العصيمي / يجب على المرأة الحرة ستر كفيها وقدميها في الصلاة .
عورة المرأة في الصلاة :
أجمع العلماء على أن بدن المرأة الحرة في الصلاة عورة ما عدا الوجه اجمعوا على أنه ليس بعورة في الصلاة.
واختلفوا في الكفين والقدمين على ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا يجب سترهما، وبه قال الحنفية.
وذلك للأدلة التالية :
١ - لقوله تعالى ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)
قال ابن عباس : ( ما ظهر منها ) : الوجه والكفان .
والجواب عن ذلك : أن تفسير الصحابي للقرآن ليس له حكم الرفع على القول الراجح، ثم إن هذا التفسير معارض بتفسير ابن مسعود حيث قال : المراد بما ظهر منها : الثياب، وهو أقرب لأن الزينة الظاهرة التي لا يمكن إخفاؤها : كالثياب والطول والعرض للمرأة ، يعفى عنه لعدم القدرة على إخفائه .
ثم إن المراد بالآية العورة امام الرجال بدليل السياق .
٢ - إن ظاهر حال الصحابيات - رضي الله عنهن- أنهن كن يصلين في القمص والخُمُر، ولو كان ستر القدمين والكفين واجباً لأمرهن به صلى الله عليه وسلم.
والجواب عنه : أن هناك أدلة تدل على كونهما من العورة في الصلاة - كما سيأتي -
القول الثاني : يجب ستر القدمين لا الكفين، وبه قال المالكية، والشافعية، والحنابلة في المشهور.
وذلك لما سبق من الأدلة في الكفين. أما كون القدمين عورة في الصلاة فلما يلي :
١ - لحديث أم سلمة : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أتصلي المرأة في درع - القميص- وخمار- ما يغطي الرأس والعنق- ، بغير إزار، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها).
مما يدل على أن القدمين عورة.
وأجيب عنه : بأن الحديث رواه أبو داود وغيره، وهو ضعيف، لأن في سنده : عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، قال عنه الحافظ في التقريب. ( صدوق يهم ) إلا أنه في هذا الحديث بالذات قد غلطه الأئمة وخطؤه ، فقد خالفه غيره من الأئمة الثقات، فرووه موقفوفاً، كالإمام مالك، وابن أبي ذئب، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن جعفر ، وغيرهم.
وممن رجح وقفه : الدارقطني، وابن عبد البر، وعبدالحق، وابن الجوزي، وابن حجر وغيرهم..
فلا يصح الحديث مرفوعاً، والموقوف فيه ضعف أيضاً، لأن في سنده محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه، وأمه مجهولة كما يقول الذهبي وغيره.
٢ - حديث ابن عمر مرفوعاً ( من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة : كيف يصنع النساء بذيولهن . قال : يرخين شبراً. قالت : إذاًتنكشف أقدامهن. قال : يرخين ذراعاً ولا يزدن على ذلك). أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم، وصححه الترمذي والمناوي .
والجواب عنه : أن المراد بهذا الحديث ستر المرأة لقدميها أمام الرجال الأجانب لا كون القدمين عورة في الصلاة. بدليل السياق .
ففرق بين باب الستر في باب الصلاة ، وبين باب سترة المرأة أمام الرجال .
٣ - ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان). وحسنه الترمذي .، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان والسيوطي.
فيشمل هذا أن تكون عورة في الصلاة ، وعورة للأجانب.
وقاسوا على جواز كشف الوجه للمرأة في الصلاة ، - للإجماع على ذلك كما حكاه ابن عبدالبر وابن تيمية وغيرهم -الكفين بجامع الحاجة إلى كشفهما في كلٍ .
والجواب : أن الحاجة المعتبرة، هي التي دلّ الدليل عليها، أو كانت في معنى ما دلّ الدليل عليه ، أو أولى مما دلّ الدليل عليه ، وما لا فلا. - وقد تقدم التفصيل في هذه القاعدة بأدلتها-.
القول الثالث : يجب ستر جميع بدن المرأة الحرة في الصلاة- ومن ذلك الكفان والقدمان - ما عدا الوجه - للإجماع - وهو رواية عن الإمام أحمد .
١ - لقوله صلى الله عليه وسلم ( المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)
فيشمل ذلك عورتها في الصلاة ، وأمام الرجال الأجانب .
فإن قيل : المراد أن تكون عورة للأجانب، بدليل قوله : ( فإن خرجت استشرفها الشيطان(
فالجواب : أن الكل عورة، وخرج الوجه بالإجماع للمرأة في الصلاة، وبقي ما عداه على أصل كونه عورة . وخروج المرأم من بيتها يستشرفها الشيطان وإن لم يظهر شيء من بدنها، وذكر حكم آخر عقب الحكم الأول لا يخصص ما يشمله اللفظ الأول.
وذلك لأن العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب. اللهم إلا إذا كان ذلك السبب معنوياً فإن العام يتقيد بما يشبه حال ذلك السبب.
وهنا لا يتقيد الحكم بالسبب الذي هو خروج المرأة أمام الرجال الغير محارم لها، فيشمل عورتها أيضاً في صلاتها.
٢ - ولقوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ...).فيشمل ذلك الزينة الخلقية من جسد المرأة إلا ما استثني - كالوجه في الصلاة للإجماع - وما تتحلى به المرأة أمام الأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه كالطول والعرض والثياب.، وتفسير الصحابي للآية بالمثل للتوضيح ولا يعني الحصر.
٣ - لحديث عائشة مرفرعاً ( لا يقبل الله صلاة حائض - بالغ- إلا بخمار ).
فإذا كانت صلاة المرأة لا تقبل وهي مكشوفة الرأس ، فعدم قبول صلاتها وهي مكشوفة البطن أو الكفين أو القدمين من باب أولى .
و هذا الحديث جاء من طريق قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة مرفوعاً، واختلف فيه على قتادة، فرواه حماد بن سلمة وحماد بن زيد عند ابن حزم عنه - قتادة - مرفوعاً.
ورواه شعبة وسعيد بن بشير عنه - قتادة - موقوفاً، ومع ذلك فالأظهر رواية الرفع أرجح لوجود شواهد وإن كان بها ضعف لكنها تقوي جانب الرفع والعلم عندالله تعالى.
٤ - حديث أم سلمة السابق : ( إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها) وإن كان ضعيفاً مرفوعاً إلا أنه قد يصح موقوفاً عند بعض العلماء مما يدل على أن المتقرر عند نساء النبي صلى الله عليه وسلم ستر القدمين فكذا الكفين لأنهما مما تدعو الحاجة لكشفه .
وبعد هذا العرض يترجح القول بوجوب ستر الكفين والقدمين للمرأة الحرة في الصلاة، والعلم عندالله تعالى .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق