قاعدة : فرق بين نية الفعل ، وبين نية سيفعل.
فلو أشترى عبداً بنية أن يعتقه لم يتعين إعتاقه ، حتى يعتقه.
ولو اشترى بيتاً بنية وقفه، لم يتعين وقفه بالنية .
ومن أشترى أرضاً لبناء مسجد ،لم تتعين الأرض مسجداً بمجرد الشراء مع النية.
لأن المراد شراء أرضاً ليجعلها في المستقبل مسجداً.
ومن نوى أن سيحج لم يكن حاجاً بالنية ، مالم تكن هناك نية مباشرة أسباب وأفعال الحج.
ومن أشترى أضحية لم تتعين بالشراء، وكذا لو قال : هذه أضحيتي على سبيل الخبر لا الإنشآء، لأنه يخبر عمّا سينوي أن يصرفها إليه ،سواء كان بفعله - الشراء لتكون أضحية - أو بخبره بقوله.
فكل هذا خبر بفعله - وهو الشراء- عمّا سيصرفه له ، كمن أخبر زوجته أنه سيطلقها، أو تصرف تصرفاً يدل على أته سيطلقها مع نيته ذلك لم تطلق، كمن أخرج أثاثها من بيته بنية أن يطلقها بعد مدة ،لم تطلق حتى يطلق .
مع العلم أن العتق والوقف والتبرع لا يكون إلا بعد الملك ، فهو يحتاج إلى نية هذه الأعمال بعد تحقق الملك .
ولأن القول الصادر في عير محله لا عبرة به ، كمن طلق امرأة قبل أن يتزوج بها ،لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق).
فكذا النية إذا وقعت قبل وقتها من باب أولى ،
فإن النية المقارنة للشراء في كونها أضحية حدثت قبل الملك فكانت لاغية، أو تعارض ثبوت الملك مع إزالته في وقت واحد فكانت لاغية كذلك.
ولأن دلالة الفعل تدلّ على أن المراد هي نية سيفعل لا نية الفعل ، لأن المراد فعله لم يدخل في ملكه بعد.
هذا وقد ذهب الشافعية في المذهب والحنابلة إلى أن الأضحية لا تتعين إلا بالقول .
قياساً على العتق والوقف، بجامع أن كلاً منها إزالة ملك على وجه القربة ، فلا تؤثر فيه النية المقارنة للشراء.
ولأن القياس من مخصصات النص العام ،والقياس على العتق والوقف يخصص حديث ( إننا الأعمال بالنيات.
ولأن النية إنما تكون معتبرة لمن كان من أهلها . وقبل الملك لا عبرة بنيته فيها، كمن نوى طلاق امرأة قبل أن يتزوج بها ،
ولأن النية المعتبرة هي النية الحالة أو الماضية ،أما النية المستقبلية لا يبنى عليها الحكم في العقود.
ولأن الشراء موجب للملك ،وكونها أضحية مزيل للملك ، والشيء الواحد لا يصح فيه الضدان في وقت واحد.
وذهب الحنفية ، والحنابلة في قول عندهم إلى أن الأضحية تتعين بالشراء. للآتي :
@ لحديث عمر بن الخطاب مرفوعاً ( إنما الأعمال بالنيات ...).
والجواب : أن العام يخصص بالقياس ، وقد خصص ههنا بالقياس على الوقف والعتق- كما سبق-
ثم إن النية المؤثرة لا تكون في العقود إلا بعد ملك ، وأن النية المستقبلية لا تؤثر في العقود.
@ أن الفعل مع النية يقوم مقام اللفظ إذا كان الفعل يدل على المقصود .
والجواب : أن النية المؤثرة في الفعل النية المقارنة للفعل في وقت تصح فيه ، وهنا النية إذا كانت مقارنة للفعل لم تصح ، لأن المشترى لم يدخل في ملكه بعد ، والشراء نقل الملك له ، ولو كانت بمجرد الشراء تتعين لمّا نوى لما دخلت في ملكه.
ولأنه بالنية أخبر بشرائه عمّا سينوي أن يصرفها له، والإخبار عن النية المستقبلية ليس كنية الفعل. ففرق بين نية الفعل ونية سيفعل.
وذهب المالكية أن الأضحية لا تتعين إلا بالذبح .
لأنه إذا ذبح فعل ما أمر به ، وإن لم يفعل فلا شيء عليه .
والجواب : لا إشكال فيما ذكرتم ، وإنما الإشكال في التعيين بعد الملك ، ومن أخرج شيئا لله وعينه ونطق به ، خرج من ذمته لله ،فوجب الوفآء به .
وعلى هذا فإن النية المقرونة بالفعل لها أثر في العقود ، إذا وقعت في محلها ، إما إذا لم تصادف محلاً لها فلا عبرة بها.
وقد سبق أن قررنا قواعد النية : وأن ترجيح قصد الفعل في المأمورات ينزل منزلة الفعل ، وأن ترجيح قصد الفعل في المحظورات لا ينزّل منزلة الفعل ، وأن العزم في المأمورات والمحظورات ينزّل منزلة الفعل .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / جامعة أم القرى / كلية الشريعة / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق