هل للواهب أن يرجع في هبته إذا عادت عين الهبة بالضرر على الواهب .
كمن وهبته زوجته داراً، فأسكن في هذه الدار ضرتها، وكما إذا تبرعت المرأة بكليتها لزوجها، ثم تزوج عليها، ونحو ذلك.
ليس لها الرجوع، بعد قبض الهبة، وللقاضي منع الزوج من الزواج عليها ،عند طلب الزوجة ذلك ، لأن فعل الزوج من الزواج عليها بعد تبرعها له بالكلية - الكلى -، مقابلة إحسان بإساءة وهذا لا يجوز،
لقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي نذرت لما فلتت على الناقة لتنحرنها إن نجاها الله عليها، قال صلى الله عليه وسلم ( بئسما جزييتها به ، لا نذر لابن آدم فيما لا يملك العبد، ولا نذر في معصية الله) فاعتبر مقابلة الحسنة بالسئية معصية،
ولقوله تعالى ( وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ،
ولأن مقابلة الإحسان بالإساءة لوم ودناءة ، وليس ذلك من المروءة والشهامة ، فلا تقرّه الشريعة، بل تنهى عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الخلاق).
ولأن الضرر الحاصل من مقابلة الحسنة بالسئية يزال ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ، ولاضرار ). ولأن الحكم إذا علق على علة، يدور مع علته وجوداً وعدماً.
وليس في ذلك تعويضاً مالياً مادياً على ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال : إن لي قرابة : أصلهم ويقطعونني ، وأحسن لهم ، ويؤسيئون لي، فقال صلى الله عليه وسلم ( إن كنت كما قلت ، فكأنما تسفهم الملّ - الرماد الحار- ) ولم يوجب له تعويضاً مادياً، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن الضرر المعنوي ليس له تعويض مالي، لأن الشارع لم يجعل للمقذوف تعويضاً مالياً عن حقه المعنوي - حق السمعة، وأثارها المعنوية عليه - وإنما جعل له المطالبة بالجلد .
ولهذا لا يصح الصلح عن إسقاط حق المطالبة بإقامة الجلد، بمبلغ مالي .
وقال صلى الله عليه وسلم ( ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ - اللام للعاقبة لا للتعليل - ما في إنائها ) ولم يوجب عليها التعويض الذي يلحق بأختها ، عند تحقق سؤالها طلاق أختها، ولقوله تعالى ( الطلاق مرتان فامساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان ) ولم يوجب على الزوج التعويض عند طلاق المرأة بلا سبب مع كسرها وضررها المعنوي غالباً، وإنما لها المتعة جبراً لخاطرها ، لا تعويضاً للضرر المعنوي، وإلا لكان مقدراً بقدر ذلك الضرر.
وليس للمرأة أن تطالب برد إحسانها الذي قبضه الموهوب ، لمقابلة ذلك بالإساءة ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( ليس لنا مثل السوء العائد في هبته، كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ).
و لّما أراد أن ينكح علي رضي الله عنه على فاطمة ، قال صلى الله عليه وسلم ( إنما فاطمة بضعة مني ، يسؤوني مايسوؤها ) فترك الزواج عليها، ولم يوجب لها عوضاً مالياً مع وجود الضرر المعنوي عليها من خطبته وعزمه على الزواج عليها. ولم يؤدي ذلك إلى فسخ نكاحها، بل أزيل الضرر من الإساءة التي كانت في مقابل الإحسان ،والله تعالى أعلم .
كتبه / أبو نجم / محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق