حكم صيام يوم الشك :
الشك : هو التردد بين الجهتين وهو اليوم الذي يحتمل أن يكون. من شعبان، ويحتمل أن يكون من رمضان فالصوم الذي فيه أدنى شك يسمى يوم شك .
غير أن الحنفية والمالكية يوم الشك عندهم : هو إذا لم بر الهلال ليلة الثلاثين من شعبان ، والسماء متغيمة فصبيحة يوم الغيم يوم شك، لأنه إذا لم تثبت رؤيته كان من شعبان جزماً، إلا أن الحنفية في حالة شهادة من ردت شهادته يعتبرون ذلك يوم شك .
أما الشافعية والحنابلة فيوم الشك عندهم : هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم بر الهلال ليلتها مع الصحو ، وتحدث الناس برؤيته أو شهد من ردت شهادته كالصبيان والفسقة، وليس إطباق الغيم عندهم يوم شك .
والذي يظهر أن جميع ما ذكر من القولين السابقين داخل في مسمى يو الشك .
هذا وقد اختلف العلماء في حكم صيام يوم الشك، وأقرب الأقوال في نظري والعلم عندالله تعالى ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة في رواية إلى حرمة صيام يوم الشك بلا سبب يقتضي صيامه ، كمن يوافق له عادة، أو يصومه قضاء أو نذراً.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يتقدم أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ألا أن يكون رجل يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم ). والنهي عند الإطلاق يفيد التحريم .
ولقول عمار رضي الله عنه ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ).وهذا الحديث أخرجه البخاري معلقاًبصيغة الجزم، وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وفي إسناده ضعف، لأن فيه أبا إسحاق السبيعي وإن كان ثقة فقد اختلط بآخره، كما في الكواكب النيرات لابن الكيال، ثم هو مشهور بالتدليس ،وقال الزيلعي : المعروف أن هذا من قول عمار .
ويشهد لحديث عمار حديث أبي هريرة السايق ( لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ). كما للحديث شاهد من وجه آخر عند عبدالرزاق في مصنفه من رواية سماك عن عكرمه، ولهذا صحح حديث عمار جمع من العلماء منهم الترمذي، والدارقطني، والحاكم، والألباني في الإرواء.
وعلى فرض ضعفه يغني عنه حديث أبي هريرة السابق ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين ). فأحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم .
وعدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين .
وذهب الحنفية والحنابلة في رواية إلى جواز صيام يوم الشك تطوعاً .
@ لحديث عمران بن حصين في الصحيحين مرفوعاً قال لرجل ( هل صمت من سرر شعبان ) قال : لا ، فقال صلى الله عليه وسلم ( فإذا افطرت رمضان فصم يومين مكانه ) وفي رواية ( من سرة شعبان ).
- فيه أن صوم يوم منه يعدل صوم يومين في غيره -
والمراد بسرر الشهر : قيل : وسطه، وقيل : آخره.
والجواب : ان حديث عمران محمول على من له عادة - على فرض أن المراد بالسرر : إخره - ويحمل النهي على من ليس له عادة.
@ ولحديث أبي هريرة مرفوعاً ( لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ).
والتقدم على الشيء إنما يتحقق إذا كان من جنسه بحيث يصوم بنية رمضان ، أما الصيام بنية غيره فلا يتوجه إليه النهي، لأنه لا يعتبر تقدماً.
والجواب : ان الصيام كله جنس واحد، وعلى فرض عدم ذلك، فإن سياق الحديث يأبى هذا ويدفعه، حيث إن الاستثناء دليل العموم، ولم يرد الاستثناء إلا لمن له صيام معتاد، فدلّ على أن غيره داخل في عموم النهي .
وذهب المالكية ، والحنابلة في المعتمد ، إلى كراهة صيام يوم الشك تطوعاً بلا سبب.
لحديث عائشة ( كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان ).
وحديث أم سلمة ( لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان ويصل به رمضان ).
والجواب : ان العلة التي ذكرت : الخوف من أن يظن أنه زيادة على رمضان ، ليست مكروه كراهة تنزيه بل محرمة لحديث عمار رضي الله عنه ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ) وهو صريح في التحريم ، ويؤيده النهي في الحديث السابق ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون صوماً يصومه أحدكم )
وفيه دليل على أن التطوع داخل في النهي، لأن الشك لا يجوز أن يكون في يومين .
وأيضاً : حديث أم سلمة فيه ( كان يصوم شعبان ..) وكان تدل على الدوام والاستمرار غالباً ، فيكون حديث أم سلمة داخل في الاستثناء ( إلا أن يكون صوماً يصومه أحدكم ، فلا تعارض بينهما والحالة تلك . أما صيام النفل المطلق الذي لم تجر به عادة فلا يجوز .
وبعد هذا العرض يتبين تحريم صيام يوم الشك ، والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق