يقال في القيام في الخطبة: المقصود وعظ الناس، فيحصل من القاعد كما يحصل من القائم، ولكنه من القائم في الجمعة آكد،
لحديث جابر بن عبدالله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب، أحمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم ...) ومنذر الجيش يكون غالباً قائماً.
قال ابن رجب: فإن الأكثرية على أنها تصح من الجالس مع القدرة على القيام مع الكراهة، وهو قول أبي حنيفة ومالك والمشهور عن أحمد.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق