———-
صورة المسألة: امرأة وقع بينها وبين زوجها سوء تفاهم، فأخذت سكيناً، وقالت: إن لم تطلقني قتلت نفسي، وغلب على ظن الزوج فعل ذلك منها إن لم يطلقها، فطلقها خشية وقوع ذلك منها، لا اختياراً في طلاقها.
———
الذي يظهر لي والعلم عند الله تعالى أن الطلاق والحالة تلك لا يقع، للأسباب التالية:
١- وقع الطلاق منه بغير اختيار منه.
٢- يشبه الكذب، بجامع أنه أراد اللفظ ولم يرد المعنى. والأصح: عدم وقوع طلاق الكاذب.
٣- الضرر الواقع على غيره أعظم من الضرر الواقع عليه.
٤- غلبة الظن تنزل منزلة اليقين في وقوع القتل من عدمه.
٥- خشية الضرر الواقع عليه من عدم بقاء عصمة الزوجية بالموت، أعظم من الفراق بأمر محتمل عدم الوقوع أو الوقوع الذي يمكن رد عصمة الزوجية فيه بالطرق الشرعية.
٦- قياساً على بيع التلجئة في عدم الوقوع، بعدم الرضا الحقيقي في كل.
٧- قياساً على الطلاق الصوري، وقد سبق عدم وقوعه، فكذا ههنا.
٨- قياساً على المكره، فكذا ههنا، بجامع عدم الاختيار في كل.
٩- ولأن العقود لا تنعقد إلا بالاختيار الحقيقي، والرضا ممن يشترط رضاه، إلا إذا كان بحق.
قإن قيل: الجهة منفكة، فكيف لا يقع طلاقه.
فالجواب:
أ- عدم التسليم بانفكاك الجهة بين الزوج والزوجة، فعدم بقاء عصمة النكاح فيمن يرغب بقاؤه -وهو الزوج ههنا- يعود لمن أصدر لفظ الطلاق، وهو أصدره اضطراراً لا اختياراً.
وعدم بقاء حياة زوجته أعظم ضررًا من طلاقها، فيكون معذواً بحصوله، فلا يقع.
ب- عدم التسليم بأن الإكراه لا يكون إلا لمن لم تكن جهته غير منفكة، فإنه لو هدده
بقتل ولده أو زوجته، لكان مكرها.
بل لو هدد بقتل نفس معصومة لا علاقة له بها، لكان معذوراً بطلاق زوجته لعدم وقوع الطلاق عليه، إذا قصد دفع قتله بطلاق زوجته وهو غير مختار لطلاقها.
لأن الرجل إذا قيل له: إذا لم تقتل فلانا قتلناك فقتله قتل به، وذلك لأن بقاء روحه ليس أولى من بقاء روح غيره.
فلو عقد رجل على امرأة فجاء اجنبي وقال: إن لم تطلقها قتلت نفسي، وغلب على ظن الزوج حصول ذلك، فطلقها دفعاً لقتله لنفس معصومة لا اختياراً منه، لم يقع الطلاق؛ لأن الضرر الواقع بالقتل أعظم من الضرر الصادر من الزوج -وهو الطلاق- فلم يقع.
إذ إن عدم بقاء الروح المعصومة أعظم ضرراً من حصول الطلاق.
اللهم إلا إذا طلق اختياراً، كأن تكون نيته: لما ترتب على هذا الزواج مثل هذا التصرف فأنا لا أرغب في هذه المرأة، فطلقها اختياراً، لوجود دواعي الاختلاف والقلق، وقع طلاقه، ففرق بين من دفع الإكراه بالشيء فيقع مثل هذه الحال، وبين من وقع الإكراه عليه مثل أصل المسألة، فوقع الطلاق بغير اختياره، لا طلاق عليه.
—-
والقاعدة: فرق بين الإكراه على الشيء، وبين دفع الإكراه بالشيء -كما سبق في القواعد-
فمن قالت له زوجته إن لم تطلقني قتلت نفسي، هذا أكره على الطلاق بغير اختياره.
فلم يقع طلاقه.
ومن قالت له ذلك، فطلقها باختياره، لأنها لما قالت له ذلك طابت نفسه منها، وقع طلاقه والحالة هذه.
فهذا دفع الإكراه بالشيء، ولم يكره على الطلاق، والفرق بينهما دقيق، وقد سبق شرحه فيمن أكره على لبس المخيط وهو محرم فلا فدية عليه، ومن لبسه حتى لا يرد عن عمرته أو حجه فعليه الفدية.
فالأول: أكره على الشيء، والثاني: دفع الإكراه بالشيء.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق