حكم من حجز في تطبيق اعتمرنا ثم تبين أنه وهم في موعده وقد فات ، فهل يكون محصراً ؟
————-
الخلاصة : إذا اشترط عند إحرامه: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وحبس عن البيت مدة يشق انتظاره فيها مشقة غير معتادة عرفاً، فلا شيء عليه إذا تحلل والحالة تلك، وإذا لم يشترط وحبس عن البيت مدة يشق انتظاره فيها مشقة غير معتادة- بحيث لا يستطيع إعادة حجز موعد قريب لا يشق انتظاره فيها ولم يجد طريقًا لإتمام عمرته، كان محصراً، ينحر هديه ثم يحلق رأسه ، وبكون قد أحل من عمرته بهذا التصرف ).
و القاعدة : كل من أحرم ودخل في نسك الحج، ولم يمكنه الإستمرار في حجه إلا بمشقة فادحة وامكنه التحلل بعمرة، تعينت عليه العمرة .وإلا فهو محصر.
وبناء على ذلك: من أحرم بالحج ثم رفضه لعذر أو لغير عذر قبل أن يقف بعرفة ، حتى فات وقتها تحلل بعمرة، وعليه القضاء من قابل، واختلف في وجوب الهدي عليه مع قضائه، فأوجبه الجمهور، لأنه مروي عن بعض الصحابة، ولم يوجبه الحنفية، وهو الأقرب ، لأن قول الصحابي ليس بحجة- كما سبق تقريره -
@! والفرق بين رفض الإحرام لعذر أو لغير عذر، استحقاق الإثم من عدمه .
ومن رفضه بعد الوقوف بعرفة ، لا يزال محرماً، قيأتي بطواف الحج ، والسعي على القول بركنيته، ويذبح عن كل ترك واجب دم على الخلاف فيما يجب فيه الدم من الواجبات، وما لا يجب- وقد سبق تحريره -.
فيذهب إلى مكة بنية إكمال الحج فيطوف سبعة أشواط بالكعبة طواف الحج ويصلي ركعتي الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة سعي الحج، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل إن لم يكن سابقاً حلق أو قصر بنية الحج ثم يتحلل، وعليه دم عن ترك كل واجب ينجبر بالدم . وهو سبع بدنة أو سبع بقرة أو ثني من المعز أو جذع من الضأن يذبح في الحرم المكي ويوزع بين فقرائه،، وعليه مع ذلك التوبة والاستغفار عما حصل من التقصير .
أما الطواف والسعي والحلق فوقتها موسع، ولكن فعلها في وقت الحج أفضل، وهذا لمن لم يحصل منه جماع، فإن جامع قبل الوقوف بعرفة فقد فسد حجه بالإجماع، وإن جامع قبل التحلل الأول فسد حجه عند الجمهور قياساً على الجماع قبل عرفة، ولم يفسد عند الحنفية وهو الأقرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الحج عرفة ). ولم يفسد أحرامه أيضاً على الأرجح، وعليه الفدية .
ومن فسد حجه يفعل ما تقدم؛ لأن الحج الفاسد يجب إتمامه كالصحيح؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية. وعليه قضاؤه في المستقبل حسب الاستطاعة، وعليه دم في حجة القضاء على رأي الجمهور. ومن جامع بعد التحلل الأول وقبل الثاني عليه دم .
قال ابن رشد :
فأما إجماعهم على إفساد الجماع للحج فلقوله - تعالى - : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) . واتفقوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه ، وكذلك من وطئ من المعتمرين قبل أن يطوف ويسعى .
وسبب الخلاف : أن للحج تحللا يشبه
السلام في الصلاة ، وهو التحلل الأكبر - وهو الإفاضة - ، وتحللاً أصغر . وهل يشترط في إباحة الجماع تحللان أو أحدهما ؟ ولا خلاف بينهم أن التحلل الأصغر الذي هو رمي الجمرة يوم النحر أنه يحل به الحاج من كل شيء حرم عليه بالحج إلا النساء والطيب والصيد ، فإنهم اختلفوا فيه ، والمشهور عن مالك أنه يحل له كل شيء إلا النساء والطيب ، وقيل عنه : إلا النساء والطيب والصيد ; لأن الظاهر من قوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) أنه التحلل الأكبر .
-
- والقاعدة : المطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ، والتحلل يطلق على الأصغر والأكبر، فيكون قوله تعالى ( وإذا حللتم فاصطادوا ) يحصل بالتحلل الأول ، بناء على هذه القاعدة -.
واتفقوا على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وإن لم يكن حلق ولا قصر لثبوت الآثار في ذلك إلا خلافا شاذا . وروي عن ابن عباس أنه يحل بالطواف . وقال أبو حنيفة : لا يحل إلا بعد الحلاق ، وإن جامع قبله فسدت عمرته . - وقد سبق تحريره - .
ع .
وهذا لمن لم يكن جاهلاً ، فإن كان جاهلاً كونه محرما ، أو جاهلاً أن الجماع من محظورات الإحرام فلا شيء عليه على أصح قولي العلماء.
فالجهل بالحال، والجهل بالحكم، يعذر فيهما بالجهل ، ولا يعذر بجهل ما يترتب على الحكم .
@ والمشقة الفادحة : هي كل مشقة ورد الترخيص بسببها بنص من الشارع، أو المشقة الغير معتادة، فإن الشريعة تخففها حتى تصل إلى المشقة المعتادة .
@ وأوجبنا عليه العمرة والحالة تلك : لأن العمرة هي أحد النسكين، ولأن الحاج يجوز فسخه إلى العمرة ليكون متمتعاً، ولقوله تعالى ( فاتقوا الله ما استتطعتم ) وأقل الاستطاعة للمحرم تحويل إحرامه للعمرة إذا استطاع.
@ وهذا هو المشروع للمحصر، يتمهل، فإن تيسر فك الحصار استمر على إحرامه وأدى مناسكه، وإن لم يتيسر ذلك وشق عليه المقام تحلل من هذه العمرة أو الحج إن كان حاجا، ولا شيء عليه وفعل التحلل بإهراق دم يجزئ في الأضحية، ثم الحلق أو التقصير كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الحديبية، وبذلك يتحلل، كما قال جل وعلا: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} فالحلق يكون بعد الذبح ويقوم مقامه التقصير، فينحر أولاً، ثم يحلق أو يقصر، ثم يتحلل ويعود إلى بلاده، فمن لم يجد هدياً فمن أهل العلم من أوجب عليه صيام عشرة أيام قياساً على دم المتعة ،ثم يحلق أو يقصر ثم يحل ، ومن أهل العلم من لم يوجب عليه شيئاً عند العجز عن الدم ، لأن الواجبات تسقط بالعجز عنها ، ولأن في دم المتعة لمن لم يجده صيام ثلاثة أيام في الحج ، وهذا لا يتأتى ههنا، ولعل هذا هو الأقرب. والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق