إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الجمعة، 13 أبريل 2018

حكم صبغ الشعر بالسواد/لفضيلة الشيخ د.محمد بن سعد العصيمي - حفظه الله


حكم صبغ الشعر بالسواد :

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون ، فخالفوهم ) متفق عليه.
وروى مسلم عن جابر قال : أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يوم فتح
مكة  ورأسه  ولحيته كالثغامة - بفتح الثاء : نبت أبيض الزهر والثمر - بياضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد).
وهذه الأدلة تدل  على النهي عن تغيير الشيب بالسواد للكراهة لا للتحريم من ثلاثة أوجه :
١ - أن مخالفة أهل الكتاب فيما كان مشروعاً لنا ومشروعاً لهم مستحب وليس بواجب .
أما ما كان من خصائصهم في عباداتهم ومعاملاتهم فيجب علينا مخالفتهم فيه .
فصيام يوم عاشوراء مشروع لنا ولهم، فيستحب لنا مخالفتهم في صفة ذلك العمل بأن نصم قبله أو بعده يوماً ولا يجب.
والصلاة مشروعة لنا ومشروعة لهم فيستحب أن نصلي بنعالنا ولا يجب مخالفة لهم في صفة ذلك العمل .
وكذا إعفاء اللحية مشروع لنا ، ومشروع لأهل الكتاب، فيستحب لنا مخالفتهم في صفة ذلك العمل ولا يجب، وهو تغيير اللون.
- وقد سبق بيانه في القواعد التسعون في الفقه والأصول-.

٢ - ولأن هذا من باب تهذيب السلوك والآداب، والأمر فيها للاستحباب  عند الجمهور  لا للوجوب، خلافاً للظاهرية .

٣ - ولأن دلالة الإقتران تدل على أن الأمر للاستحباب لا للوجوب، فتغيير الشيب ليس بواجب، فيكون الأمر ( وجنبوه السواد) على الاستحباب، لأن دلالة الإقتران ليست ضعيفة مطلقاً، بل قد تقوى وقد تضعف في كل نص بحسبه .

هذا وقد اختلف الفقهاء في حكم تغيير الشيب بالسواد على أربعة أقوال:
الأول: ذهب الشافعية في الصحيح من المذهب، إلى تحريم تغيير الشيب بالسواد.
وأستدلوا :
1- الدليل الأول: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله، قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد».
الحديث في صحيح مسلم ؛ لكن اختلف في قوله «وجنبوه السواد»؛ فقيل: إنها ليست من الحديث؛ لأن أبا الزبير أنكرها من رواية زهير بن معاوية عنه، ولم يذكرها عزرة بن ثابت عن أبي الزبير، وإذا اختلف في ثبوتها عن أبي الزبير فإن المرجع هو أبو الزبير، وقد صرح أنها ليست من الحديث.

وهذا الحديث مداره على أبي الزبير، عن جابر.
يرويه عن أبي الزبير زهير بن معاوية، وابن جريج، وليث بن أبي سليم، وعزرة بن ثابت، والأجلح، وأيوب السختياني.
فرواه زهير بن معاوية، وعزرة بن ثابت عن أبي الزبير، عن جابر، ولم يقولوا: وجنبوه السواد، ورواية زهير صريحة أن أبا الزبير لم يذكرها أصلاً في الحديث.
ورواه الباقون بذكرها، وذلك على النحو التالي :

الطريق الأول: زهير بن معاوية عن أبي الزبير:
أخرجه الطيالسي(1753) حدثنا زهير، عن أبي الزبير، قال: قلت له: أحدثك جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي قحافة: "غيروا، وجنبوه السواد"؟ قال: لا.
وهذه الرواية مختصرة، والنفي في الحديث المقصود به أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: وجنبوه السواد، وأما الأمر بالتغيير، فهو ثابت من طريق زهير؛ فقد أخرجه أحمد(3/338)، قال: ثنا حسن وأحمد بن عبدالملك، قالا: ثنا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال أحمد في حديثه: ثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي قحافة - أو جاء عام الفتح - ورأسه ولحيته مثل الثغام أو مثل الثغامة. قال حسن: فأمر به إلى نسائه، قال:((غيروا هذا الشيب))، قال حسن: قال زهير: قلت لأبي الزبير: أقال: "جنبوه السواد"؟ قال: لا.
وأخرجه مسلم(2102) حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أتي بأبي قحافة - أو جاء عام الفتح أو يوم الفتح، - ورأسه ولحيته مثل الثغام، أو الثغامة، فأمر أو فأمر به إلى نسائه قال:((غيروا هذا بشيء)).
وأبو خيثمة: هو زهير بن معاوية.
وأخرجه ابن الجعد في مسنده(2652) من طريق شبابة، نا أبو خيثمة به.
وأخرجه الطبراني في الكبير(9/41) رقم 8327 من طريق عمرو بن خالد الحراني، ثنا زهير به.
واختلف على زهير بن معاوية، فرواه عنه من سبق:
1- يحيى بن يحيى عند مسلم.
2- أبو داود الطياليسي في مسنده.
3 - حسن بن موسى عند أحمد.
4 - أحمد بن عبدالملك عند أحمد.
5 - شبابة كما في مسند ابن الجعد.
6 - عمرو بن خالد كما عند الطبراني، ستتهم رووه عن زهير بن معاوية، عن أبي الزبير عن جابر، وليس فيه ذكر السواد، بل في بعضها التصريح على أنها ليست في الحديث.
وخالفهم إبراهيم بن إسحاق بن مهران، فرواه ابن عبدالبر في الاستيعاب(1773) من طريق إبراهيم بن إسحاق بن مهران، عن شيخ مسلم يحيى بن يحيى، عن زهير بن معاوية به بذكر: "وجنبوه السواد"، ولا شك أن هذا وهم في رواية زهير بن معاوية، فلو خالف إبراهيم مسلمًا وحده، لكان ذلك علة، فكيف وقد خالف ستة رواة ممن رووه عن زهير بدونها؟!.

الطريق الثاني: عزرة بن ثابت، عن أبي الزبير:
أخرجه النسائي في الكبرى(5/416) وفي الصغرى(5242) قال: أخبرنا محمد بن عبدالأعلى، قال: حدثنا خالد - وهو ابن الحارث - قال: حدثنا عزرة - وهو ابن ثابت - عن أبي الزبير، عن جابر قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي قحافة، ورأسه ولحيته كأنه ثغامة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: غيروا - أو اخضبوا. اهـ هذا لفظ الصغرى، ولفظ الكبرى: " يروا هذا، خضبوا لحيته".
ولم يقل: وجنبوه السواد. ورجاله إلى أبي الزبير كلهم ثقات أثبات. وأخرجه الحاكم في المستدرك(3/173) من طريق خالد بن الحارث، ثنا عزرة بن ثابت به.
فهنا ثقتان: زهير بن معاوية، وعزرة بن ثابت يرويانه عن أبي الزبير، عن جابر بدون "وجنبوه السواد"، وفي طريق زهير ينقل عن أبي الزبير أنه يصرح أن قوله: "وجنبوه السواد" ليست في الحديث.
ويشهد له ما رواه أحمد(6/349) وابن حبان(7208) والطبراني في الكبير(24/88) رقم 236 من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، عن جدته أسماء، وفيه:((غيروا هذا من شعره))، ولم يقل: وجنبوه السواد، وسوف يأتي الكلام على هذا الطريق إن شاء الله تعالى.

الطريق الثالث: ابن جريج، عن أبي الزبير:
أخرجه مسلم(2102) قال: حدثني أبو الطاهر، أخبرنا عبدالله بن وهب، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:((غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد)).
وأخرجه أبو داود(4204)، ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن الكبرى(7/310) قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني، قالا: ثنا ابن وهب به.
وأخرجه النسائي( 5076 ) قال: أخبرنا يونس بن عبدالأعلى، قال: حدثنا ابن وهب به.
وأخرجه ابن حبان(12/285) رقم 5471 من طريق أبي الطاهر بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب به.
وأخرجه البيهقي في الكبرى(7/310) وفي شعب الإيمان(5/215) من طريق بحر بن نصر، وأبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب به.
وأخرجه أبو عوانة(2/74) من طريق يونس بن عبدالأعلى وبحر بن نصر كلاهما، عن ابن وهب به.
الطريق الرابع: ليث بن أبي سليم، عن جابر:
أخرجه عبدالرزاق(11/154) قال: أخبرنا معمر، عن ليث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أتي بأبي قحافه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح كأن رأسه ثغامة بيضاء، فقال:((غيروه، وجنبوه السواد)).
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه أحمد(3/322)، وأبو عوانة(5/514)، والطبراني في الكبير(9/40) رقم 8324.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(5/182) رقم 25000 ومن طريقه أخرجه ابن ماجه(3624) ثنا إسماعيل بن علية، عن ليث به.
وأخرجه أحمد أيضًا(3/316) قال: ثنا إسماعيل - يعني ابن علية - به.

الطريق الخامس: الأجلح، عن أبي الزبير:
أخرجه أبو يعلى في مسنده(1819) قال: حدثنا أبو بكر، حدثنا شريك، عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة أتي بأبي قحافة، ورأسه ولحيته كأنهما ثغامة، فقال:((غيروا الشيب، واجتنبوا السواد به))، وهذا إسناد فيه ضعف من أجل شريك بن عبدالله.
ومن طريق شريك أخرجه الطبراني في الأوسط(6/14) رقم 5658، وفي الصغير(483)،

الطريق السادس: أيوب السختياني، عن أبي الزبير:
أخرجه أبو عوانة في مسنده(5/513) حدثنا أحمد بن إبراهيم أبو علي القهستاني، قال: حدثنا عبدالرحمن بن المبارك، قال: ثنا عبدالوارث، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أتي بأبي قحافة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، وكان رأسه ولحيته مثل الثغامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:((ابعثوا به إلى عند نسائه، فليغيرنه، وليجنبنه السواد)).
وهذا إسناد صحيح إلى أبي الزبير.
أحمد بن إبراهيم أبو علي له ترجمة في تاريخ بغداد، قال عنه الخطيب: أحاديثه مستقيمة حسان تدل على حفظه وتثبته. تاريخ بغداد(4/9).
وعبدالرحمن بن المبارك من رجال التهذيب، ثقة روى له البخاري. وبقية الإسناد مشهورون.
وأخرجه الطبراني في الكبير(9/41) رقم 8326 ثنا يحيى بن معاذ التستري، ثنا يحيى بن غيلان، ثنا عبدالله بن بزيغ، عن روح بن القاسم، عن أيوب السختياني به.

الطريق السابع: مطر بن طهمان الوراق، عن أبي الزبير:
أخرجه الطبراني في الكبير(8325) حدثنا الحسن بن علوية القطان، ثنا إسماعيل بن عيسى العطار، ثنا داود بن الزبرقان، عن مطر الوراق وليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير به.
وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه داود بن الزبرقان، وهو متروك، وفيه مطر بن طهمان الوراق كثير الخطأ.
وقد اختلف فيه على مطر بن طهمان:
فرواه داود بن الزبرقان عنه كما سبق.
وأخرجه الطبراني في الكبير(9/41) رقم 8328 قال: حدثنا خلف بن عمرو العكبري، ثنا الحسن بن الربيع البوراني، ثنا عبدالعزيز بن عبدالصمد العمي، عن مطر بن طهمان الوراق يكنى بأبي رجاء، عن أبي رجاء العطاري، عن جابر بن عبدالله قال: جيء بأبي قحافة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأسه ولحيته كأنها ثغامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:((اذهبوا إلى بعض نسائه يغيرنه))، قال: فذهبوا به فحمروها.


ثم إن ابن جريج كان يصبغ بالسواد وهو ممن رووا الحديث عن أبي الزبير. ورد أنه قد رواه جملة من الرواة غير زهير بن معاوية بإثبات «وجنبوه السواد»؛ لكن قيل: إن أبا الزبير تارة يثبت «وجنبوه السواد» وتارة ينفيها، فهذا دليل على أنه لم يكن نسياناً..
لكن قيل: إن الإمام مسلماً أخرجها في صحيحه، وهو أصح كتاب بعد البخاري.

 والجواب : أن العلماء قد أجمعوا على قبول ما في الصحيحين في الجملة ، مع أنه قد انتقد عليهما في بعض الأحرف اليسيرة ، كلفظ ( حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ) انقلب على الراوي .وهو في مسلم.

أيضاً ورد في صحيح البخاري حديث أبي هريرة: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم»؛ فأمر بالصبغ وأطلق ولم يقيده بشيء.
ثم إن الحسن والحسين وسعد بن أبي وقاص قد صبغوا بالسواد؛ فلو كان حراماً لما فعلوه، وكذلك كانوا في زمان الصحابة - رضي الله عليهم -، فلو كان حراماً لأنكروا عليهم.

2-  الدليل الثاني: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد. قال حسين: كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة». لكن أجيب عن هذا بما يلي:
أولاً: ضعف الحديث؛ لأن في إسناده اختلافاً.
ثانياً: أن الوعيد الشديد ليس على الصبغ بالسواد؛ وإنما هو على معصية أخرى لم تذكر؛ ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد»، وقد عَرفتَ وجود طائفة قد خضبوا بالسواد في أول الزمان وبعده من الصحابة والتابعين وغيرهم، فظهر أن الوعيد المذكور ليس على الخضاب بالسواد؛ إذ لو كان الوعيد على الخضاب بالسواد لم يكن لذكر قوله «في آخر الزمان» فائدة؛ فالاستدلال بهذا الحديث على كراهة الخضاب بالسواد ليس بصحيح. 
فإن قيل: قد يكون فائدة ذكر «آخر الزمان» أنه يكثر فيه وينتشر بخلاف ما وجد في العصر الأول ؛ كان الصبغ من آحادهم؛ وهذا تأويل للنص عن غير ظاهره بلا دليل .

ثالثاً: أن المراد بالخضب بالسواد في هذا الحديث به لغرض التلبيس والخداع، لا مطلقاً جمعاً بين الأحاديث المختلفة، .

رابعاً: لقد صبغ جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسواد.. أيكون الصبغ متوعَّداً عليه بأنه لا يريح برائحة الجنة، ثم هؤلاء يصبغون، ولا ينكر عليهم من قبل الصحابة وهم أكمل الأمة في النصح والعلم والقيام بالواجب ولا يخافون في الله لومة لائم.

والجواب : بأن العبرة بالنص لا بفعل الصحابة،
وقول الصحابي ليس بحجة ، وخصووصاً إذا خالف النص.

3- الدليل الثالث: ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبغض الشيخ الغربيب». قال أحمد: الذي يخضب بالسواد. لكن الحديث إسناده ضعيف وضعَّفه أحمد بن حنبل.

القول الثاني: وذهب الحنفية وهو المذهب، والمالكية، وقول في مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة؛ إلى كراهة الخضاب بالسواد في غير الحرب  .
وأستدلوا:
 بأن النهي عن الخضاب بالسواد محمول على الكراهة، والصارف له من التحريم إلى الكراهة ، القرائن والأدلة السابقة . ويؤيده ما يلي :

 فعل الصحابة على أن النهي ليس للتحريم، ولو كان للتحريم لما خضب جمع من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
مع أن العبرة بما روى الراوي لا بما رأى .

وقد ذكر ابن القيم ثمانية من الصحابة يصبغون: الحسن، والحسين، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، وعثمان بن عفان، وعمرو بن العاص.

قال أبو عشانة المعافري: «رأيت عقبة بن عامر يخضب بالسواد، ويقول: نسود أعلاها وتأبى أصولها...». المصنف وسنده صحيح.

القول الثالث: وذهب الحنفية في قول، وهو اختيار أبي يوسف ومحمد بن الحسن واختيار جماعة من التابعين؛ إلى أن صبغ اللحية والرأس بالسواد جائز بلا كراهة. جاء في الفتاوى الهندية ما نصه: «اتفق المشايخ - رحمهم الله - أن الخضاب في حق الرجال بالحمرة سنة وأنه من سيماء المسلمين وعلاماتهم، وأما الخاضب بالسواد فمن فعل ذلك من الغزاة ليكون أهيب في عين العدو فهو محمود منه.. اتفق عليه المشايخ، ومن فعل ذلك ليزين نفسه للنساء وليحبب نفسه إليهن، فذلك مكروه وعليه عامة المشايخ، وبعضهم جوز ذلك من غير كراهة، وروي عن أبي يوسف أنه قال: كما يعجبني أن تتزين لي يعجبها أن أتزين لها...»
وأستدلوا :
1- لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي في التحريم، والأصل في الأشياء الإباحة. قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحبُّ إليَّ، قال: وترك الصبغ كله واسع - إن شاء الله - ليس على الناس فيه ضيق. وإمام بمثل مالك، وهو في المدينة، قد رأى فقهاء التابعين وأخذ منهم؛ يرى أنه لم يسمع في الصبغ بالسواد شيئاً؛ دليل على أن أحاديث النهي في الباب لا تصح؛ أو هو يرى أن رواية «وجنبوه السواد» لم تصح.

2-  ما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم».
فالحديث يقتضي الأمر بالصبغ ولم يقيد صبغاً دون صبغ؛ فبأيِّ شيء صبغ الرجل فقد امتثل الأمر.
3- ما رواه جابر قال: «أتي بأبي قحافة - أو جاء عام الفتح أو يوم الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغام أو الثغامة فأمر أو فأمر به إلى نسائه، قال: غيروا هذا بشيء». فيصبغ بأي شيء. 

والجواب عنه :  بأنه مطلق بتغيير الشيب مقيد بالأحاديث التي تنهى عن السواد.

4- أن أبا بكر صبغ بالحناء والكتم، والحناء والكتم يعطي لوناً من اللون الأسود؛ وذلك لأن الأسود درجات منه الأسود الداكن، ومنه الأسود الفاتح، وبينهما درجات يسميها بعضهم باللغة المعاصرة البني الغامق، وهو لون من درجات اللون الأسود؛ فلما أذن في الحناء والكتم دل على إذنه بالأسود؛ لكن قد يكون الحناء له نفع للبشرة والشعر فخص بالنص، وهو دليل على جوازه بغير الحناء والكتم مما يعطي لونهما.

القول الرابع: وذهب الشافعية في قول بعضهم إلى أن الخضاب بالسواد يحرم على غير المتزوجة؛ وأما المتزوجة فيحرم عليها إذا لم يأذن به الزوج، وإن أذن فوجهان: الأول الجواز، والثاني التحريم. وبهذا يتبين أنه يجوز للمرأة المتزوجة خضب شعرها بالسواد إذا أذن لها زوجها به في وجه، وهو قول إسحاق بن راهويه، حيث رخص للمرأة المتزوجة أن تتزين به لزوجها؛ 

واستدلوا لذلك بأدلة المجيزين للخضاب بالسواد؛ إلا أنهم خصوها بالمرأة المتزوجة لتتمكن من التزين لزوجها.
الترجيح:
بعد عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم يترجح بأن تغيير الشيب مستحب، وتغييره بالسواد مكروه إذا صحت لفظة ( وجنبوه السواد) وفِي صحتها نظر- كما سبق - فإن لم تصح فالراجح: جوازه بلا كراهة .، لأن القول بالتحريم أو الكراهة تحتاج إلى دليل ، ورواية الصحيين الإطلاق ، والتقييد في ثبوته نظر، والأحوط : تجنب السواد على سبيل الاحتياط  ، وعلى فرض الثبوت فهو محمول على الكراهة كما سبق .
والله أعلم.

أبو نجم / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت