إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الجمعة، 28 أبريل 2023

(فقه آيات الأحكام 3) آيات الغنائم // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.

 



بسم الله الرحمن الرحيم

(فقه آيات الأحكام 3) 

 

في يوم الإثنين، الموافق ١٤٤٤/٧/٨ من الهجرة. 

——————————————————

قال تعالى: ﴿يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ قُلِ الأَنفالُ لِلَّهِ وَالرَّسولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصلِحوا ذاتَ بَينِكُم وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ ۝ ﴾ [الأنفال: ١]


——————————————————

- قوله تعالى:﴿ يَسأَلونَكَ ۝ ﴾: السائل هنا هم الصحابة، والصحابة رضي الله عنهم نهو عن كثرة السؤال وليس النهي للسؤال نفسه، وذلك لقوله ﷺ « إنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَن سَأَلَ عن شيءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِن أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»، وذلك من أجل عدم المشقة عليهم، ولكن لما انقطع الوحي فلا بأس أن يسأل الإنسان ليتعلم في دينه ويتفقه فيه، كما قال تعالى : ﴿وَما كانَ المُؤمِنونَ لِيَنفِروا كافَّةً فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا فِي الدّينِ وَلِيُنذِروا قَومَهُم إِذا رَجَعوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرونَ ۝﴾ [التوبة: ١٢٢]. 


- قوله تعالى:﴿ يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ ۝ ﴾: والمسؤول هنا هو النبي ﷺ، والداعي للسؤال هو ما حصل للغنائم يوم بدر، وسمية بمعركة الفرقان؛ لأن فيها انتصارً للحق على الباطل انتصارً بيناً عظيمًا، ولأن النبي ﷺ دعا الله فيها قائلاً: « اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا»، وكان ﷺ يلح في دعاءه، وأنزل الله تعالى ملائكة مؤيدة للمؤمنين، ونصر الله المؤمنين في تلك المعركة التي كانت سبباً للنصر والتمكين للمسلمين. 

والأنفال: هي الغنائم وهو قول الجمهور (وهو الارجح)، وقول ابن العباس رضي الله عنهما أيضاً ، وسمية الغنائم أنفالاً لأنها نفّلت زيادة للمسلمين بعد قتالهم، لأن الأنفال في السابق -في الأمم السابقة - كانت محرمة على الغانمين فلا يجوز لهم أخذها، لقوله ﷺ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي» ، -وذكر منها-: « وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي»،. وقال ﷺ :« بُعِثْتُ بالسيفِ بينَ يَدَيِ الساعةِ حتى يُعبَدَ اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، وجُعِلَ رِزْقي تحتَ ظلِّ رُمْحي،». 

مع أن الأفضل أن لا يأخذ الإنسان شئياً من الغنيمة حتى لا يتعجل شيئًا من أجره، وقد سبق بيان ذلك في قاعدة، وهي:


1/ قاعدة: تشريك من لا مدرك له يجوز، وتشريك من له مدرك لا يجوز. 

- موضعها من الآية. :(الأنفال). بحيث يجوز الجمع بين نية الجهاد ونية المغنم من الغنيمة، كما يجوز الجمع بين نية الحج ونية البيع في آن واحد - وقد سبق تقرير هذه القاعدة في القواعد .


والقول الثاني: قيل الأنفال هي ما أخذ من أموال الكفار بغير قتال (وهي الفيء) وسيأتي بيانها لاحقاً، قال تعالى : ﴿وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسولِهِ مِنهُم فَما أَوجَفتُم عَلَيهِ مِن خَيلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَن يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ۝ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسولِهِ مِن أَهلِ القُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ كَي لا يَكونَ دولَةً بَينَ الأَغنِياءِ مِنكُم وَما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ ۝﴾ [الحشر: ٦-٧]. 

 

والقول الثالث: قيل الأنفال ما يعطيه الإمام لأفراد جيشه أو سريته لمصلحه. 


والاختلاف في تعريف الأنفال هو ما يسمى عند العلماء باللفظ المشترك، واللفظ عند الأصوليين إن كان لا يحتمل إلا معنى واحد فهو النص، وإن كان يحتمل معنييين هو في أحدهما أظهر بحسب الوضع الواحد هذا هو الظاهر، وإن كان يحتمل أكثر من معنى بحسب أوضاع متعددة هذا هو ما يسمى بالمشترك، وإن كان يحتمل اكثر من معنى متساويين متعارضين هذا يسمى بالمجمل. 

وقد بينا قاعدة سابقة وهي:


2/ قاعدة: لا يجوز فرض العمومات في المضمرات. 

- موضعها من الآية. :(سبق).

- العلاقة بينهما: فإن كان المضمر معروف فإن حذف ما يعلم جائز، وإن كان المضمر غير معلوم:-

1. فإن كان بحسب وضع واحد : فإنه يحمل على جميع تلك المعاني. 

2. وإن كان يحتمل أكثر من معنى بحسب أوضاع متعددة: فإنه لا يحمل على أحد تلك المعاني إلا بدليل أو قرينة ، ولا يجمل على جميع تلك المعاني فهنا نحتاج إلى ارجيح أحد تلك المعاني . 


- قوله تعالى:﴿ قُلِ الأَنفالُ لِلَّهِ وَالرَّسولِ ۝﴾ : أي حكمها لله ولرسوله، والرسول ﷺ ليس مشرّع مع الله، قال تعالى: ﴿وَما يَنطِقُ عَنِ الهَوى ۝ إِن هُوَ إِلّا وَحيٌ يوحى ۝﴾ [النجم: ٣-٤]، فله ﷺ أن يجتهد في الأحكام الشرعية، فإن أصاب أقره الله وإن أخطأ صوبه الله. 

والقاعدة : كل من جعل نفسه مشرعاً من الله تعالى في التحليل أو التحريم فقد أشرك شركاً أكبر .

قال تعالى :( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ). وهذا ما يسمى بشرك التشريع، والرسو صلى الله عليه وسلم لا يشرع من تلقاء نفسه ، إنما هو مبلغ عن الله تعالى .

 

والغنائم تقسم كما يلي:

1. يعطى صاحب السلب سلبه، والسلب: هو ما يكون مع المقتول من أشياء تخصه، مثل خوذته ودرعه وثوبه، بشرط أن تكون معه بيّنة أو قرينة تدل على أنه هو الذي قتله؛ لقوله ﷺ « مَن قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ»، ولحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: « بيْنَا أَنَا واقِفٌ في الصَّفِّ يَومَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عن يَمِينِي وعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بغُلَامَيْنِ مِنَ الأنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بيْنَ أَضْلَعَ منهما، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُما فَقالَ: يا عَمِّ، هلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلتُ: نَعَمْ، ما حَاجَتُكَ إلَيْهِ يا ابْنَ أَخِي؟ قالَ: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حتَّى يَمُوتَ الأعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لذلكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقالَ لي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إلى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ في النَّاسِ، قُلتُ: أَلَا إنَّ هذا صَاحِبُكُما الذي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَاهُ، فَقالَ: أَيُّكُما قَتَلَهُ؟ قالَ كُلُّ واحِدٍ منهمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقالَ: هلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُمَا؟ قالَا: لَا، فَنَظَرَ في السَّيْفَيْنِ، فَقالَ: كِلَاكُما قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ، وكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، ومُعَاذَ بنَ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ». 


2. ثم يعطى من حمل الغنائم مؤونة حمله. - مؤنة حمل الغنيمة -.


3. ثم يعطى الرضخ: ويكون لمن لا سهم له من النساء والصبيان والعبيد لأنهم لاسهم لهم فيعطون من الغنائم كهدية لهم، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال لمن سأله:« كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هلْ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَغْزُو بالنِّسَاءِ؟ وَقَدْ كانَ يَغْزُو بهِنَّ، فيُدَاوِينَ الجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لهنَّ». الحديث. 


4. ثم يخرج خمس الغنيمة، قال تعالى: ﴿وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللَّهِ وَما أَنزَلنا عَلى عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ۝﴾ [الأنفال: ٤١]. فيقسم الخمس على خمسة أقسام: 1-لله ولرسوله سهم. 2- ولقربى وقرابة النبي ﷺ من بني هاشم سهم، ويدخل معهم بنو المطلب؛ لقوله ﷺ:« إنَّا وبَنُو المطلبِ لا نَفترِقُ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ ». 3- ولليتامى سهم، واليتيم: من فقد أباه قبل البلوغ. 4- وللمساكين سهم، والمسكين: هو الذي ليس لديه دخل يكفيه لحاجياته وضرورياته. 5- ولابن السبيل سهم، وابن السبيل: هو من انقطعت عنه النفقة وهو مسافر. 

5. النفل: وهو ما يعطيه إمام المسلمين أو من له الكلمة في الجيش لمصلحة، كقوله -مثلا-: من دخل هذا الحصن فله مائة من الإبل، وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: « أن رسولَ اللَّهِ ﷺ ، نَفلَ الرُّبعَ في البَدأةِ ، والثُّلُثَ في الرَّجعةِ»، لأن في الذهاب يتقوّى المسلم بالمقاتلين الذين معه، أما في الرجعة فيضعف بعضهم لذلك زاد في السهم فصار يكافئ بالثلث بدل الربع. 

ففي البدء نصيبهم أقل لأن الجيش من ورائهم يسندهم ، بخلاف الرجعة نفلهم أكثر ، لأن الجيش ليس وراءهم حتى يتم مساندتهم عند احتياجهم لذلك .

وهذا يرجع فيه لاجتهاد الإمام بالمصلحة التي يراها؛ لأن القاعدة في ذلك:-


3/ قاعدة: كل من يتصرف لغيره يجب عليه أن يتصرف بالأصلح لذلك الغير. 

- موضعها من الآية. :(سبق).

- العلاقة بينهما: أما إن كان الجيش في المدينة، والتي خارجت وقاتلت هي سرية فليس للجيش الذي في المدينة شيء من الغنيمة؛ لأنهم لم يغنموا ولم يخرجوا للغزو. 


6. اربعة أخماس تقسم على الفاتحين والغانمين، على صاحب الفرس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه، أما غيره كصاحب الحمار أو البغل فله سهم واحد فقط. 



- قوله تعالى:﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ۝﴾: أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية وذلك بفعل المأمورات وترك المحظورات، قال ﷺ:« اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ». 



- قوله تعالى:﴿ وَأَصلِحوا ذاتَ بَينِكُم ۝﴾: (ذات): أي حقيقة، (بينكم): أي صلتكم، بمعنى لا تخدشوا الصلة التي بينكم بالعداوة والبغضاء والكراهية والحسد، قال ﷺ:« لا تدخلوا الجنةِ حتى تؤمِنوا ، و لا تؤمنوا حتى تحابُّوا ، ألا أدلُّكم على ما تحابُّون به ؟ قالوا : بلى ، يا رسولَ اللهِ ، قال : أَفشوا السلامَ بينَكم». 


- قوله تعالى:﴿ وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ ۝﴾: يعني أن الخلاف الذي حصل بينكم الحكم فيه لله عز وجل، 


——————————————————

قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأَنَّهُم ظُلِموا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصرِهِم لَقَديرٌ ۝ الَّذينَ أُخرِجوا مِن دِيارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلّا أَن يَقولوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ ۝ الَّذينَ إِن مَكَّنّاهُم فِي الأَرضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَروا بِالمَعروفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأُمورِ ۝﴾ [الحج: ٣٩-٤١].  


——————————————————

- قوله تعالى:﴿ أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ﴾: أي رُفع عنهم الحرج وأبيح لهم قتال الكفار؛ لأنهم كما قال تعالى عنهم: ﴿ ﴿لا يَرقُبونَ في مُؤمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ المُعتَدونَ ۝﴾ [التوبة: ١٠] ، وهذه الآية مفهومها فيه يدل على أن المؤمنين قبل هذه الآية لم يكن مشروعاً لهم قتال الكفار لضعف المسلمين وعدم قدرتهم على قتال عدوهم .


وهذا المعنى موجود لا يزال فإن كان عند المسلمين ضعف وعدم قدرة على قتال الأعداء من الكفار فإنهم يعذرون حتى يتمكنون من ذلك، لأن الإنسان إذا قاومهم على ذلك ابتداءً فقد يكون ذلك سببًا لهلاكه، فكانت دعوته ﷺ أول الإسلام سرًا، حتى قوي المسلمون بعد ذلك أذن الله لهم بقتال أعدائهم. 


والمقاتلة: مفاعلة وتكون بين اثنين فأكثر، كما قال تعالى:﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَيَقتُلونَ وَيُقتَلونَ وَعدًا عَلَيهِ حَقًّا فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالقُرآنِ وَمَن أَوفى بِعَهدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاستَبشِروا بِبَيعِكُمُ الَّذي بايَعتُم بِهِ وَذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ ۝﴾ [التوبة: ١١١]   



- قوله تعالى:﴿ بِأَنَّهُم ظُلِموا ۝﴾: أي لأنهم ظلموا و أوذو في مكة، وكانوا يفتنون في دينهم والفتنة التي هي هنا هي الشرك ، أشد من القتل، قال تعالى: ﴿يَسأَلونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرامِ قِتالٍ فيهِ قُل قِتالٌ فيهِ كَبيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَكُفرٌ بِهِ وَالمَسجِدِ الحَرامِ وَإِخراجُ أَهلِهِ مِنهُ أَكبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالفِتنَةُ أَكبَرُ مِنَ القَتلِ وَلا يَزالونَ يُقاتِلونَكُم حَتّى يَرُدّوكُم عَن دينِكُم إِنِ استَطاعوا وَمَن يَرتَدِد مِنكُم عَن دينِهِ فَيَمُت وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَت أَعمالُهُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ ۝﴾ [البقرة: ٢١٧]. 



- قوله تعالى:﴿ وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصرِهِم لَقَديرٌ ۝﴾: وهذا فيه وعد بنصر الله عز وجل للمؤمنين لما قاتلوا ، لأنهم ظلموا، وسيكون النصر حليفهم بإذن الله تعالى، قال تعالى: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ ۝﴾، 


وفي الحديث «جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ»، وهذا فيه مشروعية الدفاع عن النفس. 

والنصر يكون له أسباب حسية ومعنوية:

أ. الحسية: كما قال تعالى: ﴿وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دونِهِم لا تَعلَمونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم وَما تُنفِقوا مِن شَيءٍ في سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمونَ ۝﴾ [الأنفال: ٦٠].  


ب. المعنوية: بإقامة شعائر الله، واجتناب المنكرات وعدم المجاهرة فيها؛ لأن الجهر بالمنكرات سبب للعقوبة الإلهية، وتكون العقوبة معجلة في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى

: ﴿…حَتّى إِذا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَها وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُها أَنَّهُم قادِرونَ عَلَيها أَتاها أَمرُنا لَيلًا أَو نَهارًا فَجَعَلناها حَصيدًا كَأَن لَم تَغنَ بِالأَمسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ ۝﴾ [يونس: ٢٤]. 



- قوله تعالى:﴿ الَّذينَ أُخرِجوا مِن دِيارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ ۝﴾:ثم بين الله تعالى العموم الذي ذكره في أول الآية، وهذه قاعدة وهي:


4/ قاعدة: التفريع من العام لا يقتضي التخصيص. 

- موضعها من الآية. :(الَّذينَ أُخرِجوا مِن دِيارِهِم).

- العلاقة بينهما: وهذا نوع من أنواع الظلم، وليس المراد أن هذا هو الظلم الذي أصيبوا به فقط، فكان سبب خروجهم الظلم الواقع عليهم. 



- قوله تعالى:﴿ وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا ۝﴾: (صوامع): هي معابد اليهود، (بيع): هي معابد النصارى، (مساجد): المراد مساجد المسلمين. 



- قوله تعالى:﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ ۝﴾: يعني أن هذا التدافع يكون مستمراً إلى قيام الساعة، ودفع المسلمين سبب عدم هدم معابدهم، وكذلك الأمم السابقة لو لم يكن من أسلم منهم تدافعوا مع من عاداهم لأدى ذلك إلى هدم معابدهم، والإسلام يجب ما كان قبله، قال ﷺ:« والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ».  



——————————————————

قال تعالى: ﴿يوفونَ بِالنَّذرِ وَيَخافونَ يَومًا كانَ شَرُّهُ مُستَطيرًا ۝﴾. [الإنسان: ٧]  


——————————————————

- قوله تعالى:﴿ يوفونَ بِالنَّذرِ ۝﴾: النذر: ما أوجبه الإنسان على نفسه مما هو ليس بواجب، ومما له أصل في الشرع. 


* والنذر أنواع:


النوع الأول: أن ينذر نذر طاعة، كقول الرجل: لله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام، فهذا يجب عليه أن يطيع الله عز وجل، ولا كفارة له إلا الوفاء بما نذر إذا كان يستطيع؛ لقوله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلّا وُسعَها ﴾. 

والدليل على ذلك قوله ﷺ:« مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ». 


والنوع الثاني: نذر المعصية: كقول الرجل: لله عليه أن أشرب الخمر، وهذا لايجوز له الوفاء به، وليس فيه كفارة على الأصح، وقيل عليه كفارة. 

ويجب عليه التوبة .


النوع الثالث: نذر بالمباح: كقوله: لله علي نذر أن ألبس ثوباً جديداً هذا اليوم ، فهو بالخيار إما أن يوفي بنذره، وإما أن يكفر كفارة يمين، لعموم حديث :« كفارةُ النذرِ كفارةُ اليمينِ».  


النوع الرابع: نذر اللجاج: وهو الذي يقصد به التصديق أو التكذيب، أو الحث أو المنع، كقوله: لله علي نذر إن كان صادقاً أن أصوم الدهر، والمراد هو تصديق المخاطب كلامه بالنذر، فهذا عليه كفارة يمين فقط. 


النوع الخامس: النذر المبهم: وهو كالذي يقول: لله علي نذر… ويسكت، فهذا فيه كفارة يمين. 


النوع السادس: نذر المستحيل، كقوله: لله علي نذر أن 

أصوم أمس ، أو أرفع هذه السيارةالكبيرة الثقيلة بيدي ، فهذا لا كفارة فيه؛ لأنه لا ينعقد أصلاً.

وقد فصلنا أنواع النذر وما يترتب على كل نوع بالأدلة وذكر أقوال العلماء في كل نوع في موقعنا بالنت .


تنبيه : الأصل في النذر أنه مكروه، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، وقال :( إنه لا يأتي بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل).

فإذا مذر فإنه يشرع الوفاء به ما لم يكن معصية ، وذلك حسب أنواعه السابقة لقوله تعالى :( يوفون بالنذر ).

والله أعلم .


محمد بن سعد الهليل العصيمي.


كتبها عنه تلميذه : سعود بن صالح الزهراني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت