فرق بين ما كان من جنس أذكار الصلاة، وما كان من غير جنس أذكار الصلاة .
@ كل ما كان من جنس أذكار الصلاة من الكلام لا تبطل الصلاة به.
وكل ما كان من غير جنس أذكار الصلاة من الكلام تبطل الصلاة به.
لحديث معاذ بن الحكم لما عطس رجل في الصلاة ، فقال : الحمدلله، - ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه بعد فراغه من الصلاة - فقال الآخر: رحمك الله ، فضرب الصحابة على أفخاذهم، إنكاراً على الذي قال رحمك الله، فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم ، دعا الذي قال: رحمك الله، وقال : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هي التسبيح والتحميد، وذكرالله، وفِي لفظ: وقراءة القرآن).
إن القياس في العبادات ممكن ولا قياس في التعبدات. وفِي الحديث ( أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته) ( اقضوا الله فدين الله أحق بالقضاء) ومما يؤيد أن الذكر في الصلاة ليس توقيفياً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع رجلاً يقول في صلاته ( ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، قال صلى الله عليه وسلم ( لقد رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها ...) ولم يكن أعلمه هذا الذكر من قبل، ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن الحكم ( إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله) وأحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم، فيكون ذلك صالحاً لكل موضع من أجزاء الصلاة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة القرآن وهوراكع أو ساجد) والنهي عن الأخص دليل على جواز الأعم. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم في صلح بني عمرو بن عوف ، لما حضرت الصلاة ، وقال بلال لأبي بكر : حبس النبي صلى الله عليه وسلم فهل لك أن تؤم القوم، فقال : إن شيئت، وصلى أبو بكر بالناس ، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم يشق الصفوف حتى صلى في الصف الأول وصفق الصحابة فالتفت أبو بكر وأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم مكانك ، ورفع أبو بكر يديه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم : وحمدالله، الحديث .
كل ذلك يدل على أن ما كان من جنس أذكار الصلاة لا يبطلها بل هو مشروع ما لم يكن منهياً عنه في موضع من مواضعها.
وأما القول : بأن المشروع: هو كل ذكر وجد سببه ولم يكن من حق المخلوقين ومخاطبتهم .
فإن هذا يعني عدم جواز أذكار جنس الصلاة في غير موضعها إلا ما دلّ الدليل على سببه. وهذا يعني أن الأمر توقيفي، ولا يقاس على ما ورد النص به. وهذا قول جمع من الفقهاء، ويشكل عليه حمد أبي بكر ورفع يديه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم شكراً لله على عودته سالماً. ويشكل عليه الرجل الذي ذكر ذكراً بعد الركوع لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم .
كما أن من أهل العلم من يستشكل على ذلك بما ورد في ذكر التشهد ( السلام عليك أيها النبي) فهو خطاب للمخلوق ممن هو الصلاة .
@وبناء على ما سبق ترجيحه : لا يشرع متابعة المؤذن لمن يصلي على القول الراجح خلافاً لشيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله ومن وافقه، لأن الأذان يحتوي على أذكار ليست من جنس أذكار الصلاة. كحي على الصلاة، وحي على الفلاح.
فإذا هلل أو كبر أو ذكر ذكراً من أذكار جنس الصلاة في أي موضع من مواضعها لم تبطل صلاته، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة النفل إذا مر بآية تسبيح سبح، وإذا بآية سؤال ).
فالحمدلله: من جنس أذكار الصلاة، ورحمك الله: ليست من جنس أذكار الصلاة.
فإذا تكلم المصلي بكلام من غير جنس الصلاة عالماً بالتحريم متعمداً لغير مصلحتها أو إنقاذاً لمسلم، بطلت صلاته بالإجماع، كما حكاه الحافظ ابن حجر في الفتح.
أما ما جرى على لسانه بغير قصد، أوكان ساهياً، أو جاهلاً فلا تبطل صلاته على أصح قولي العلماء في ذلك.
وقد سبق بيان ذلك في قاعدة الجهل ، وقاعدة النسيان في القواعد التسعون في الفقه والأصول، وتبينت قاعدة : الموجود في النسيان ينزّل منزلة العدوم، والمعدوم لا ينزّل منزلة الموجود.
واختلفوا فيمن تكلم متعمداً لصلاح الصلاة لسهو دخل على إمامه ، أو لإنقاذ مسلم لئلا يقع في مهلكه أو اجاب دعوة أحد والديه أو أكره على الكلام . والأقرب جواز الكلام في النفل في هذه كلها، وتنقطع الصلاة بها، لجواز قطع النافلة من غير عذر، وتنقطع الصلاة بها لأن ذلك من غير جنسها وهو عالم متعمد، وأما في الفريضة فتنقطع الصلاة عند الضرورة للعذر.
لأن الفريضة لا يجوز قطع الصلاة فيها إلا للعذر لقوله تعالى ( ولا تبطلوا أعمالكم). وجاز الكلام من غير جنسها للضرورة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( إذا ناب أحدكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال، ولتصفق النساء) فلم يأذن بالتنبيه إلا بما هو جنس الكلام فيها.
وروى البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً ( نادت امرأة ابنها وهو في صومعته قالت : يا جريج ، قال : اللهم أمي وصلاتي. قالت : يا جريج. قال: اللهم أمي وصلاتي. قالت : يا جريج. قال: اللهم أمي وصلاتي. قالت: اللهم لا يموت حتى ينظر في وجه المياميس - الزواني - وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم، فولدت، فقيل لها: ممن هذاالولد؟ فقالت : من جريج نزل من صومعته.قال جريج: أين هذه التي تزعم أن ولدها لي؟ قال: يا بابوس - يا رضيع ، أو ياصغير- من أبوك؟ قال: راعي الغنم).
فالذي يظهرأن الكلام عنده يقطع الصلاة فلذلك لم يجبها لما نادته والدته.
وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخه شرعنا.
وأما حديث ذي اليدين وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم في الرباعية بعد الثانية، وكلم الصحابة وكلموه، ثم أتم الصلاة . يحتمل أن هذا الكلام في أثناء الصلاة لمصلحتها- كما ذهب إليه بعض العلماء- ويحتمل أن هذا حصل منهم ظناً أنهم قد خرجوا من الصلاة حتى دخلوا فيها مرة أخرى - وبين الصلاتين ، الأولى التي خرجوا منها ، والتي دخلوا فيها، لم يثبت لهم بعد أنهم في صلاة - وهذا أقرب، وغاية ما يدل على أنه من وقعت له مثل هذه الحادثة جاز له أن يتكلم في مثلها حتى يشرع في الدخول فيها مرة أخرى - لأن الأصل عدم جواز الكلام في الصلاة حتى يدل الدليل الصريح في الدلالة، فإذا جاء الاحتمال الراجح أو المساوي بطل به الاستدلال.
- ولا يقاس قليل الفعل على قلليل الكلام في الصلاة ، والفرق بين قليل الفعل للعامد فلا يبطل، وبين قليل الكلام أن الفعل لا تخلو منه الصلاة غالباً لمصلحتها وتخلو من الكلام الأجنبي غالباً مطرداً، كما نقله ابن حجر عن ابن المنير، والأقرب في نظري والعلم عند الله تعالى في التفريق بينهما، أن قليل الفعل من جنس الصلاة ، وقليل الكلام من غير جنس الصلاة، وبهذا تطرد القاعدة - .
- وأما الحركة الكثيرة المتتالية من غير ضرورة، فهذا تبطل الصلاة، وذلك لأنه يتنافى مع هيئتها التي شرعها الله تعالى لعباده، فإن الرائي له والحالة تلك يدرك أنه في غير صلاة .
- وما لا يسمى كلاماً في اللغة كالحنحنة والتنخم والبكاء والأنين والتأوه ونحوها لا تبطل بعمده الصلاة.ففي سنن أبي داود من حديث عبدالله بن عمرو وفيه ( ثم نفخ في آخر سجوده فقال : أف أف) وفِي الحديث الآخر( وعرضت علي النار فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها).
- واما الضحك فقد نقل ابن المنذر الإجماع على أنه يبطل الصلاة، وذلك لأن الضحك يهتك حرمة الصلاة ، بخلاف البكاء ونحوه، والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق