—————-
صورة المسألة: يتفق العميل مع صاحب العقار على أن يشتري بيته عن طريق المصرف أو البنك، ويبقى صاحب العقار في بيته، ويكون بيته مرهون للبنك بعد شراء البنك هذا البيت، والعميل يأخذ قيمة البيت ويدفع ما أخذه من تمويل بنكي من صاحب البيت على أن يقوم العميل بسداد الدين وفوائده، هل هذه من صور البيع أو من صور الربا؟
وذلك أن في قرض الإسكان (سكني) هناك معاملة للاستفادة من القرض بأخذه نقدا عن طريق عملية بيع صوري لعقار لأحد أقاربه، بحيث يقدم العقار للبنك فيشتريه البنك بقيمة القرض ٥٠٠ الف ريال ثم يبيعه البنك على المستفيد من القرض السكني مع رهن العقار للبنك مع التزام المستفيد بإرجاع العقار للمالك بعد فك رهنه مع بقاء منفعة العقار للمالك.
————
وهذه المعاملة في نظري محرمة ومن صور الربا، وذلك للأسباب التالية:
١- يشترط في بيع العقار التخلية ليستلمها المشتري، وهنا البائع للبنك لم يخلي العقار، وذلك من أجل التحايل على بيع دراهم بدراهم، وذلك أنه في المنقولات من شروط البيع نقل المبيع من المكان الذي بيع فيه إلى مكان لا يختص بالبائع، لحديث: (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نبيع الطعام جزافاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث إلينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه).
وما كان عقاراً: لا يمكن نقله، فيتعين تخليته حتى يتمكن من قبضه، وقبل أن يتمكن من قبضه لا يجوز بيعه.
٢- القاعدة: العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
وحقيقة هذه المعاملة: أن العميل اقترض من البنك بفوائد ربوية، ورهن بيت قريبه له. وهذا عين الربا، وصاحب العقار غير محسن وإنما معين على الربا، والقاعدة: المعين كالفاعل.
٣- ولأن العقار في هذه المعاملة لم ينتقل حقيقة وإنما ورقياً، فهو باق في ملك صاحبه. فإن كلاً من العميل وصاحب العقار يعلم بأن العقار ملك لصاحبه الذي باع البنك بيعاً صورياً، وهدف البنك هو توثقة دينه، ولا يهمه من يكون العقار بيده.
٤- ولأن بيع المرابحة للآمر بالشراء متى ما كان الأطراف الثلاثة في العقد لفظاً أو معنى كان من صور الربا، وكان من الشرط المقتضي لبطلان البيع، فلا بد من استقلال كل طرفين على حدة، كما سبق بيانه في حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء.
٥- ولأن الضمان والربح في خلال هذه الفترة لصحاب العقار الأول، وليس ذلك للعميل، وكل منهما يعلم ذلك.
٦- ولأن هناك اتفاق بين العميل وصاحب العقار على البيع قبل إدخال البنك كممول.
وعقد البيع هنا على فرض كونه حقيقياً غير صحيح، لأن البيع لم يكن من طرفي العقد في البيع والشراء إذ إن صاحب العقار باع البنك ما لا يملك، لأن العقار انتقل للمشتري، ثم المشتري يدخل البنك ليشتري من نفسه عن طريق البائع الأول كوكيل، وهذا لا يجوز، ومن الطرق الغير مشروعة في التحايل.
٧- ولما فيه الكذب والتدليس.
فإن قيل: أليس القرض السكني الأصل أنه من عقود الإحسان والتكافل الاجتماعي وإنما دور البنك هو تمويل الدولة للقيام بذلك بواسطة عملية بيع وشراء كاملة الأركان.
فإن الطرف الثالث الذي هو صاحب العقار ليس له منفعة وليس هو المقرض بل القرض من الدولة والبنك مشتري بالنقد وبايع بالآجل.
فالجواب:
١- أن الدولة ليست دافعة للتمويل، وإنما آمره به في بعض صوره الحقيقية، فليست طرفاً في عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء.
وهذه الصورة من الصور الصورية التي لم تأمر بها أصلاً ولا ترضى بها.
٢- أن هناك فرق بين عقود المعاوضات، وعقود التبرعات، من حيث النية، فيقصد في عقود القروض: الرفق والإحسان، وهنا يقصد بها الربح والاتجار، فكانت من عقود المعاوضات.
وكذا من حيث الفعل، فعقود التبرعات لا زيادة فيها، بخلاف صورتنا فالزيادة مقصودة مشروطة.
٣- ولأن المحرم تحريم وسيلة، إذا كان بوسيلة محرمة لم يزده إلا تحريماً، وأما ما كان تحريمه تحريم مقصد، فكل وسيلة لتحليله محرمة، وهذه الوسيلة من الوسائل المحرمة المشتملة على المحاذير المذكورة.
٤- والقاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى، قدم المعنى إذا ظهر -كما سبق في القواعد- والمعنى هنا ظاهر، وهو التمويل بفائدة عن طريق رهن عقار الغير، وهو عين الربا.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق