معنى ( من ) في كلام العرب، وعند الأصوليين :
الأصل في ( من ) أنها حقيقة لابتداء الغاية .
قال تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاٌ من المسجد الحرام ..).
وقال تعالى ( إنه من سليمان )
وهي تكون لابتداء غاية المكان والأحداث والأشخاص بالاتفاق، وكذا تكون لابتداء غاية الزمان على رأي أهل الكوفة وهو الأقرب، بدليل قوله تعالى ( من أول يوم ) ولحديث ( فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة ) كما في صحيح البخاري. وخالف البصريون في كونها تكون لابتداء غاية الزمان.
وقيل: إنها حقيقة في التبعيض كما ذكره ابن عقيل ، والأرجح : أنها حقيقة في ابتداء الغاية ، لأن هذا الغالب في معناها، كما ذكر ابن هشام في مغني اللبيب: أن الغالب عليها ابتداء الغاية .
والقاعدة : أن الحكم للغالب لا للقليل والنادر.
وهذا يبين أن معنى ( من ) في النص إذا لم يدل على معناها قرينة أو دليل، رجعنا للأصل في معناها ، لأن الأصل في الكلام الحقيقة.
وإلا فإن ( من ) تأتي على خمسة عشر وجهاً، وأشهر معانيها التبعيض، كقوله تعالى ( منهم من كلم الله ). والتبيين ( يحلون من أساور من ذهب ).
وبناء على هذه القاعدة يجري الخلاف في المراد من قوله تعالى في آية التيمم ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فإن قلنا هي حقيقة في التبعيض، فلا إشكال فيه حيث دلت الآية على عدم جواز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يتعلق باليد كما هو المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني وهو الأقرب : أنه لا يشترط أن يكون له غبار، وهو الأقرب، لقوله صلى الله عليه وسلم ( الصعيد الطيب، طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) والصعيد: كل ما صعد على وجه الأرض مما هو من جنسها وإن لم يكن له غبار،ولقوله صلى الله عليه وسلم ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) والأرض يشمل جميع أجزائها مما له غبار، أو لم يكن له غبار.
فدلّ ذلك على أن المراد ب( من) في آية الوضوء أنها بيانية لا تبعيضية.
بخلاف آية الوضوء ( وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) حيث إن الأصل في الباء أنها حقيقة في الإلصاق، وهو الأكثر ، وقد يراد بها حقيقة : التبعيض كما أثبته الأصمعي وغيره من أهل اللغة، ولكن عند الاحتمال ولا مرجح ، تكون حقيقة في الإلصاق. كما قد تطلق الباء على غير هذين المعنيين مجازاً عند ورود الدليل أو القرينة الدالة على ذلك ، لأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض.
وعلى هذا إذا مسح من الرأس بعضه بحيث يسمى في لغة العرب مسحاً- مسح برأسه - أجزأ، أما مسح الشعرة والشعرتين والثلاث لا يسمى من فعل ذلك ماسحاً برأسه .
ويحمل مسح النبي صلى الله عليه وسلم لجميع رأسه في الوضوء كما في حديث عبدالله بن زيد: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) على الاستحباب، لأن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التعبدية أنها للاستحباب.
ثم إن الأمر في قوله تعالى( وامسحوا ) مطلق ، والمطلق يصح بأقل ما يتناوله اللفظ.
قال تعالى( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كُنتُم جنباً فاطهروا وإن كُنتُم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباًفامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) المائدة:٦.
كتبه / أبو نجم/ محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق