إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الأحد، 5 مايو 2019

حكم صيام يوم الشك // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.

حكم صيام يوم الشك:

يوم الشك عند الحنفية والمالكية: هو إذا لم يٌرَ الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، والسماء متغيمة، فصبيحة يوم الغيم يوم شك، وأما إذا كانت مصحية لم يكن يوم شك؛ لأنه لم تثبت رؤيته كان من شعبان جزماً، إلا أن الحنفية في حالة شهادة من ردت شهادته يعتبرون ذلك يوم شك.
ويوم الشك عند الشافعية والحنابلة: هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يٌرَ الهلال ليلتها مع الصحو، وتحدث الناس برؤيته، أو شهد من ردت شهادته كالصبيان والفسقة، وليس إطباق الغيم عندهم بيوم شك.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى: أن جميع ما ذكر في القولين السابقين داخل في مسمى يوم الشك، إذ الشك: هو التردد بين الجهتين أو الاحتمالين، وهذا اليوم يحتمل أن يكون من شعبان، ويحتمل أن يكون من رمضان. ويؤيده حديث عمار رضي الله عنه: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم). حيث أفاد أن الصوم الذي فيه أدنى شك سبب للعصيان.

هذا وقد ذهب الشافعية، والحنابلة في رواية، إلى تحريم صيام يوم الشك بلا سبب يقتضي صيامه، كمن يوافق له عادة، أو يصوم قضاء أو نذراً.
١- لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه).
والأصل في النهي التحريم.
٢- قول عمار رضي الله عنه: (من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم). فهذا النص موقوف لفظاً، مرفوع حكماً.
رواه أبو دَاوُد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم.
من طريق أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر قال: كنّا عند عمار فأُتي بشاة مصلية، فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم قال: إني صائم.
فقال عمار: من صام اليوم الذي يُشَك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
*هذا وقد علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم.
قال الترمذي: حديث عمار حديث حسن صحيح.
وقال الدارقطني في السنن: هذا إسناد حسن صحيح ورواته كلهم ثقات.
وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح.

قال ابن عبدالبر: هذا مسند عندهم مرفوع لا يختلفون.
قال البزار: "لا نعلم رواه عن عمرو بن قيس إلا أبو خالد".
قال الدارقطني في الغرائب والأفراد:
"تفرد به أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس، وتفرد به عمرو عن أبي إسحاق عن صلة".
أبو خالد الأحمر "سليمان بن حيّان الأزدي". 
قال عنه ابن عدي: "له أحاديث صالحة وإنما أتي من سوء حفظه فيغلط ويخطئ، وهو في الأصل كما قال ابن معين: صدوق وليس بحجة".

قال البزار: "ليس ممن تُلزِم زيادته حجة لاتفاق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظاً وأنه قد روى أحاديث عن الأعمش وغيره لم يُتابع عليها".
قال الحافظ ابن عبدالهادي  في المحرر: "وقد أُعلّ".
وقال ابن حجر في تغليق التعليق: 
"وللحديث مع ذلك علة خفية؛ ذكر الترمذي في العلل أن بعض الرواة قال فيه: عن أبي إسحاق قال: حُدِّثْت عن صلة، فذكره".

* طريق أخرى لحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:

"وله متابع بإسناد حسن، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن ربعي أن عماراً وناساً معه أتوهم يسألونهم في اليوم الذي يشك فيه، فاعتزلهم رجل، فقال له عمار: تعال فكل، فقال: إني صائم، فقال له عمار: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فتعال وكل".

ورواه عبدالرزاق من وجه آخر عن منصور عن ربعي عن رجل عن عمار"اهـ

وهذه الطريق علّتها هذا الرجل المبهم.

* ولحديث عمار بن ياسر شواهد منها  : 

١/ قال الحافظ في تغليق التعليق:
"وله شاهد من رواية وكيع عن الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث عمار،
رواه  أحمد بن عمر الوكيعي وأحمد بن عاصم الطبراني عن وكيع موصولاً؛
ورواه إسحاق بن إبراهيم بن راهوية عن وكيع فلم يجاوز به عكرمة،
وهكذا رواه يحيى القطان عن الثوري" ا.هـ.

٢/ قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل "٧٢٥":
"وسألت أبي عن حديث رواه بقية عن محمد بن عجلان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هُريرة عن رسول الله صلى الله عليه أنه نهى عن صيام "الدأداءة".
قال عمر بن حفص الوصابي: "هو يوم الشك؟"
.قال أبي: هذا حديث منكر، ولم يذكر فيه بقية الخبر فكأنه لم يسمعه وأخذه من غير 

و المعنى صحيح بلا شك؛ ويدل عليه حديث أبي هُريرة وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، والذي فيه الأمر بالصيام لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته؛

وفيه "فإن غمّ عليكم فاقدروا له"
وفي رواية "فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين"
وفي رواية "فأكملوا العدة ثلاثين"
ونحو ذلك. 
كذلك أيضاً مما يدل على صحة هذا المعنى النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، والحديث مخرّج في الصحيحين. 
ويدل عليه أيضاً ما جاء عند البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه بلفظ "لا تصوموا حتى تروا الهلال . . . ."
وعندهما أيضاً بلفظ "الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه . . . ."

وقد أن تكون هذه الروايات مروية بالمعنى، 
لما ثبت عنه في الصحيحين بلفظ "إذا رأيتموه فصوموا . . . ."

لذلك لمّا روى الإمام النسائي رحمه الله حديث عمارٍ رضي الله عنه في باب "صيام يوم الشك" أتبعه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما .

قال: أخبرنا قتيبة قال حدثنا ابن أبي عدي عن أبي يونس عن سماك قال: دخلت على عكرمة في يومٍ، يعني: قد أشكل من رمضان هو أو من شعبان، وهو يأكل خبزا وبقلاً ولبناً،
فقال لي: هلمّ،
فقلت: إني صائم.
قال وحلف بالله: لتفطرن،
قلت: سبحان الله، مرتين.
فلما رأيته يحلف لا يستثني تقدمت،
قلت: هات الآن ما عندك.
قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة أو ظلمة فأكملوا العدة عدة شعبان، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً، ولا تصلوا رمضان بيومٍ من شعبان"اهـ

ورواية سماك عن عكرمة تكلم فيها غير واحد من أهل العلم، إلا أن هذا الحديث بعينه من صحيح حديثه والله أعلم.

قال الترمذي رحمه الله:
حديث ابن عباس حديث حسن صحيح وقد روي عنه من غير وجه.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير:
"وهو من صحيح حديث سماك لم يدلس فيه ولم يلقن أيضاً، فإنه من رواية شعبة عنه، وكان شعبة لا يأخذ عن شيوخه ما دلسوا فيه ولا ما لُقّنوا"اهـ

ويشهد لهذا الحديث أيضاً حديث ابن عمر وحديث أبي هُريرة رضي الله عنهم

وأيضاً ما ثبت عن عكرمة رحمه الله في هذا الباب. 
 وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من طريق أبي البختري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله قد أمدّه لرؤيته فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة" .
وقد صحح الحديث جماعة من أهل العلم ، غير من سبق كالترمذي والدارقطني ، فقد صححه الحاكم في المستدرك ، والألباني في الإرواء .

@ فإن قيل : ألا تصرف هذه الأدلة من التحريم إلى الكراهة ، بالأدلة  الدالة على صيام شعبان تطوعاً ، كما في حديث عائشة  رضي الله عنها (كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان) وحديث أم سلمة (لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان، ويصل به رمضان).
وهذا هو مذهب المالكية، والمعتمد في مذهب الحنابلة.
فيكون النهي لمن صام خوفاً أن يكون من رمضان، لا الصيام التطوع المجرد من خوف كونه من رمضان.
والجواب: أن النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين يدل على التطوع داخل في النهي.
لأن الشك لا يجوز أن يكون في يومين.
ولأن صيام شهر شعبان كاملاً، ليس كصيام يوم أو يومين قبل رمضان  تطوعاً من غير سبب يقتضيه، فالعلة في اليوم واليومين: الغلو في العبادة بالاحتياط، وهذا لا يتأتى في صيام الشهر كاملاً، أو أكثره، لانتفاء العلة.
فالنهي عن تقدمه بيوم أو يومين إنما هو لمن يقصد التحري لأجل رمضان، وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهي إلا من باب سد الذرائع إذا لمن يكن له سبب ظاهر يقتضيه.

* فإن قيل: الأصل جواز التطوع بالصوم.
وعليه يكون التطوع بالصيام قبل رمضان جائزاً، وهذا هو مذهب الحنفية، ورواية عند الحنابلة.
فالجواب: أن الأصل هو أضعف الأدلة، ولا يستدل به إلا بعد البحث عن بقية الأدلة، حكاه ابن تيمية إجماعاً، وقد دلت الأدلة السابقة على النقل من هذا الأصل إلى غيره.
وأما حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً، قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا أفطرت رمضان فصم يومين مكانه) وفِي رواية (من سُرَّة شعبان).
والجواب على فرض صحته: أنه يحمل على من له عادة، والنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، يحمل على من ليست له عادة.
والقاعدة: الجمع بين النصوص واجب ما أمكن.
هذا إذا قيل: إن سرار الشيء آخره، وأما إذا قيل وسطه فلا إشكال.
* فإن قيل: إن التقدم على الشيء بالشيء إنما يتحقق إذا كان من جنسه بحيث يصوم بنية رمضان، أما الصيام بنية غيره فلا يتوجه إليه النهي، لأنه لا يعتبر تقدماً.
فالجواب:
أ-  أن سياق الحديث يأبى هذا ويدفعه.

ب- أن القاعدة في ذلك: الاستثناء دليل العموم.
ولم يرد الاستثناء إلا لمن له صيام معتاد، فدلّ على أن غيره داخل في عموم النهي.

وبعد هذا العرض يتبين رجحان قول الشافعية في تحريم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين تطوعاً بغير سبب يقتضيه، كمن له صيام معتاد، ولا يدخل في النهي الصيام الواجب كالقضاء والنذر، والله تعالى أعلم.

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت