قاعدة: تفسير الشيء بما يتعلق بمادته، أولى من تفسير الشيء بما لا يتعلق بمادته.
———
والمراد بالمادة: حروف الكلمة الأصلية.
فمثلاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم -عند البخاري ومسلم- من حدث جابر بن عبدالله مرفوعاً: (قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم شحوم الميتة جملوه -أذابوه- ثم باعوه فأكلوا ثمنه).
قاتل: بمعنى: أهلك، لأن من قاتله الله فقد هلك، ومن ذلك قوله تعالى: (قاتلهم الله أنى يؤفكون).
وقيل: لعنهم الله وطردهم من رحمته.
واللعن لا تعلق له بمادة المقاتلة، ولا يطابق مادته الأصلية، فكان التفسير الأول للمقاتلة بالهلاك أرجح.
ولا يشكل على هذا الترجيح ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمراً، فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوه فباعوها).
فقاتل من كلام عمر في سمرة: بمعنى أهلك.
ولعن لليهود ههنا: على بابها: طردهم من رحمة الله.
وعلى هذا ورد في فعل اليهود هذا: قاتل، ولعن، فيكون المراد: أهلكم الله، ولعنهم.
* ومن ذلك الاختلاف في تفسير الضرر والضرار، الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).
* ١- قيل: بدء الضرر يسمى: ضرر، وكونه على سبيل المجازاة الغير محرمة لحق الله تعالى ضرار.
* والقاعدة: المعاقبة بالمثل مشروعة ما لم تكن محرمة لحق الله تعالى -وقد سبقت في القواعد-.
وعليه: فمن أحرق سيارة إنسان بلا سبب شرعي موجب لذلك يسمى ضرراً، وإذا أحرقها لكونه آذاه أذى لا يستحق هذا القدر من الضرر فهو إضرار.
٢- وقيل: الضرر: إحداث الضرر للغير من غير فائدة تعود له، والإضرار: إحداث ضرر للغير مع وجود فائدة لفاعل الضرر.
قال الخشني: الضرر: الذي لك فيه منفعة، وعلى جارك فيه مضرة، والضرار: ما ليس لك فيه منفعة، وعلى جارك فيه مضرَّة.
٣- وقيل: الضرر: اسم، والضرار: مصدر.
٤- أن نفي الضرر إنما قُصد به عدم وجود الضرر فيما شرعه الله لعباده من الأحكام، وأما نفي الضرار: فأُريد به نهي المؤمنين عن إحداث الضرر أو فعله.
لا ضرر: الضرر منفي في الشرع.
والضرار: ممنوع لمضرة الغير، فلا ضرر في الإسلام، ولا يجوز الإضرار بالغير.
والمعنى: (لا ضرر ولا ضرار) فالضر منفي شرعًا، فلا يحل لمسلم أن يضر أخاه المسلم بقول أو فعل أو سبب بغير حق، وسواء أكان له في ذلك نوع منفعة أم لا، وهذا عام في كل حال على كل أحد، وخصوصًا من له حق متأكد، فليس له أن يضر بجاره، ولا أن يحدث بملكه ما يضره، وكذلك لا يحل أن يجعل في طرق المسلمين وأسواقهم ما يضر بهم من أخشاب وأحجار أو حفر أو نحو ذلك، إلا ما كان فيه نفعٌ ومصلحة لهم، وفي الحديث: ((من ضارَّ مسلمًا ضارَّه الله))
وفي بعض رواياته: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام. وفي بعضها: لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضره الله، ومن شاق شق الله عليه.
٥- وقيل: الضرر يحصل بلا قصد، والضرار يحصل بقصد، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم الأمرين، والضرار أشد من الضرر.
٦- وقيل: لا يجوز أن يضر بنفسه، ولا إضرار: لا يجوز أن يضر بغيره.
وعند تأمل هذه الأقوال نجد أن معناها صحيح، والحديث يدل على جميع تلك المعاني، ولكن من حيث اشتقاق الكلمة، فكل اشتقاق من مادة الكلمة أصح من غيره، فإذا كان الاشتقاق يحتمل أكثر من معنى، ولا تعارض بينها حمل على جميع تلك المعاني.
وقد سبق بيان ذلك في قاعدة: لا يجوز فرض العمومات في المضمرات.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى/ مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق