حكم الجلوس في المسجد لغير الحاج في عشية عرفة والدعاء فيها:
حكم فضل العبادة في يوم عرفة لغير الحاج:
حكم الحث على المرابطة في المساجد للدعاء عبر رسائل الواتس ونحوه:
——-
الخلاصة: أن الاجتماع في المساجد والتوجه للدعاء عشية عرفة، لا بأس به.
——————
١- عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء) رواه مسلم.
٢- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) رواه الترمذي وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب.
٣- وعن طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) رواه مالك في الموطأ، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع.
وقد اختلف العلماء هل هذا الفضل للدعاء يوم عرفة خاص بمن كان في عرفة أم يشمل باقي البقاع، والأظهر أنه عام، وأن الفضل لليوم، ولا يختص بالحاج.
ومن كان في عرفة جمع بين فضل المكان وفضل الزمان.
قال الباجي رحمه الله في المنتقى:
قوله: "أفضل الدعاء يوم عرفة" يعني: أكثر الذكر بركة وأعظمه ثوابا وأقربه إجابة، ويحتمل أن يريد به الحاج خاصة؛ لأن معنى دعاء يوم عرفة في حقه يصح، وبه يختص، وإن وصف اليوم في الجملة بيوم عرفة فإنه يوصف بفعل الحاج فيه، والله أعلم.
وقد ثبت عن بعض السلف أنهم أجازوا التعريف، وهو الاجتماع في المساجد للدعاء وذكر الله يوم عرفة، وممن فعله ابن عباس رضي الله عنهما، وأجازه الإمام أحمد وإن لم يكن يفعله هو.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني:
قال القاضي: ولا بأس بـ "التعريف" عشية عرفة بالأمصار (أي: بغير عرفة)، وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله -أي: الإمام أحمد- عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة، قال: "أرجو أن لا يكون به بأس قد فعله غير واحد".
وروى الأثرم عن الحسن قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس رحمه الله وقال أحمد: "أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حُرَيث".
وقال الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع: كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة، قال أحمد: لا بأس به؛ إنما هو دعاء وذكر لله. فقيل له: تفعله أنت؟ قال: أما أنا فلا، وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة" انتهى.
وهذا يدل على أنهم رأوا أن فضل يوم عرفة ليس خاصاً بالحجاج فقط، وإن كان الاجتماع للذكر والدعاء في المساجد يوم عرفة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان الإمام أحمد لا يفعله، وكان يرخص فيه ولا ينهى عنه لوروده عن بعض الصحابة، كابن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهم.
فإن قيل: إن هذه بدعة، لأن هذه عبادة اختصت بمكان وهو عرفة، فإلحاق مكان بمكان في عبادة زيادة في الشرع.
وقال مالك: ليس هذا من أمر الناس وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع.
وعن نافع مولى ابن عمر لما خرج والناس مجتمعون في المسجد عشية عرفة يدعون، قال نافع: أيها الناس إن الذي الذي أنتم عليه من البدعة وليس من السنة.
فالجواب: أن كلام نافع ومالك رحمهما الله تعالى، صادر عن اجتهاد، وليس بحجة، فكلامهما يحتج له، ولا يحتج به.
والقاعدة في ذلك: عدم الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم للشيء، لا تعني كراهة ذلك الفعل.
لأن الكراهة تحتاج إلى دليل يدل على النهي، وعدم الفعل، ليس نهياً عن الفعل، وإنما يدل على خلاف الأولى.
فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأذان مع أمره به، بل هو فرض كفاية، لورود نصوص تدل على الأمر به، (إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا آكل متكئاً) لا يدل على الكراهة لأنه لم ينه عنه، وإنما يدل على أن الأكل في تلك الحال، خلاف الأولى، ولو ورد نهي عن الأكل متكئاً لقلنا بالكراهة، ولأنه لم ينه وإنما لم يفعل.
* فالسنة؛ إما فعل.
وَيشمل ذلك: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.
فيدخل في ذلك الجائز فعله، والمستحب، والواجب ، وكل ما فعله مشروعاً.
* وإما ترك -وكذلك السنة تشمل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم- فتركه سنة -وقد سبق في القواعد: أن الترك فعل-.
- وضابطه: ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله، مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فتركه هو السنة.
مثل ترك رفع اليدين في الدعاء خارج الصلاة والخطيب يدعو في غير الاستسقاء.
وكذا ترك رفع اليدين بعد السلام في الدعاء (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
عند من يقول بكونها بعد السلام، ونحو تلك الأدعية بعد فرائض الصلاة بعد السلام.
* وأما فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، فالأصل فيه أنه خلاف الأولى، وقد يكون بدعة: إذا كان فيه إحداث في دين الله ما ليس منه، كمن يرفع يديه في الصلاة في الدعاء بين السجدتين، وقديكون محرماً إذا كان فيه نهي لا صارف له، وقد يكون مكروهاً: إذا وجد النهي عن ذلك الفعل إذا كان له صارف.
فيدخل في عدم الفعل: البدعة، والمحرم، والمكروه، وخلاف الأولى.
فكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه مجرد السجود مستقلاً، لا يعني بدعيته، فما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، تركه هو السنة، وأما فعله فقد يكون خلاف الأولى، وهو الأصل، وقد يكون بدعة وقد يكون مكروهاً أو محرماً، بحسب الأدلة، وما كان مشروعاً بالأدلة العامة كالدعاء والجلوس في المسجد وانتظار الصلاة فيها، والتعرض لنفحات الرب في ذلك اليوم الذي هو أكثر ما يعتق الله تعالى فيه من النار من الأيام في يوم عرفة، يشمل الحجاج وغيرهم، والوسائل لها أحكام المقاصد.
وفرق بين ما جنسه مشروع، وما جنسه غير مشروع -كما بيناه في الفرق بين من حمد الله تعالى في الصلاة عند العطاس، أو غيره، وبين من قال: رحمك الله، فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الذي قال: رحمك الله في الصلاة لما عطس الرجل، ولم ينكر على الذي قال: الحمدلله.
وكذا ههنا في مسألتنا هذه، فجنس الدعاء والجلوس في المسجد مشروع في غير يوم عرفة فكذا في يوم عرفة، وقد بينت ذلك في مسألة: حكم السجود لله تعالى مستقلاً.
تنبيه : البدعة : ما أحدث في دين الله تعالى ما ليس منه مما لم يدخل تحت نص عام أو خاص في مشروعيته .
فما دخل تحت نص عام أو خاص في مشروعيته فهو من دين الله تعالى ولا يعتبر محدثاً.
وضابط البدعة : بالجنس، والزمان والمكان ، ونحو ذلك اجتهاد من بعض المعاصرين يحتاج إلى دليل، ولا يطرد.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق