حكم الترجمة الفورية لخطبة الجمعة:
وصورتها: أن يضع الخطيب له مترجماً لخطبته في يوم الجمعة، لان غالب من يسمعه أو كلهم لا يعرفون اللغة التي يتكلم بها الخطيب، وكذا لو كان عدداً كبيراً لا يفهمون اللغة العربية من الخطيب، فأراد أن يبين لهم عن طريق مترجم ما يقول لهم.
------
١- القاعدة في ذلك: إذا تعارض اللفظ والمعنى، قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فإتباع اللفظ أولى.
وبيانه: أن من نظر إلى ظاهر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم (من قال لأخيه والإمام يخطب يوم الجمعة: أنصت، فقد لغى، ومن لغا فلا جمعة له) والمترجم ممن يجب عليه الإستماع للخطبة.
ومن نظر إلى المعنى: أن الفاظ الخطيب لا يقصد سماعها لذاتها، وإنما المقصود معرفة معناها، فيكون المترجم موصل لمعرفة المعنى، والوسائل لها أحكام المقاصد.
وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم إسلام الذين قالوا: صبأنا، بمعنى أسلمنا.
وقد قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم...).
والقاعدة: العبرة بالمعاني مما لا يتعبد لله تعالى بلفظه لا بالمباني.
٢- النص العام يخصص بالقياس.
وإيضاحه: أن حديث: (من قال لأخيه والإمام يخطب يوم الجمعة، فقد لغى...)، مخصوص بالقياس على ما إذا كلم الأمام أو كلمه الإمام للمصلحة العامة، بدليل الرجل الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الجمعة، فقال: يارسول هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعو الله أن يغيثنا).
وقياس الترجمة عليه واضح وجلي، وذلك من أجل مصلحة المسلمين العامة.
فإن قيل: الترجمة يمكن أن تكون بعد الانتهاء من الجمعة.
فالجواب: أن محادثة الإمام للمصلحة العامة يمكن أن يكون بعد الانتهاء من الجمعة، فما جاز في هذا جاز في هذا، وما لا فلا.
٣- الوسائل لها أحكام المقاصد -وقد سبقت-.
وعليه: فإن الترجمة الفورية لخطبة الجمعة من العربية إلى غيرها، والخطيب يخطب الجمعة، لا بأس بها، وذلك لمصلحة المسلمين عامة، ولأن غالب الناس بعد الانتهاء من الخطبة ينصرفون، فبيان الحق والوعظ بما يفهمون من المقاصد الشرعية التي شرعت الخطبة من أجلها.
٤- أن المترجم أولى الناس بفهم كلام الخطيب لأنه يترجم كلامه، فهو منتبه لما يقول، مقبل على الخطبة وفهمها وإداركها، بخلاف مس الحصى وقول: صه، منع منه وخطيب الجمعة يخطب لما فيها من الانصراف عن مراد الخطبة، وهو الاستماع.
ويشكل عليه: أن من قال لأخيه: أنصت، وهو مركز مع الخطيب منتبه لكلامه، لم يفته شيء منه، لم يجز.
والجواب: أن هذه حكمة من الحكم، وليست علة يختل الحكم بإختلالها.
ثم إنه قد ينه عن اليسير حتى لا يكون ذريعة للكثير، وإذا تعارضت مفسدة مع مصلحة مساوية، بسبب عمل ما، نهي عن ذلك العمل.
وكذا إذا كانت: مصلحة مرجوحة بحيث تكون المفسدة والحالة تلك راجحة.
فقول: أنصت والإمام يخطب: مفسدته مساوية لمصلحة أمره بالسكوت، أو راجحة.
فإن قيل: قد يكون في قضية ما: ما مصلحة قولك: أنصت لمن تكلم والإمام يخطب أكبر من عدم أمره بالإنصات.
فالجواب: قد يكون، ولكن العبرة بالأعم الأغلب، لا بالقليل والنادر.
ولهذا قرر الفقهاء قاعدة: أن الشاذ لا حكم له.
أي لا يخل بالقاعدة أو الضابط أو الحكم الشرعي في المسألة -كما تقرر في القواعد الفقهية والأصولية لنا-.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى /مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق