حكم عقد النكاح المعلق على شرط في المستقبل :
———-
فمثلاً: إذا قال الولي : زوجتك ابنتي إذا نجحت في الاختبار، فقبل الزوج ثم نجحت البنت ، هل يصح العقد أم لم يصح؟
———-
ذهب جمعور العلماء إلى أن عقد النكاح لا يصح إذا علق على شرط في المستقبل ، وذلك للأسباب التالية :
١ - أن تعليق عقد النكاح على المستقبل، كقولك : إذا كان الغد زوجتك ابنتي وقبل الزوج، أن هذا مجرد وعد لا ينعقد به العقد .
والجواب عنه :
أ - أن هذا تعليق للعقد على سبب، وما المانع من انعقاد العقد عند وجود سببه، وقد دخل أبو موسى الإحرام بالحج على الصفة التي حج بها النبي صلى الله عليه ويلم من أنواع النسك .
ب - أن العرب تفرق بين الوعد بالعقد ، وتعليق العقد على سبب، فتعليق العقد على سبب يقتضي وقوع العقد عند وجود شرطه أو سببه الذي علق المكلف الشيء عليه.
والقاعدة : كل شيء علق على سبب ، يتحقق ذلك الشيء بتحقق سببه.
ج - إذا جاز تعليق البيع على سبب، فما المانع من تعليق عقد النكاح على سبب.
٢ - إذا كان لا يصح تعليق البيع على سبب، فلا يجوز تعليق عقد النكاح على سبب، بجامع المعاوضة في كل، لعدم صحة النكاح بشرط عدم المهر .
والجواب: أننا لا نسلم بعدم صحة عقد البيع في المستقبل، والأصل الصحة حتى يقوم دليل المنع، وأما شغل الذمة في بيع الكاليء بالكاليء فإنما انعقد الإجماع في عدم جوازه في صورتين فقط، إحداهما : إذا كانت من الأموال التي يجري فيها الربا، والثاني : إذا كانت رأس مال لسلم .
٣ - إذا كان لا يجوز تعليق الطلاق على شرط ، فلا يجوز تعليق النكاح على شرط ، لعدم الفارق بينما بجامع التعليق على المستقبل في كل .
- [ ] والجواب : بعدم التسليم بعدم وقوع الطلاق المعلق على شرط عند تحقق الشرط، وذلك لأن الطلاق المعلق كالطلاق المنجز، فما صح منجزاً صح معلقاً ، وعليه : يصح الطلاق المعلق، وكذا النكاح المعلق .
- [ ]
فإن قيل : القاعدة الفقهية :
الأصل أن تعليق الأملاك بالأخطار باطل، وتعليق زوالها بالأخطار جائز .
والقاعدة :
استدامة الملك لا تحتمل التعليق بالشرط .
ذلك بأن تبحث في معانيهما ومآخذهما وأدلتهما،
والقاعدة : أسباب ملك الأعيان لا تحتمل التعليق بالخطر .
فالجواب : أن هذه ضوابط فقهية متعلقة بمذاهب معينة ترى الفرق بين عدم صحة النكاح المعلق، وبين صحة الطلاق المعلق.
وحقيقة الأمر لا فرق إلا إذا حصل الإجماع على التفريق بينهما .
٤ - قياس عدم صحة عقد النكاح المعلق على شرط على نكاح المتعة فقالوا : إذا كان لا يصح تعليق وقت النكاح في المستقبل ثم ينفسخ كما في المتعة، فكذا لا يصح تعليق أصل العقد على أمر مستقبل قد يقع وقد لا يقع، لأن الأصل في النكاح الانجاز واتحاد الإيجاب والقبول في مجلس واحد .
والجواب عن ذلك : بأن اتحاد الإيجاب والقبول ليس من مسألتنا ، وأما قياسه على المتعة ففيه نظر، لأن نكاح المتعة غالباً لا يكون فيه تعليق للعقد بل هو عقد منجز محدد بمدة، فالعلة في فساده ليس تعليق العقد على شرط في المستقبل وإنما من أجل النكاح المحدد بمدة ، كأن المرأة مستأجرة في تلك المدة ثم ينفسخ العقد بدون طلاق، وهذا لا يتأتى في مسألتنا.
٥ - أن تعليق البيع والنكاح على أمر في المستقبل محتمل الوقوع فيه غرراً ، فقد يقع وقد لا يقع .
والجواب : أن عقد البيع أو النكاح لا غرر فيه، بل هو عقد واقع لا يسمى غرراً ، سواء كان منجزاً أو معلقاً على شرط ، فإن النذر المعلق على شرط ،والعتق المعلق على شرط لا يسمى غررا،لأن هذا عقد على صفة معينة ، لا يتناول غير تلك الصفة فإن حصلت تلك الصفة حصل العقد وإلا فلا ، فليس هذا بتغرير ، وإنما التغرير أن يعقد له عقدا يأخذ فيه ماله، ويبقى في العوض الذي يطلبة على مخاطرة؛ فإن لم يحصل كان قد أكل ماله بالباطل، فهذا هو الغرر الذي يدخل بيعه في معنى القمار والميسر الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فأما كون العقد جائزا، يجوز أن يلزم إن وجد شرط لزومه، و يجوز أن لا يلزم، أو كونه يجوز أن ينعقد إن وجد شرط انعقاده، ويجوز أن لا ينعقد: فليس هذا مما دخل في نهیه عن الغرر ، وليس هذا من القمار، لأن العقد إن حصل أو لزم، حصل المقصود بحصوله ولزومه، وإن لم يحصل أو لم يلزم، لم يحصل المقصود بحصوله ولزومه؛ فعلى التقديرين لا يكون أحد المتعاقدين قد أكل مال الآخر بالباطل أصلا، ولا قمر أحدهما الآخر ، ولم يثبت حديث : أنه نهى عن بيع وشرط.
القول الثاني : يجوز تعليق عقد النكاح على أمر في المستقبل ، ويصح.
قال المرداوي في الإنصاف 8/ 164:
" قوله أو علق ابتداءه على شرط كقوله زوجتك إذا جاء رأس الشهر أو إن رضيت أمها،الصحيح من المذهب بطلان العقد في ذلك وشبهه , قال في الفروع إذا علق ابتداءه على شرط فسد العقد على الأصح كالشرط وصححه المصنف والشارح وجزم به في الوجيز وغيره قال في المحرر وغيره ولا يصح تعليقه على شرط مستقبل وقدمه في الرعايتين والحاوي وغيرهم،
وعنه العقد صحيح وبعدها القاضي وأبو الخطاب،
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ذكر القاضي وغيره روايتين والأنص من كلامه جوازه،
قال ابن رجب ورواية الصحة أقوى
قال في الفائق ولا يصح تعليقه على شرط مستقبل وعنه يصح نصره شيخنا وهو المختار انتهى " أ. هـ
ومال ابن تيمية في كتاب العقود له ص 227 على جواز تعليق البيع على شرط .
فلم يفرق بين النكاح وغيره في تعليقها على أمر مستقبلي.
أدلة هذا القول :
١ - قياس تعليق النكاح على أمر في المستقبل على جواز التعليق في جميع العقود من عتاق وطلاق وغيره.
٢ - الاستصحاب : فالأصل الجواز حتى يأتي الدليل الدال على عدم الصحة .
٣ - ولأن ما جاز منجزاً جاز معلقاً ألا ما دل الدليل على عدم جوازه.
وبعد هذا العرض : فالذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى : صحة عقد النكاح المعلق على أمر في المستقبل إذا اتحد الإيجاب والقبول، لما سبق من الأدلة، مع ان الأحواط تركه لكونه أبرأ للذمة، ولا إجماع في المسألة ، والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق