حكم تأجير النخل :
يجوز تأجير النخل قبل بدء ظهور الثمرة .
قياساً على إجارة الظئر، بجامع أن كلاً منهما إجارة عين لمنفعة مقصودة. ففي الظئر ينتفع باللبن، وفي النخل ينتفع بالثمر .
قال تعالى في الظئر ( فإن أرضعن لكم فاتوهن أجورهن ).
وقياساً على إجارة الأرض لمن يزرعها، فإذا صح ذلك ، صح إجارة النخل أو الشجر لمن ينتفع بثمره .والشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين. فالشجر والنخل كالأرض . فمستأجر الأرض يقوم عليها حتى يظهر زرعها، ومستأجر الشجر أو النخل يقوم عليه حتى يثمر.
وبه قال عمر بن الخطاب، والليث بن سعد، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، واختاره شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم . خلافاً للجمهور.
وأما تأجير النخل أو الشجر بعد ظهور ثمره، وقبل بدو صلاحها مدة الموسم، فهذا لا يجوز، لأنه بمعنى بيع الثمر قبل بدو الصلاح.
والمنصوص عليه ، وما في معناه حكمهما واحد.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع ). وإذا كان الأمر كذلك فهو بمعنى المنهي عنه. والإجارة هي نوع من أنواع البيع، إذ إنها بيع منافع، فهذه في حقيقتها بيع للثمرة قبل بدو صلاحها لا إجارة، والعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني. والله تعالى أعلم .
وأما تأجير الشجر والنخل مع الأرض لا مفرداً فلا بأس به - على الأرجح - لأنه والحالة تلك يكون تابعاً لغيره، ويجوز تبعاً ما لا يجوز مفرداً.
@ ولا بأس بشراء النخيل أو الشجر قبل أن يثمر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع" متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، والتأبير هو التشقيق والتلقيح، ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليُذر فيه شيء من طلع الذكر.
ويستدل بمنطوقه على أن من باع نخلاً، وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع، بل تستمر على ملك البائع، وبمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة أنها تدخل في البيع، وتكون للمشتري.
فإذا اشترط الثمرة أحد المبتاعين فهي له ،مؤبرة كانت أو غير مؤبرة .
ومشروعية بيع النخل قبل بدو صلاح ثمره لا يتعارض مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لأن الأول: بيع للنخلة كاملة بما عليها، فالثمر تابع للأصل، والتابع تابع . ، والثاني : خاص بالثمرة فقط دون أصلها - وهي النخلة - .
فإن قيل : أليست الإجارة ، نوع من البيع، فما لا يجوز بيعه لا تجوز إجارته .
فالجواب :
أولاً : أن تلك الأحاديث في النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وفرق بين بيع الثمار أو إجارتها وبين بيع الأشجار وإجارتها، والدليل على وجود الفرق أنه لا يجوز بيع الثمار قبل بدو الصلاح، بينما يجوز بيع الأشجار وفيها شيء من الثمار حتى لو لم يبد فيها الصلاح، بدليل النص في حديث ابن عمر المتفق عليه «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع»، ولأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، فلا يجوز بيع الجنين منفرداً، ويجوز بيعه تبعاً لأمه، فالأحاديث فيها النهي عن بيع الثمرة منفردة عن الشجر قبل صلاحها، وليس فيها نهي عن بيع الشجر المثمر الذي لم يظهر فيه الصلاح، وكذا ليس فيها نهي عن إجارة ذلك الشجر.
ثانياً : أن الأحاديث المذكورة واردة في النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وهي لا تتناول الإجارة للشجر المثمر أو الذي ينتظر ثمره، لوجود الفارق بين عقدي البيع والإجارة - والقاعدة : الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم - ، فالإجارة ليست بيعاً للثمرة قبل بدو صلاحها، ولو كان كذلك لكان على البائع مؤونة التوفية، وضمان الدرك ونحو ذلك .
ثم إن البائع في عقد البيع عليه السقي وغيره مما فيه صلاح الثمرة، حتى يكمل صلاحها، وليس على المشتري شيء من ذلك، وأما في عقد الإجارة فإن المستأجر هو الذي يقوم بالسقي والعمل حتى تحصل الثمرة والزرع، فاشتراء الثمرة اشتراء للرطب، فإن البائع عليه تمام العمل حتى يصلح؛ بخلاف من دفع إليه الحديقة وكان هو القائم عليها .
ومما يدل على أن صورة عقد الإجارة على النخل لم تدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلموأن مالك النخل لم يبع ثمره أصلاً، أنه لو استأجر الأرض جاز، ولو اشترى الزرع قبل اشتداد الحب بشرط البقاء لم يجز، فكذلك يفرق في الشجر والثمر .
قال ابن القيم : " والنبي نهى عن بيع الحب حتى يشتد، ولم ينه عن إجارة الأرض للزراعة، مع أن المستأجر مقصودة الحب بعمله، فيخدم الأرض ويحرثها ويسقيها ويقوم عليها، وهو نظير مستأجر البستان ليخدم شجره ويسقيه ويقوم عليه، والحب نظير الثمر، والشجر نظير الأرض، والعمل نظير العمل؛ فما الذي حرم هذا وأحل هذا؟ وهذا بخلاف المشتري؛ فإنه يشتري ثمراً وعلى البائع مؤنة الخدمة والسقي والقيام على الشجر؛ فهو بمنزلة الذي يشتري الحب وعلى البائع مؤنة الزرع والقيام عليه.
فإن قيل: الفرق أن الحب حصل من بذره، والثمر حصل من شجر المؤجر.
قيل: لا أثر لهذا الفرق في الشرع، بل قد ألغاه الشارع في المساقاة والمزارعة فسوى بينهما؛ والمساقي يستحق جزءاً من الثمرة الناشئة من أصل الملك؛ والمزارع يستحق جزءاً من الزرع النابت في أرض المالك، وإن كان البذر منه، كما ثبت بالسنة الصحيحة الصريحة وإجماع الصحابة، فإذا لم يؤثر هذا الفرق في المساقاة والمزارعة التي يكون النماء فيها مشتركاً لم يؤثر في الإجارة بطريق الأولى؛ لأن إجارة الأرض لم يختلف فيها كالاختلاف في المزارعة، فإذا كانت إجارتها عندكم أجوز من المزارعة، فإجارة الشجر أولى بالجواز من المساقاة عليها، فهذا محض القياس وعمل الصحابة ومصلحة الأمة "
ومما يؤيد تخصيص النص النبوي في النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بعقد البيع فقط، دون غيره من العقود الأخرى، النص النبوي الآخر في جواز عقد السلم في الثمار، فهو في حقيقته كالاستثناء من تلك الأحاديث فعقد السلم بيع للثمر قبل تخلقه ، وقبل بدو صلاحه، لكنه بيع موصوف في الذمة لا بيع عين، وقد نص جماعة من العلماء منهم الخطابي وابن عبدالبر - كما تقدم - في بيع السنين أنه محمول على بيوع الأعيان لا بيع الصفات، وكذا نص ابن بطال على ذلك هنا، فقال : " وأما نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها محمول على أن بيع الثمرة عينًا لا يجوز، إلا بعد بدو صلاحها، وفى السلم ليس عند العقد ثمرة موجودة عند البائع تستحق اسم البيع حقيقة، وحديث النهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها مرتب على السلم، تقديره: أنه نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها إلا أن يكون سلماً، بدليل حديث ابن عباس أنهم كانوا يسلفون فى الثمر السنتين والثلاث، وذلك بيع له قبل أن يبدو صلاحه وقبل أن يخلق .
وكذا من أباح إجارة الشجر قبل أن يخلق الثمر فيه يقول : إن النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها لا يجوز إلا أن يكون ذلك إجارة ، فإن النص النبوي لم يتعرض له، بدليل وجود الاستثناء من بيع الثمر قبل بدو صلاحه بمعاملات أخرى، كالسلم في الثمار السنتين والثلاث، وليس اسم البيع بواقع على تلك المعاملة، فليس عند العقد ثمرة موجودة عند المؤجر تستحق اسم البيع حقيقة.
ومثل ذلك - أيضاً - عقد المساقاة فإن من دفع البستان إلى من يعمل عليه بنصف ثمره وزرعه، كان هذا مساقاة ومزارعة فاستحق نصف الثمر والزرع بعمله، وليس هذا اشتراء للحب والثمرة .
يقول ابن القيم في التفريق بين عقدي البيع والإجارة هنا :"والفرق بين إجارة الشجر لمن يخدمها ويقوم عليها حتى تثمر، وبين بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أوجه:
أحدها:أن العقد هنا وقع على بيع عين، وفي الإجارة وقع على منفعة، وإن كان المقصود منها العين فهذا لا يضر،كما أن المقصود من منفعة الأرض المستأجرة للزراعة العين.
الثاني:أن المستأجر يتسلم الشجر فيخدمها ويقوم عليها كما يتسلم الأرض، وفي البيع البائع هو الذي يقوم على الشجر ويخدمها، وليس للمشتري الانتفاع بظلها ولا رؤيتها ولا نشر الثياب عليها، فأين أحد الرأيين من الآخر؟
الثالث:أن إجارة الشجر عقد على عين موجودة معلومة لينتفع بها في سائر وجوه الانتفاع، وتدخل الثمرة تبعاً، وإن كان هو المقصود، كما قلتم في نقع البئر ولبن الظئر أنه يدخل تبعاً وإن كان هو المقصود، وأما البيع فعقد على عين لم تخلق بعد فهذا لون وهذا لون.
وسر المسألة أن الشجر كالأرض، وخدمته والقيام عليه كشق الأرض وخدمتها والقيام عليها، ومغل الزرع كمغل الثمر، فإن كان في الدنيا قياس صحيح فهذا منه" .
وبهذا يتبيّن عدم استقامة الاستدلال بأحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح في منع إجارة النخل وسائر الشجر، وذلك لعدم تناوله عقد الإجارة على الشجر، فهو أولاً نهي عن بيع الثمار لا عن بيع أو إجارة الأشجار، وهو ثانياً نهي عن البيع لا عن الإجارة .
وعلى فرض أن الإجارة تدخل في البيع إلا أن القاعدة أن النص العام يخصص بالقياس، وأقيسة القول الأول تخصص العام الذي هو البيع - ويدخل فيه الإجارة- تخصص منه الإجارة . والله تعالى أعلم .
كتبه / أبو نجم/ محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق