حكم تزويج من لا ولي لها، وليست في أرض إسلام :
حكم من عضلها أهلها في الزواج ، وليس لهم في بلادهم من له ولاية شرعية :
كيفية زواج المرأة عند عدم وجود الولي والسلطان :
——————————-
من لا ولي لها في بلدها ، ولا سلطان ، فإن من له الكلمة عند المسلمين في إقليمهم يقوم مقام الحاكم الشرعي، كالمفتي ونحوه ، فإن تعددوا أجزأ واحد منهم ، لأن القاعدة : المطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ ، وكللأولياء إذا تعددوا وكانوا بمنزلة واحدة أجزأ أحدهم ، كلإخوة الأشقاء بالنسبة لموليتهم .
فإن لم يكن لهم من له الكلمة من المسلمين في بلدهم ، أو وجد ولم يقوم بما له من حق ولاية النكاح ، فلأي مسلم أن يقوم بعقد النكاح لها بعد أخذ إذنها فيمن تقدم لها إذا رأى المتقدم كفؤاً لها .
والقاعدة : الواجبات تسقط بالعجز عنها، لقوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم )، وقوله تعالى :( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
وإنما لم نسقط حق الولاية مطلقاً، لحديث :( لا نكاح إلا بولي) ، ولحديث( فإن تشاجروا - أي الأولياء- فإن السلطان ولي من لا ولي له) ، ولحديث( أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فوجود السلطة الشرعية على المرأة معتبرة شرعاً في النكاح ونحوه ، فإن لم يوجد من يمثلها ، فإنها تكون لأي مسلم يقوم بها ، كالواجب الكفائي، وانتقل من الواجب العيني للواجب الكفائي للعذر ، لقوله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، ولكن لا سلطة للمؤمنة على المؤمن لقوله صلى الله عليه وسلم ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) فيكون هذا الحديث مخصص للآية ، ولحديث( لا نكاح إلا بولي).
وكذا حكم من لها في بلدها سلطان شرعي يمتنع أن يقوم بالولاية الشرعية في النكاح ، لأن القاعدة الشرعية : المعدوم الشرعي كالمعدوم الحسي، والمعدوم الحسي كالمعدوم الشرعي، وذلك كمن ليس له أوراق ومستندات نظامية تثبت هويته .
قال ابن قدامة رحمه الله : " فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ وَلَا ذُو سُلْطَانٍ ، فَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا رَجُلٌ عَدْلٌ بِإِذْنِهَا " انتهى من "المغني" (9/362).
قال القرطبي رحمه الله : " وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ ، وَلَا وَلِيَّ لَهَا ، فَإِنَّهَا تُصَيِّرُ أَمْرَهَا إِلَى مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ جِيرَانِهَا ، فَيُزَوِّجُهَا وَيَكُونُ هُوَ وَلِيَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ ، لِأَنَّ النَّاسَ لا بد لَهُمْ مِنَ التَّزْوِيجِ ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ فِيهِ بِأَحْسَنِ مَا يُمْكِنُ ".
انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (3/76).
وقال النووي رحمه الله : " رَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِذَا كَانَ فِي الرُّفْقَةِ امْرَأَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا، فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا حَتَّى يُزَوِّجَهَا، جَازَ".
انتهى من "روضة الطالبين" (7/50).
ولكن المرأة التي ليس لها ولي ، إذا ولت أمرها لرجل من ثقات المسلمين ، مع وجود سلطان في البلد ، فهل يصح ذلك ؟
في المسألة خلاف بين أهل العلم ، وقد أجاز ذلك جمعٌ منهم ، والأكثر على المنع .
- والمنع هو الأقرب إلا إذا لم يقم بواجبه سقطت ولايته والحالة تلك -
-
قال ابن قدامة المقدسي : " وَالصَّحِيحُ : أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخْتَصٌّ بِحَالِ عَدَمِ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ" . انتهى من "المغني" (9/362).
قال الخطيب الشربيني : " لَوْ عُدِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ ، فَوَلَّتْ مَعَ خَاطِبِهَا أَمْرَهَا رَجُلًا .. لِيُزَوِّجَهَا مِنْهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ ، وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ...؛ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ [ وهو جمال الدين الإسنوي ] : وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِفَقْدِ الْحَاكِمِ ، بَلْ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ ، سَفَرًا وَحَضَرًا .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي بَعِيدٌ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلُ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَلِيٌّ حَاضِرٌ ، وَيَظْهَرُ الْجَزْمُ بِمَنْعِ الصِّحَّةِ ، إذَا أَمْكَنَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَتِهِ .
وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ التَّزْوِيجِ مِنْ حَاكِمٍ أَهْلٍ حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ " انتهى من " مغني المحتاج" (4/244)
وقال القرطبي : " قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ الْحَالِ : إِنَّهُ يُزَوِّجُهَا مَنْ تُسْنِدُ أَمْرَهَا إِلَيْهِ ، لِأَنَّهَا مِمَّنْ تَضْعُفُ عَنِ السُّلْطَانِ ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَا سُلْطَانَ بِحَضْرَتِهَا ، فَرَجَعَتْ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْلِيَاؤُهَا " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (3/76).
وجاء في " المحلّى" (11/30) : " وصح عن ابن سيرين في امرأة لا ولي لها ، فولت رجلاً أمرها، فزوّجها ، قال ابن سيرين: لا بأس بذلك ، المؤمنون بعضهم أولياء بعض".
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق