قاعدة : لا يجوز أخذ المال إلا في مقابلة مال لا ربا فيه - كالمضاربة - أو عمل ، أو ضمان لا يؤول إلى ربا، أو ضرر مادي بمقدار ذلك الضرر .
وأخذ الأجرة على الضمان الذي لا يؤول إلى المال ، حكي الإجماع على عدم جوازه ، فأن صح الإجماع فلا يسع أحد مخالفته، وإن لم يصح وهو الأقرب لوجود الخلاف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الخراج بالضمان ). و( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن). دلّ بمفهومه على أن الربح يؤخذ مقابل الضمان .
وأما الضرر المادي فيؤخذ بمقدار الضرر فقط ، ولا يجوز أخذ الزيادة على ذلك إلا إذا كانت الجناية عمداً فإن تنازل المجني عليه عن القصاص إلى أكثر من الدية صلحاً فلا بأس، أما جناية شبه العمد والخطأ ء فلا يجوز أخذ أكثر من الدية المقدرة شرعاً، ( في الموضحة خمس من الإبل ) ونحو ذلك من الأدلة المقدرة لجناية شبه العمد والخطأ في النفس أو العضو أو المنفعة أو الجروح ،
وكذا الجناية التي توجب مالاً لا يؤخذ أكثر من مقدار الضرر المادي فقط، فإذا لم يجز في جناية شبه العمد والخطأ في البدن ففي الأموال من باب أولى ، وجاز في العمد في النفس وما يتعلق بها أخذ أكثر من الدية لأن الواجب هو القصاص، فإذا تنازل عنه إلى الصلح بالمال بأكثر من الدية جاز، لأن المال كل المال أقل من النفس وما يتعلق بها من عضو أو منفعة أو جرح .
ولحديث عبدالله بن عمرو بن العاص : قضى صلى الله عليه وسلم أن من قتل عمداً دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شآؤوا قتلوا، وأن شآؤو أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة - أي في بطونها أولادها - وما صولحوا عليه فهو لهم ) رواه الترمذي وحسنه، وسكت عنه الحافظ في التلخيص، وهو يدل على انه حسن عنده .
وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا الجهم بن حذيفة مصدقاً فلاحه رجل في صدقته، فضربه أبو الجهم فشجه ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يارسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم : لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال : لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال : لكم كذا وكذا، فرضوا. فقال صلى الله عليه وسلم : إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم، فقالوا : نعم ، فخطب فقال : إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا: أرضيتم، فقالوا : لا، فهم المهاجرون بهم، فأمرهم أن يكفوا عنهم ثم دعاهم فزادهم، فقال أرضيتم فقالوا : نعم ).
ولا خلاف أنه إذا تم العفو مستكملاً لشروطه وأركانه فهو لازم، وإنما زادهم إما لكون القاضي لا يقضي بعلمه، وإما تطييباً لخاطرهم، وتأليفاً لقلوبهم .
أما الضرر المعنوي لا يستحق عليه العوض عند جماهير أهل العلم رحمهم الله تعالى ، لما في صحيح مسلم أن رجلاً قال : يارسول : إن ابني هذا كان أجيراً على هذا فزنى بامراته ، وأني افتديت ابني بمائة شاة ووليدة ، فقال صلى الله عليه وسلم ( المائة شاة والوليدة رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ولم يعتبر قيمة الضرر المعنوي الذي لحق الرجل من الزنا بامرأته ، ورد عليه المائة والشاة لأنها أخذت من غير سبب مباح يجوز أخذ المال عليه، مع وجود الضرر المعنوي.
كتبه : أبو نجم / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق