آيات أحكام 3
—————-
في يومي الإثنين والأربعاء:
الموافق ١٤٤٤/٥/٢٥ من الهجرة.
والموافق ١٤٤٤/٥/٢٧ من الهجرة.
——————————————————
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. [البقرة:١٧٨].
——————————————————
نشرع بعد الإستعانة بالله في تفسير هذه الآية الكريمة، ثم في بيان ما يتعلق فيها من قواعد وضوابط ثم في بيان المسائل التي عقدها المصنف رحمه الله..
سبب نزول هذه الآية: أنه كان من قبائل العرب من لا يقتلون الذكر بالأنثى، ولا الحر بالعبد، فنزلت هذه الآية.
- قوله تعالى:(يا أيها): الياء هنا أداة نداء،
- وقوله تعالى:( الذين): اسم موصول، والقاعدة الأصولية في ذلك:
١/ قاعدة: الأسماء الموصولة من صيغ العموم.
- موضعها من الآية. :(الذين).
- العلاقة بينهما: إذا كان ذلك كذلك فإنه يشمل جميع المؤمنين.
- وقوله تعالى:(آمنوا): الإيمان والاسلام إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإن قلت إن هذا الرجل مسلم ومؤمن: فمعنى ذلك أنه مسلم في الظاهر ومؤمن في الباطن.
قال تعالى:﴿ ۞ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
فالإيمان عند أهل السنة والجماعة: قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.
وأما الايمان عند الفرق الضالة كالأشاعرة والماتريدية هو مجرد التصديق.
ولذلك لم ينفع المنافقين مجرد النطق بها عندما قالوا كما في قوله تعالى:﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾.
ولم ينفع اليهود ما يعرفون من حق كما في قوله تعالى:﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾
.
وقال تعالى عن فرعون:﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾.
ولما جاءه الغرق قال: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾.
والسؤال هنا: هل القصاص خاص بالمسلمين أو يدخل فيه غير المسلمين فنقتص منهم؟
والجواب عنه: أن عندنا قاعدة أصولية وهي:
٢/ قاعدة: الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
- موضعها من الآية. :(كتب عليكم القصاص).
- العلاقة بينهما: قال الله تعالى عن المشركين :﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾.
فالكافر الذي يسرق ويزني ويفعل الفحش أهون من الذي يفعل أقل من ذلك، أهون في العذاب، كما أن الجنة درجات فالنار دركات، ولهذا قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾. وذلك لأنه كلما كان ضررهم أعظم، كان عذابهم أشد وأكبر.
وقولهم في الآية :﴿ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ وحتى وإن كانوا من المصلين فلن ينفعهم عملهم؛ لأنه لا يقبل منهم العمل الصالح إلا بالإسلام، قال تعالى:﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾.
وقال الناظم:
ويلزم التكليف كل مدركِ … يعقله من مسلم ومشركِ
ولكن الكافر سعيه هباء، وهو مُآخذ بجحده وإيباءه،
قال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَٰتُهُمْ إِلَّآ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾.
كما أن الإنسان يجب عليه أن يصلي ولكن لا تقبل صلاته حتى يتوضأ ويتطهر وإلا فلا تقبل صلاته حتى وإن صلى.
- وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾، (كُتب): أي فُرِض، وهل هنالك فرق بين الفرض والواجب؟ هذه مسألة أصولية،
والجواب: أن جمهور العلماء على أنه لا فرق، إلا أن الحنابلة والشافعية يستثنون بعض المواضع اليسيرة كالحج، والصلاة، فيفرقون بين الأركان والواجبات
، وإلا فالأصل عندهم أنه لا فرق، أما الحنفية فيرون أن الفرض آكد من الواجب، إما من حيث السند فيكون سند الفرض متواتر، والواجب آحاد،
وإما من حيث الدلالة، فما كان من اللفظ لا يمكن أن يحتمل غيره فهو فرض، وما كان يحتمل غيره فهو واجب.
- وقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾،: هل هل هذا الخطاب للصحابة فقط، أو خطاب لجميع المؤمنين؟
والجواب: أنه لجميع المؤمنين، كما أن الأصل في الخطاب الذي هو للنبي ﷺ يكون لأمته أيضاً، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ … ﴾: أي في زمن تستقبل فيه العدة، أي أنه يطلقها في طهرٍ لم يجامعها فيه حتى تبدأ المباشرة في العدة، أما إن طلقها في حيض أو في زمن لا تستقبل فيه العدة فيكون فعلك حرامًا ؛ وذلك لأن النبي ﷺ غضب على ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض، فقال ﷺ :«مُرْهُ فليُرَاجِعْهَا، ثم ليُمْسِكْهَا حتى تَطْهُر، ثم تحيض ثم تَطْهُر، ثم إن شاء أَمسَكَ بَعْدُ، وإن شاء طلق قَبْل أن يَمَسَّ، فتلك العِدَّةُ التي أمر الله أن تُطَلَّقَ لها النساء».
وهل إذا خالف المرء العبادة الواجبة أو الفرض يفسد عمله أو لا؟
الجواب: أن فيها قاعدة وهي:
٣/ قاعدة: هل النهي يقتضي الفساد أولا؟
•— إذا كان النهي في العبادات:
- إن كان يختص بذات العبادة = يبطلها.
- وإن كان لا يختص بذات العبادة = فلا يبطلها.
•— وإذا كان النهي في المعاملات:
- فإن كان يعود لحق الله = فيقتضي الفساد
- وإن كان يعود لحق المخلوقين = فلا يقتضي الفساد
- موضعها من الآية. :(سبق).
- العلاقة بينهما: مثال النهي الذي يختص بذات العبادة: لو أن زيداً جامع امرأته وهو معتكف في المسجد، يبطل اعتكافه؛ لأن النهي مختص بذات العبادة، قال تعالى: ﴿ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ … ﴾.
ومثال النهي الذي لا يختص بذات العبادة: لو أن زيداً وكز عمرواً وهو يصلي، فهل تبطل صلاة عمرو؟
الجواب: لا تبطل؛ لأن إيذاء المسلم منهي عنه في الصلاة وفي غيرها.
وكذا غيبة الصائم لا تبطل الصيام؛ لأنها لا تختص بذات العبادة فالغيبة محرمة على كل حال.
ومثال النهي الذي يعود لحق الله في المعاملات:
لو أن زيداً من الناس كان يتعامل بالربا فعمله باطل، ولو تراضيا على ذلك فلا عبرة في تراضيهما لأن النهي يعود لحق الله، وللحديث عنه ﷺ: «لعنَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكلَ الرِّبا وموكلَهُ وشاهديْهِ وَكاتبَه».
وهل يجوز لعن المعين؟
الجواب: عندنا قاعدة، وهي:
٤/ قاعدة: متى يجوز لعن المعين؟
إذا توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع جاز لعنه
- موضعها من الآية. :(سبق).
- العلاقة بينهما: أنه لو كان زيد يرابي ويعلم بحرمة الربا جاز لعنه بعينه إذا توفرت الشروط وانتفت عنه الموانع،
وإن كان لا يعلم أن فعله ربا لم يجز لعنه بعينه وجاز لعنه بوصفه، كقولنا لعنة الله على أكلة الربا ، لما جاء في الحديث عنه ﷺ: «لعنَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكلَ الرِّبا وموكلَهُ وشاهديْهِ وَكاتبَه».
ولقول ابن مسعود رضي الله عنه :« ومالي لا ألعن من لعن رسول الله ﷺ».
ومثال النهي الذي يعود لحق المخلوق في المعاملات: لو أن رجلاً خطب على خطبة أخيه وعقد عليها، فإن كان عالمًا بحرمة فعله ومقر بها فللقاضي تعزيره بما يراه مناسباً ومن ذلك أن يفرق بينهما تعزيراً وليس بسبب العقد؛ لأن العقد صحيح في أصله، فالنهي هنا لا يقتضي الفساد؛ لأنه يعود لحق المخلوق.
ويدل على ذلك قوله ﷺ:« لا تلَقَّوا الأجلابَ فمن تلقَّى منْهُ شيئًا فاشترى فصاحبُهُ بالخيارِ إذا أتى السُّوقَ».
وفي ذلك قاعدة، وهي:
٥/ قاعدة: إنما الظلم يوجب التحريم على الظالم لا على المظلوم
- موضعها من الآية. :(سبق).
- العلاقة بينهما: فلو أنه لو وقع على أحدهم ظلم في أمر من الأمور، ولا يندفع عنه هذا الظلم إلا إذا دفع مبلغاً من المال، فله ذلك والذي يأخذ المال يلحقه إثم ذلك.
لأن هذا الظلم لا يندفع عنه إلا ببذل شيء من المال، فيكون حلالً للمظلوم ، حراماً على الظالم.
لأن الرشوة : هي دفع المال للتواصل إلى باطل لا إلى حق.
ومن ذلك قوله ﷺ:« ولَا تُصَرُّوا الغَنَمَ، ومَنِ ابْتَاعَهَا فَهو بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أنْ يَحْتَلِبَهَا: إنْ رَضِيَهَا أمْسَكَهَا، وإنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وصَاعًا مِن تَمْرٍ».
وصاع التمر هو مقابل شربه من حليبها عند العقد.
- وقوله تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾:
القصاص: هو المجازاة بمثل ما فعل الفاعل.
القاعدة في ذلك:
٦/ قاعدة:لا يجوز الدفع بالأغلظ مع إمكان الدفع بالأسهل.
٧/ قاعدة: المعاقبة بالمثل مشروعة مالم تكن محرمة لحق الله تعالى.
- موضعها من الآية. :(القصاص).
- العلاقة بينهما: ويدل على ذلك أن نفرًا من عرينة قدموا على رسول الله ﷺ، فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض، وسقمت أجسامهم فشكوا إلى رسول الله ﷺ ذلك، فقال ﷺ :« ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبوا من أبوالها وألبانها»، فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا، فقتلوا الراعي، وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا".
وقوله (استوخموا المدينة): أي أصابتهم حمى في المدينة، وبعد ذلك دعا ربه عليه الصلاة والسلام أن ينقل الحمى من المدينة إلى الجحفة.
الشاهد من الحديث: أجزاؤهم هذا من جنس عملهم.
ومما يدل على ذلك أيضاً: « أنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جارِيَةٍ بيْنَ حَجَرَيْنِ، قيلَ مَن فَعَلَ هذا بكِ، أفُلانٌ، أفُلانٌ؟ حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فأوْمَأَتْ برَأْسِها، فَأُخِذَ اليَهُودِيُّ، فاعْتَرَفَ، فأمَرَ به النبيُّ ﷺ فَرُضَّ رَأْسُهُ بيْنَ حَجَرَيْنِ».
فمعنى القاعدة السابعة : أننا نقتص من الجاني ولكن بشرط ألا يكون فعله محرم، فلو أن إنسانا قتل بالجن، أو قتل باللواط والعياذ بالله، فلا نقتله بذلك؛ لأن فعله محرم لحق الله،
ومعنى القاعدة السادسة: أنه ليس للمجني عليه أو لوليه أن يأمر بأن نقتص له بزيادة، كما لو أنه قتل بمسدس فيأمر وليه أن نقتص منه بالشنق حتى يموت!
وكذا لو أن رجلاً دخل عليه في بيته معتدٍ أو سارق، فإن كان يندفع هذا الصائل بالتهديد بالسلاح أو غيرهبما دون القتل فيدفعه به ولا يجوز له أن يزيد في ذلك، فلو رماه بطلقة واحده فقتله قتل به إذا أمكن دفعه بما دون القتل.
ولدينا قاعدة في ذلك وهي:
٨/ قاعدة: متى يكون الإنسان معذوراً بالإكراه؟
ج: إذا كان الضرر الواقع عليك أعظم من الصادر منك فأنت معذور، وما لا فلا.
- موضعها من الآية. :(سبق).
- العلاقة بينهما: فلو أن زيدا قال لعمرو (اضرب) سعداً وإلا (قتلتك)، وهو يعلم أن زيداً إذا قال فعل، فلعمرو ضرب سعد والإثم على زيد؛ للقاعدة.
وإن قال زيد لعمر (اقتل) سعداً وإلا (ضربتك) فليس له قتله وعلى عمرو أن يتحمل ضرب زيد له؛ لأن الضرر الواقع عليه أقل من الضرر الصادر منه بقتله لسعد.
وإن قال زيد لعمرو (اقتل) سعداً وإلا (قتلتك)!، فليس له قتله ولا يجوز؛ لأن بقاء روح سعد ليس أقل من بقاء روح عمرو.
- وقوله تعالى:﴿ في القتلى﴾ : عندنا قاعدة وهي:
٩/ قاعدة: الحكم إذا علق على وصف في الشرع، لا يجوز تعليقه على غيره من الأوصاف.
١٠/ قاعدة: الحكم إذا علق على وصف قوي بمقدار ذلك الوصف فيه.
- موضعها من الآية. :( القتلى).
- العلاقة بينهما: فالوصف هنا معلق على القتل، وبالتحديد قتل من كان في دائرة الإسلام، فيدخل فيه الصالح وغير الصالح ما دام أنه مسلم.
ومثاله: لو أن زيدا وعمرواً تواطؤا على قتل أحمد، وكان فعل كل واحد منهما صالح للقتل مع فعل غيره، أي أن كل منهما مكمل للآخر في هذه الجريمة فلولا كان عمرو مع زيد لما استطاع أن يقتله، فنقتل الإثنين قصاصا، أما لو أن زيداً ضرب أحمد، وعمرو باشر قتله، فنعزر زيد ونقتل عمرو.
ولهذا من قتل فإنه يقتل، سواء كان فرداً أو جماعة، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا".
- قوله تعالى: ﴿ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ﴾: لو كان حر بحر نقتص منه ولا إشكال، أما لو كان أدنى بأعلى كما لو أن عبداً قتل حراً فهل يقتل به؟
الجواب: لو نظرنا إلى آخر الآية لقلنا: لا يقتل به، وإذا نظرنا إلى أول الآية لقلنا: لا يقتل به، ولهذا عندنا قاعدة وهي:
١١/ قاعدة: التفريع من العام لا يقتضي التخصيص من العام.
- موضعها من الآية. :(الحر بالحر).
- العلاقة بينهما:« قضى رَسولُ اللَّهِ ﷺ بالشُّفْعَةَ في كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وقَعَتِ الحُدُودُ، وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فلا شُفْعَةَ». فهذا الحديث فيه قضى بالشفعة يشمل المنقولات والعقارات، فلما ذكر « فَإِذَا وقَعَتِ الحُدُودُ، وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ» وهذا في العقارات، فهل المنقولات لا شفعة فيها؟
الجواب: بلى، إن فيها شفعة؛ لأن التفريع من العام لا يقتضي التخصيص.
فالآية عامة في كل قتل، والتفريع منها بالحر والعبد لا يقتضي التخصيص حيث أن القتل لا يكون إلا بين هذه الأصناف المذكورة فقط، وإنما يشمل أي قتل ما دام أن المقتول باقٍ في دائرة الإسلام،( لحديث( المؤمنون تتكأفأ دماؤهم ).
- وقوله تعالى:﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ … ﴾. العفو في لغة العرب لها عدة معانٍ، وإن كان لها عدة معان فعندنا قاعدة، وهي:
١٢/ قاعدة: الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم.
- موضعها من الآية. :(فمن عفي له).
- العلاقة بينهما: ومعنى هذه القاعدة -كما سبق بيانه وإيضاحه- أنه إن كان النص يحتمل أكثر من معنى بحسب أوضاع متعددة فإنه لا يحمل على جميع تلك المعاني إلا بدليل أو قرينة.
فهنا لا بد أن نأتي بأدلة تدل على المراد، فإن كان هو كذلك فإما أن يراد من العفو: الإسقاط، وإما أن يكون بمعنى: أعطى كما ذكر المصنف رحمه الله هاهنا، وهاذان المعنيان متقاربان؛ لما روي عنه ﷺ أنه قال:« مَنْ قُتِلَ لهُ قَتيلٌ فهوَ بخيرِ النَّظَريْنِ ، إمّا أنْ يُقادَ ، وإمّا أنْ يُفدَي»، فالنصوص تدل على أنه إما أن يقاد وإما أن يسقط عنه إلى الصلح؛ لقوله ﷺ« وما صُولِحُوا عليه فهوَ لهمْ». أو إلى الدية .
فمن قتل متعمداً فإن أهل الدم بالخيار إما أن يقاد: أي يقتل، وسمي قوداً لأنه يقيد ثم يسلم لأولياء الدم ليقتصوا منه، -وإما أن يأخذ الدية: وهي مئة من الإبل، وتكون مغلظة،- أو يعفو عنه بالصلح بينهم، وعلى هذا فإن الذين يطلبون مليون أو عشرة ملايين يصطلحوا عليها ففعلهم جائز،
وفي هذا لو أن أولياء الدم عدلوا عن قتله وأراد الدية، فليس للجاني رفضها وطلب القصاص؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يتسبب في قتل نفسه؛ ولقوله تعالى:﴿ .. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.
- وقوله تعالى:﴿ .. فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾: هذا يحتمل احتمالين:
1. أنه بعدما عفى عنه، قتله، فهذا يقتل.
2. أنه كان في الجاهلية من أحقاد وأخذ بالثأر،
فيقتلون بالعبد الحر، وبالوضيع الشريف ، ونحو ذلك فأبطل الإسلام ذلك، فلا يجوز الاعتداء بعد أن دخلوا في الإسلام؛ لقوله ﷺ« وأولُ ربًا أضعُ من رِبَانَا ربا العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ ، فإنَّهُ موضوعٌ كلُّه». والله أعلم .
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
كتبها عنه تلميذه : سعود بن صالح الزهراني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق