——-
إذا رضي المسلم بأن تغتابه في المستقبل أو علمت منه رضاه بذلك منك ، فهل يسقط عن الفاعل الإثم .
الذي يطهر لي سقوط الإثم والحالة تلك ما لم يترتب عليه غرراً، وذلك للأسباب التالية :
١ - إذا جاز له أن يسقط حقه في الماضي ، جاز أن يسقطه في المستقبل، فيقاس المستقبل على الماضي.
٢ - أن الغيبة : هي ذكرك أخالك بما يكره، فإذا أباح لك مما يحق له ذلك جاز، ولم يعتبر ما بكره من غيرك كما يكره منك .
وذلك أن وصف الكراهة : هي ذكرك أخاك بما يكره، فلم يكره منك ، وكرهه من غيرك.
٣ - أن هذا حق من حقوق المخلوقين ، وحق المخلوقين تسقط بإسقاطهم، ومما يدل على ذلك أنه له أن يبيح ويسمح لمن اغتابه في الماضي، فكذا يجوز أن يكون في المستقبل .
٤ - والقاعدة : العلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضاء، - وقد سبق تقريرها في القواعد -
٥ - ولأن ليس في هذا تحليل لما حرم الله تعالى ، فما لا يكرهه الإنسان من غيره لا يعتبر غيبة، وهذا يتجزأ في الأشخاص، فقد يكرهه من شخص دون آخر، أو في مقام أو حال دون مقام أو حال آخر .
فما أجاز الشرع للإنسان فيه السماح للشخص بإسقاط حقه فيه ، كان الحق له.
٦ - والقاعدة : ما نهى الشارع عنه لظلم المخلوق، فللمخلوق الخيار بين الإمضاء والفسخ، كما هو الشأن في المصراة ، وتلقي الجلب ، فإذا كان ذلك في العقود ، فكذا فيما يتعلق بالحقوق .
٧ - فإن قيل : هل يلزم من ذلك : أن يغش الإنسان من أذن له أن يغشه.
فالجواب :لا ، لأن الغش في المستقبل يترتب عليه غرراً، والنهي عن الغرر من حق الله تعالى أو من الحقوق المشتركة التي لا تسقط بإسقاط المخلوق، وكذا لو ترتب على الإذن للمخلوق في غيبة من أذن له بها غررا، كأن يترتب على ذلك تفويت مصالح مالية عظيمة، أو حصول ضرر عليه، أو نحو ذلك مما يترتب عليه غرراً.
٨ - فإن قيل : وما الفرق بين هذا وبين الإذن في قتله .
فالجواب : الإذن بقتله لم يبحه الشارع أو يأذن له به.
بخلاف الغيبة : هي ذكرك أخاك بما يكره، فإذا لم يكره جاز، فالحكم معلق على كراهته وهو محض اختياره.
تنبيه : ذهب جمع من العلماء : أنه لا يثبت إسقاط الحقوق المستقبلية لأنها لم تثبت أصلاً فلا يصح إسقاط ما لم يجب كما في نفقة المرأة لو أسقطت نفقة قادم الأيام فلها المطالبة بعد ذلك. وعلى هذا ففي نكاح المسيار للمرأة المطالبة بالسكن والنفقة بعد الدخول أو التمكين وشرط الإسقاط لاغ .
وكذلك هناك قاعدة أخرى في المذهب الشافعي أنه لا يصح الإبراء من المجهول فعند طلب المسامحة فلابد أن تحدد عين الغيبة حتى يصح الإبراء منها والله أعلم.
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق