حكم الجهر بالذكر والقراءة في الصلاة مما موضعه عدم الجهر :
حكمه : خلاف السنة ولا يصل إلى حد البدعة ،
لأن الجهر أحيانًا ليس بمحرم، ووصف التبديع إنما يتناول المحرمات، ثم لو كان محرمًا فإن الجاهر لا يتعبد الله بهذا الجهر بل يعتقد أن السنة هنا هي الإسرار، فإن خالف فهو مخالف للسنة لا مبتدعاً .
وليس كل مخالف للسنة مبتدعاً.
ويدل على ذلك ، ما رواه البخاري من حديث رفاعة بن رافع ، قال : كنا نصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال ( سمع الله لمن حمده ، قال رجل خلفه : ( ربنا ولك الحمد حمداً كثيراًطيباً مباركاً فيه ) فلما انصرف من صلاته قال صلى الله عليه وسلم ( من المتكلم آنفاً ) قال : أنا يارسول الله فقال (لقد رأيت بضعاًا وثلاثين ملكاً يبتدرونها ، أيهم يكتبها أول ) مع أن الأصل في هذا الذكر أن يكون سراً مالم تقتضي المصلحة سواه .
وكان عمر - رضي الله عنه - يعلم الناس دعاء الاستفتاح بالجهر به في الصلاة ، ولو كان الجهر به بدعة لأنكر عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان الصحابة يذكرون ما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته مما وضعه الإسرار، وقال لهم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي) ولو كان الجهر بما وضعه الإسرار بدعة لما علمهم في صلاته وجهر به أحياناً، وإنما يعلمهم في غير الصلاة، مما يدل على جواز الجهر به أحياناً وخصوصاً إذا كانت هناك حاجة لذلك ، أو مصلحة راجحة.
ولهذا ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - قاعدة وهي : إن الفعل المفعول لبيان الجواز قد يكون أفضل بذلك الاعتبار، وإن كان غيره أفضل منه باعتبار ذاته.
فالبدعة : طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، مما ليس له أصل في الدين، أما ما له أصل في الدين وتعبدلله مما يدخل في عموم هذا الأصل المشروع فلا يعتبر ممبتدعاً، كمن يصلي في ليلة ثلاث وستين ركعة كل ليلة لا نقول له مبتدع لأنه داخل في الأصل ( صلاة الليل مثنى مثنى) مع كونه صلى الله عليه وسلم لا يزيد عن أحد عشرة ركعة ) كما في حديث عائشة.
والقاعدة : أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم.
أما ما كان أصله غير مشروع كقول الصوفية : هو هو هو، اختصاراً لكلمة التوحيد، ويتعبدون لله بذكر كلمة هو ذكراً، فهذه الجهر بها بدعة كما أن الإسرار بها بدعة .
بخلاف المشروع فالإسرار بها سنة إذا وردت السنة بذلك، ومخالفته لا يعتبر بدعة ، ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وسلم على الرجل الذي رفع صوته وقال ( ربنا لك الحمد حمداً كثيراً مباركاً فيه)
كما أن الذكر الذي يشرع فيه الجهر ، كما في الذكر بعد السلام من الفريضة - لا يكون من أسر به مبتدعاً لأنه لم يجهر، وقد أوضحنا ذلك في قاعدة : التخصيص لا ينبعث إلا عن اعتقاد الاختصاص.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق