أنواع الفائدة في القرض :
النوع الأول : فائدة متمحضة للمقرض. - خاصة للمقرض - فهذه إذا كانت مشترطة لفظاً أو عرفاً أو كانت قبل الوفاء ولم يكن جرى بينه وبينه قبل ذلك ولم ينوي خصمها من الدين كانت حراماً، لإجماع العلماء على أن كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا.
النوع الثاني : - فائدة متمحضة للمقترض ، فهذا هو الأصل في القرض أن يكون لنفع المقترض ، ولمّا كانت صورة القرض كصورة من صور الربا : وهي مبادلة نقد بنقد نسيئة ، كان الفارق بينهما النية ، ففي القرض نية الرفق والإحسان فهو من عقود التبرعات فكان جائزاً، بخلاف صورة الربا فهي بنية الربح والاتجار، فكانت حراماً.
النوع الثالث : فائدة مشتركة بين المقرض والمقترض فإن كان نفع المقترض أكثر فلا إشكال في الجواز ، لأن نفع المقرض تابع لنفع المقترض ، وإن كان نفع المقِرض أكثر وقع الإشكال ، والذي يظهر لي والعلم عند الله الجواز لأن النفع المشترك يتضمنه عقد القرض الشرعي ، إذ بعقد القرض يضمن المقترض المال ، ويثبت في ذمته بدله ، وينتفع المقترض به كسائر أمواله، والمقرض يستحق الشكر ،والثواب إذا أخلص لله تعالى .
ولأن نفع المقرض ولو كان مقصوداً ، فهو غير منفرد بالقصد ، ويجوز تبعاً مالا يجوز استقلالاً،
ولهذا لو اشترى شآة في بطنها جنينها وزاد في قيمتها من أجل جنينها وكان مقصوداً له جاز ، لأن الجنين لم ينفرد بالعقد مع أنه في هذه الصورة هو المقصود الأعظم . وإذا أفرد بالعقد - اشترى الجنين فقط- حرم.
وعلى هذا فإذا زارع رجل في أرضه فطلب المزارع من صاحب الأرض قرضاً ليشتري حرّاثة يحرث بها الأرض ، كانت المنفعة مشتركة ، فالمقرض انتفع بعمارة الأرض والحصول على سهمه المتفق عليه مع العامل ،
والمستقرض ينتفع بما يحصل له من الزرع ، كان ذلك جائزاً ، لأن التابع تابع ، ولم يكن ذلك مشروطاً- القرض- في العقد، ولم ينفرد المقرض بالنفع .
وعلى هذا يجوز للمقاول أن يقرض صاحب المنشأة التي تحت الإنشآء إذا أفلس صاحب العمارة ليشتري الحديد ونحوه حتى لا يتعطل عن إتمام عمله ، وذلك لأن الفائدة في القرض مشتركة، فالمقاول لا يتعطل عمّاله وخشبه العالق في العمارة ، والمقترض ينتفع بهذا القرض في إتمام بنايته، مع أن الورع الابتعاد عن هذا النوع من القرض الذي تكون فيه الفائدة مشتركة .
وأما السفتجة - وهي اشتراط تسديد القرض في بلد غير بلد القرض - فإن لم يكن لحمله مؤونه جاز ، وإن كان لحمله مؤونة لم يلزم بها المقترض ، وإنما يلزم بالقيمة .
وذلك لأن القرض : تمليك مال لمن ينتفع به ويرد بدله .
وهذا البدل هو رد مثله إن كان مثلياً ، أو قيمته إن كان متقوماً.
والمثلي يرد مثله مالم يتعيب عينه أو تختلف قيمته ، فإن كان عين المقترض معيب لا يقبل ، وإن كان مثله معيباً لم يقبل ، وإن اختلفت قيمته عن وقت القرض لم يقبل ،لأنه بقبض القرض من المقترض انتقل عن ملك الأول ودخل في ملك الثاني ، فيضمن المقترض بالقيمة وقت القرض .
علماً بأن المثلي عند الحنابلة : كل مكيل أو موزون يصح السلّم فيه ،وليس فيه صناعة مباحة.
والراجح أن المثلي : ما كان له مثيل مقارب .
لحديث أبي رافع - عند مسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً رباعياً فقدمت عليه إبل الصدقة ، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ،فرجع إليه أبو رافع فقال : لم أجد منها إلا خياراً رباعياً ، فقال : أعطه إياه ، إن خيار الناس أحسنهم قضآء).
فالحيوان قرضاً بالحيوان رد مثله يكون بما قاربه وشابهه ، والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي . أبو نجم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق