قاعدة : كل مدح لا يترتب عليه محذور شرعي. - كالعجب ، أو تغرير الناس به - فلا بأس به.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح ).
وروي عنه أيضاً ، صلى الله عليه وسلم ( لو لم أبعث لبعث عمر ).وفي لفظ ( لو كان بعدي نبي لكان عمر). وفيهما ضعف، وأصح من ذلك وأصرح ما روى البخاري عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك )
فهذا مدح لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في وجهه .
وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه قال : كنا نخير بين الناس. - نقول فلان خير من فلان - في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم).
وهذا يدل على فضلهم ومدحهم بذلك. وحديث ( أمين هذه الأمة أبو عبيدة ) وقد وردت أدلة كثيرة تدل على مدح النبي صلى الله عليه وسلم لكثير من صحابته بأعيانهم .
وأما ما ترتب عليه محذور شرعي فلا يجوز لحديث ( لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يكن سيداً فقد أغضبتم ربكم ).
وقد يظهر الإنسان مشاعره لغيره يظهر صدقه فيها وهو يضمر غيره لا لمصلحة راجحة، ولا درأّ لمفسدة متوقعة، فيكون من عمل الزور.
قال صلى الله عليه وسلم ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) ( من لم يدع قول الزور ، والعمل به ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه). وأما إذا ترتب على ذلك مصلحة أعظم أو درء مفسدة فلا بأس لحديث عائشة لما استأذن الرجل فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( بئس أخو العشيرة ) فلما لقيه هش في وجهه وبش، ثم قال ::( يا عائشة إن شر الناس عند الله منزلة من ودعه الناس تقاء شره)
فكل مقصود صحيح لا يمكن التوصل له إلا بالإخبار عنه بخلاف الواقع لا يعتبر كذباً شرعاً- كما سبق تقريره -.
وكذا إذا كان ذلك يتسبب في عجب الممدوح وكبره، حيث مدح رجل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال ( ويحك، قطعت عنق صاحبك ).
أو ترتب على ذلك وصف الإنسان بما ليس فيه فيكون كذباً، قال صلى الله عليه وسلم ( والكذب يهدي إلى الفجور، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ).
وعلى هذا يحمل حديث( احثوا في وجوه المداحين التراب) فيما إذا كان في المدح إفراط أو خيف على الممدوح الفتنة ، ولهذا قال النووي : وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة ، بل إذا كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير والإزدياد منه أو الدوام عليه أو الإقتداء به كان مستحباً.أ.ه.
ومما سبق نقعد قاعدة وهي :كل مدح مصلحته أعظم من مفسدته فهو مستحب .
وكل مدح مفسدته أعظم من مصلحته فهو محرم.
وما استوى طرفاه من المصلحة والمفسدة ، فهو منهي عنه، لأن درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح ، والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق