حكم دخول الحمام بما كتب فيه اسم الله تعالى .
حكم دخول الحمام بالمصحف :
—————-
( الخلاصة : يكره ذلك من غير حاجة، اللهم إلا المصحف إذا كان يعتبر في العرف تنقصاً له فلا يجوز ).
القاعدة : المكتوب له حكم المقول في الأحكام الوضعية - ولو بدون عذر - وفي الأحكام التكليفية له حكم المقول مع وجود العذر في عدم القدرة على الكلام شرعاً ككلام الآدميين في الصلاة، وحساً، كعدم القدرة على النطق.
ولهذا أشار برد السلام صلى الله عليه لما سلم عليه الرجل وهو يصلي .
لوجود العذر المانع من رد السلام، فإن أخر رده حتى ينتهي من الصلاة عند عدم وجود من يرد جاز، ولهذا لما رد رجل على النبي صلى الله عليه وسلم السلام وهو يبول فلم يرد عليه حتى قضى حاجته وتوضأ، فعن المهاجر بن قنفذ نَّهُ أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ يبولُ فسلَّمَ عليهِ فلم يردَّ عليهِ حتَّى تَوضَّأ ثمَّ اعتذرَ إليهِ فقالَ إنِّي كَرِهْتُ أن أذكرَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ إلَّا علَى طُهْرٍ أو قالَ علَى طَهارةٍ )، رواه أحمد وأبو داود ،
فقوله : ( كرهت أن أذكر الله تعالى إلا طهر ) من العام الذي يراد به الخاص، فيكون المراد بالذكر هنا : تحية المسلمين التي هي من أنواع الذكر ، وأما غيرها من الذكر فقد ورد فيه حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه .
وقال تعالى ( والذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ...) وظاهر الآية مدحهم على ذكر الله تعالى في كل الأحوال .
فالسَّلامَ الذي يُحَيي به النَّاسُ بعضُهم بَعضًا اسمٌ من أسْمائِه تَعالى،فيكون المراد من حديث المهاجر : ذِكرُ ما جَعلَه اللهُ تَعالى سُنَّةً للمُسلِمين وتَحيَّةً لهم، فإنَّ ذلك يَقتَضي احْتِرامَه ، ويكره أن يرد السلام وهو على غير طهارة حتى يتطهر ، لأن الأصل في الكراهة هي الدلالة الشرعية لا اللغوية .
ويحتمل أن يراد بحديث المهاجر : أنه من العام الذي يراد به العام ، فيكون فيه دلالة على كراهية ذكر الله تعالى بأي ذكر إلا على طهارة .
والأول أقرب :وذلك لأن القاعدة : رد النص الذي يحتل أكثر من معنى إلى النص الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً.
والقاعدة : الجمع بين النصوص واجب ما أمكن ، فحديث عائشة : فيه مشروعية ذكر الله تعالى مطلقاً بدون قيد ولا شرط، وحديث : المهاجر يحمل على ما كان ذكر الله تعالى الذي هو تحية للمسلمين كما تقدم .
فإن قيل : حديث المهاجر : يحمل على ما فيه تَنْزيهُ اللهِ تعالى عن أنْ يُذكَر عَلى حالٍ وهَيئةٍ غَير حَسنةٍ، كحالِ التبوُّلِ ونحوِه، فيكره ذكر الله تعالى في حال كون الإنسان على هيئة غير حسنة ، فيحمل النص على السبب الذي ورد فيه الحديث ويقيد به .
والجواب : أن هذا قول وجيه، فتكون الكراهة لذكر الله تعالى لا في حال عدم الطهارة عند إلقاء السلام ورده ، وإنما في حال ما لا ينبغي ذكر الله تعالى فيها وهي عند كون الإنسان على هيئة غير حسنة .
والقاعدة : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إلا إذا كان العام معنوياً ، فإن العام يتقيد بما يشبه حال ذلك السبب، وهنا العام معنوياً.
ولكن يشكل عليه : أنه لم يرد عليه بعد انقضاء الحاجة فقط وإنما بعد أن توضأ .
والجواب : أن رده السلام بعد الوضوء محمول على الكمال والأفضل والأتم ، ولما كان الفارق يسيراً وأراد الوضوء كان رده على الطهارة أفضل ، وهذا التوجيه في نظري أقرب من الأول ، وعليه : لا تكون الكراهة في إلقاء السلام ورده عند عدم كون المسلم محدثاً غير متطهر ، بل في حال كونه على هيئة غير حسنة .
فإن قيل : إنه علل عدم الرد لكونه على غير طهر .
فالجواب : أي في مكان غير طاهر ، لأن القرينة دلت على ذلك ، وهي السياق والحال التي من أجلها ذكر اللفظ، والطهارة كما تكون من الحدث، كذا تكون في البقعة التي يكون الإنسان فيها . ولأن في ذلك جمعاً بين الأدلة .
ًوبناء على التقعيد السابق: فإن التسمية في مكان الخلاء- لا قبله - مكروهة ، لأن المكتوب له حكم المقول.
وكذا يكره دخول الحمام بالأوراق التي كتب فيها اسم الله تعالى بغير حاجة إلى ذلك .
وأما دخول الحمام بالمصحف لغير حاجة ، إذا كان ذلك يعتبر تنقصاً - عرفاً - فلا يجوز ، وإلا كره لغير حاجة .
وذهب المالكية والحنابلة إلى تحريم ذلك ذلك إلا لحاجة تقتضيه كخوف سرقته أو ضياعه، إلا أن المالكية يقولون بالجواز إذا كان مستوراً ولو بوضعه في الجيب .
قال المرداوي في الإنصاف : أما دخول الخلاء بمصحف من غير حاجة فلا شك في تحريمه قطعاً، ولا يتوقف في هذا عاقل. انتهى.
وفي بلغة السالك لأقرب المسالك :
(وإلا القرآن فيحرم قراءته والدخول بمصحف أو بعضه ولو آية، ما لم يكن حرزاً مستوراً بساتر. ومن الساتر جيبه فوضعه في جيبه -مثلاً- يمنع الحرمة في المصحف. والكراهة في غيره. وهذا ما لم يخف عليه الضياع، وإلا جاز الدخول به للضرورة). انتهى.
وذهب الشافعية إلى الكراهة في هذه الحالة .
قال الرملي الشافعي في فتاويه : (سئل) عن رجل دخل الخلاء بمصحف هل يحرم عليه ذلك أم لا؟
(فأجاب) بأنه لا يحرم دخوله به خلافاً لبعضهم؛ لكنه يأثم بحمله حال حدثه من غير ضرورة تقتضيه. انتهى.
والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق